قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Saturday, September 19, 2009

نعرف ما سيحدث


أنت تعرف ما سيحدث لو تفشي وباء إنفلونزا الخنازير أكثر من هذا في مصر. الالتزام بالتعليمات الصحية.. عندما تري بناية حديثة، وقد علقت جوار المصعد في كل طابق ورقة تتوسل للسكان كي يدفعوا رسوم الصيانة، وهي غالبًا عشرون جنيهًا في الشهر يأبي أن يدفعها من دفع نحو المليون ثمنًا لشقته. وهكذا يتلف المصعد وتملأ القذارة الممرات ويتعطل موتور المياه، وتتحول البناية إلي خراب ينعق فيه البوم. عندما تري هذا يصعب عليك أن تصدق أن الناس يمكن أن تسلك اليوم مسلكًا حضاريًا يقتضيه العقل والمصلحة العامة

أنت تعرف ما سيحدث في المستشفيات.. طبيب صدر من أصدقائي فحص بعض المرضي وتخلص من القناع في القمامة، فزجرته الممرضة قائلة إن هذه الأقنعة يتم جمعها في نهاية اليوم للاستعمال ثانية
وأدرك في هلع أنه وضع علي أنفه قناعًا تنفس فيه العشرات من قبله. كنت عائدًا من الخارج فاستوقفتني ممرضة تعسة مرهقة تقف وراء دكة، وعلي أنفها قناع متسخ ملوث بالإفرازات، لتدس ترمومترًا رقميًا في أذني لربع ثانية ثم تقول

 «إنت كويس. عدي»

قلت لنفسي إن هذه الممرضة التعسة هي الحاجز الذي يصد الوباء عن مصر إذن.. فكيف أطمئن؟. لقد تقدمت طرق فحص القادمين نوعًا، لكن طريقة التفكير هي ما يقلقني

برغم الدلائل المخيفة والعلامات المقلقة، يصر وزير التربية والتعليم بعناد اعتادته الحكومة علي أن الدراسة ستبدأ في موعدها شاء من شاء وأبي من أبي، وبرغم توسلات ورجاء المواطنين، وتذكيرهم له بأن العملية التعليمية لا لزوم لها أصلاً و(مش فارقة). نحن نعرف الكارثة التي ستحدث في المدارس، حيث لا تهوية ولا إضاءة ولا شيء، وعندما يموت الطفل المئة سوف يقولون: «فعلاً.. كان من الواجب أن نؤجل الدراسة قليلاً».. لكن تصريحات الرئيس مبارك مؤخرًا توحي باهتمامه بالموضوع، ما يدل علي أن سيناريو (الرئيس ينقذنا من تعنت وزرائه) سوف يتكرر هذه المرة غالبًا. وبالفعل تم تأجيل الدراسة أسبوعًا أعتقد أنه قابل للتمديد. لكن المشكلة الحقيقية هي الدروس الخصوصية.. يجب ألا ننسي أن كل مدرس قد افتتح مدرسة في بيته، وعدد الطلاب في المجموعة الواحدة لا يقل عن أربعين لدي البعض

المشكلة هي أنك لا تتبين الحقيقة أبدًا بين حكومة تكذب دومًا وأقارب مريض ينكرون كل شيء، ويتهمون الحكومة طيلة الوقت. المهم الصراخ والتشكيك.. كانت مصر خالية من إنفلونزا الطيور بشهادة منظمة الصحة العالمية، فكتبت كل الصحف المعارضة والمستقلة عن الحكومة التي تتكتم وعن القري الكاملة المحاصرة التي تموت بإنفلونزا الطيور. بعد هذا بأشهر غزت إنفلونزا الطيور مصر فخرجت صحف المعارضة تؤكد أن الوباء لا وجود له ووهم كبير، وخرجت مظاهرات أصحاب مزارع الدجاج يلوحون باللافتة الشهيرة: لمصلحة من؟..

يقول زوج أول ضحية توفيت بإنفلونزا الخنازير في مصر إن زوجته لم تصب بهذا المرض، ولم تعان من أمراض أو أزمات قلبية علي مدار السنوات الثلاث الأخيرة. هذا كلام يناقض نفسه، فالرجل يؤكد لنا أن زوجته لم تصب بإنفلونزا الخنازير، لكنه في الوقت نفسه ينفي عنها أي مرض آخر.. إذن كيف توفيت؟... اتهم الزوج وزارة الصحة بفبركة مرض زوجته، سعياً لإلغاء موسم الحج والعمرة هذا العام. والسؤال هنا: ما الذي تستفيده وزارة الصحة من إلغاء موسم الحج؟.. هل هم مجموعة من كفرة قريش؟

هنا يأتي التفسير في نظرية المؤامرة الشهيرة.. في نفس الصفحة يرد أحد القراء: «نما إلي علمنا أن الدول العلمانية تود أن تحتكر أو تحاول جمع أموال المسلمين التي سوف تصل للمملكة العربية السعودية عن طريق الحج والعمرة وذلك لسد بعض الفائض المهدور من أموالها ومحاولة لإنقاذ الحالة الاقتصادية العالمية وذلك بحجب الأموال عن الحج والعمرة بسبب التغطية الإعلامية لفيروسات وهمية الكينونة. عامةً دون أن أطيل: الفيروس ممكن القضاء عليه بالبصل والليمون أما باقي الفائض العالمي سوف يوجه إلي شركات المحمول والفضائيات أو الدولة الحديثة. وربنا يرحمني». هذه هي لهجة العلم المطلق التي تثير غيظي.. ومع أنني لم أفهم نهاية العبارة الملتفة، فمن قال لك إن الفيروس يباد بالبصل والليمون؟... ولماذا لم تقم بتسجيل براءة هذا الاختراع العبقري؟

هناك كذلك نغمة أن الموت موعد مكتوب لا مفر منه، فمن قلة الإيمان أن نحاول تعطيله. الذين قالوا هذا كانوا أول من هرع ليعالج في الخارج عندما مرض. الله يأمرنا باجتناب الأذي وأن نتداوي.. هذا شيء بدهي لكننا ننساه

أذكر حادثة صغيرة وقعت منذ ثمانية قرون، في العام 1341 ظهر وباء الطاعون الأسود زاحفًا من قلب آسيا، بدأ الكابوس بمجموعة من التجار الإيطاليين العائدين من الصين، طاردهم التتار فاضطروا للفرار نحو أسوار ميناء كافكا. دام حصار التتار للتجار ثلاثة أعوام وفي ذات يوم نفدت مقذوفات التتار مما جعلهم يستعملون نوعًا جديدًا من القذائف: جثث من ماتوا بالطاعون في صفوفهم..! هذه كانت أول حرب بيولوجية في التاريخ. وهكذا بدأ الوباء.. ثم عاد التجار الإيطاليون فارين لبلادهم، فبدأ الوباء يزحف معهم نحو العراق والأناضول ومصر وشمال أوروبا.. وبسببه خلت غزة وجنين ونابلس من سكانها

عام 1350 أعلن البابا كليمنت السادس تحديد العام للحج إلي الفاتيكان طلبًا لرفع الوباء عن المسيحيين؛ ولكي يتطهر الناس من الخطيئة. هذه كانت أسوأ فكرة ممكنة؛ لأن مليونًا ونصف المليون من الحجاج قصدوا الفاتيكان، لم يعد منهم سوي العُشر

خلاصة القصة: عندما ينتشر الوباء، فليس من الحكمة أبدًا أن تضع ملايين البشر في مكان واحد، وهذا ينطبق علي الحج والعمرة والمدارس والمباريات ودور السينما وكل شيء.. نحن في ظروف حرجة وعلينا أن نتعامل علي هذا الأساس

يمتلك فيروس إنفلونزا الخنازير
«H1N1»
خاصية رهيبة تتميز بها فيروسات الإنفلونزا ( أ) عامة، هي أنه يقوم داخل الخلية بتفكيك نفسه إلي ثمانية أجزاء ويقوم بتبادلها مع فيروس آخر فيما يدعي بعملية إعادة التصنيف
Reassortment
وهكذا يولد فيروسان جديدان تمامًا.. يمكن تخيل اختلاط الفيروسات القادمة من الصومال مع القادمة من ماليزيا ومصر وألمانيا وتركيا.. أي أمزجة عبقرية تقاوم أي علاج سوف تنتج؟

تبدأ البشائر مع إصرار أصحاب الموالد - مسلمين كانوا أو مسيحيين - علي إقامة الموالد في موعدها مهما كان الثمن. ليس الموضوع حماسًا دينيًا خالصًا ولكن الحسابات الاقتصادية تلعب دورًا مهمًا هنا

لكن ماذا عن الحج والعمرة؟.. لقد اتخذت وزارة الصحة قرارها وانتهي الأمر، لكن يجب هنا ذكر حقيقتين: تقريبًا معظم الحالات في مصر عائدة من السعودية أو اتصلت بشخص قادم من السعودية، ويسهل التأكد من هذا بمراجعة الأخبار.. الحقيقة الثانية التي يتناقلها الأطباء المصريون شفويًا؛ هي أن المرض متفش بشكل واضح في السعودية. هل مصر قادرة فعلاً علي عمل حجر صحي محكم لكل عائد من الحج والعمرة؟.. وهل هي قادرة علي فرز الذين هم في فترة الحضانة ولم ترتفع حرارتهم، ويمكنهم المرور بسلام من أي مسبار حراري؟

الحقيقة الثالثة هي أن السلطات السعودية فعلت شيئًا مشابهًا من قبل، فمنعت في عام 2001 مواطني أوغندا من دخول الأراضي المقدسة لأداء مناسك الحج نتيجة انتشار مرض الإيبولا القاتل في البلاد، كما ألزمت عددًا من الدول الموبوءة بتقديم شهادة تطعيم ضد الحمي الصفراء سارية المفعول، وشهادة أخري تفيد بإبادة الحشرات والبعوض علي الطائرات القادمة من هذه الدول، كما منعت حجاج هذه الدول من جلب أي مواد غذائية معهم

روي مالك أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ رأي امرأة مجذومة تطوف بالبيت، فقال لها: يَا أمة الله لا تؤذي الناس لَوْ جَلَسْتِ في بيتك فجلستْ، فمر بها رجل بعد ذلك، فقال لها: إِنَّ الَّذِي كَانَ قَدْ نَهَاكِ قَدْ مات فَاخْرُجِي، فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لأطيعه حيًا وأعصيه مَيِّتًا. هكذا قدم عمر بن الخطاب سلامة المسلمين علي الطواف

الخلاصة: يجب أن ننتظر العائدين من العمرة، وهم يشكلون عينة صغيرة لما سيحدث بعد موسم الحج، وسوف يكون استقبالهم بروفة مصغرة لما تقدر وزارة الصحة علي عمله. يجب أن يكون بروتوكول الحجر الصحي صارمًا.. يجب أن تكون التعليمات الصحية جزءًا ثابتًا من خطب الدعاة حتي يثبتوها في الأذهان، ولنأمل أن ينتهي هذا الكابوس، فلا يقول من يبقي منا حيًا بعد عام: ليت الحكومات كانت أكثر صرامة وتشددًا

Tuesday, September 15, 2009

أن تكتب فى البيت


أنا أكتب في البيت

الأمر يعود لمشكلة ضميرية، تتعلق بترك زوجتي وحدها مع وحشين صغيرين مفترسين لا يكفان عن العراك والشكوى والطلب. هذه قسوة لا توصف.. كل مؤلف أعرفه له مكان منعزل هادئ يكتب فيه، ومنهم من لجأ إلى المقابر مثل عمنا العبقري خيري شلبي. لكني ما زلت أجد نوعًا من التحذلق والادّعاء في أن أترك البيت كل صباح وأذهب للكتابة ثم أعود في المساء.. يعني دوستويفسكي يا خيّ؟ دعك بالطبع من أن زوجتي ستجد الفكرة سخيفة.. أوشك أن أسمعها تقول لصديقتها على الهاتف
 "البيه واخد شقة لنفسه عشان يكتب!.. قال يكتب قال"
ومن قال إن سمعة الرجل غير مهددة، وإنها ليست كعود الثقاب الذي لا يشتعل إلا مرة واحدة؟ إذا كنت تعتقد أن هذا الكلام للنساء فقط فأنا أهنئك.. أنت ستكون أديبًا عظيمًا

هكذا أقرر أن أكتب في البيت، وهنا تأتي المشكلة التالية: لقد اعتدت الكتابة على الكمبيوتر، بحيث صرت فعلاً أجد عُسرًا في الإمساك بالقلم، وهناك في البيت جهاز كمبيوتر واحد.. والسبب؟ أعتقد دومًا أنه من الخطر ترك مراهق وحده مع جهاز الكمبيوتر خاصة في عصر الإنترنت، حيث يكفي أن تكتب بضعة حروف مثل (ؤبييععتغقكبقبغ) لتجد نفسك في ألعن موقع بورنو عرفته الشبكة. أكتب
 (vdsrsrhgdgdhgdmmnnnb)
 ولسوف تجد نفسك في موقع لهواة أكل لحوم الموتى بعد اغتصابهم، أو موقع لهواة العلاقات المشينة مع سحلية الإجوانا. ذات مرة تركت ابنتي الصغيرة تلعب أمام الكمبيوتر وخرجت.. عدت لأجدها توشك على استكشاف موقع قادها له إعلان تلو إعلان تلو إعلان.. أدركت في هلع أنه موقع مخصص للثرثرة بين المصابين بانحرافات جنسية.. هكذا لم أغلق النت.. أغلقت الجهاز والحجرة ذاتها وخرجنا نشم الهواء
لا أثق في برامج الرقابة على الإنترنت مثل (سايبر باترول) و(نت ناني) لأن الثغرات تحدث.. لهذا أحب أن يستخدم أطفالي الجهاز وأنا بجوارهم والغرفة مفتوحة، ولنفس السبب لا أستعمل في البيت سوى جهاز كمبيوتر واحد فلا تحسبن أن البخل هو السبب

المشكلة هنا أن الإنترنت مغرية جدًا ومليئة بالألعاب الشائقة.. والمشكلة الأسوأ أنني أستعمل ذات الجهاز للكتابة.. كل ما يختص بعملي أضعه عليه من أول قصة كتبتها حتى هذا المقال، ومن رسالة الماجستير حتى آخر بحث لم يُنشر بعد. من هنا تنشأ كارثة في البيت
إن ابنتي تدخل الحجرة.. تقف بجواري في ملل.. تعبث في الأقلام على المكتب.. تدور من حولي.. أسألها عما هنالك فتقول
 "أنتظر أن تنتهي!.. أريد أن ألعب"
أقول لها إنني سأمضي وقتًا طويلاً جدًا.. لا أعرف متى أنتهي
كيف كنا -معشر الكهول- نعيش من دون كمبيوتر؟ (عشت كذلك دون تليفزيون حتى سن العاشرة).. لابد أننا عشنا طفولة شبيهة بطفولة الكلاب إذن. التعبير على وجه ابنتي يوحي بأنني أحرمها حقها في الأكل والشرب أو التنفس.. أب قاسٍ شرير أنا
بعد ربع ساعة تنصرف آسفة، ليظهر ابني الذي يريد أن يكلم زملاءه على برنامج (ماسنجر).. يدور في الغرفة ويجلس على المقعد ويعبث بالأقلام، ثم يسألني في ضجر
 "ألا تنوي أن تخرج أو تنام؟"
 "نعم.. لاحظ أنني أقوم بالتأليف.. وهذا يستغرق وقتًا لأنه عملية خلق إبداعية ولا يوجد زر نضغط عليه كي"
لا يبدو راغبًا في سماع شيء عن آليات الإبداع.. يريد الجهاز فقط، ثم هو مقتنع أن الأمر ليس بهذه الأهمية والخطورة.. وأنا بالتأكيد لست تولستوي، وإلا لعرف هذا أو لرآني أصافح ملك السويد وأنا أتسلم جائزة نوبل.. لو كنت ناجحًا لهذا الحد فلماذا لم أبتع كمبيوتر آخر؟ يظل يراقبني لمدة طويلة ثم يسألني
 "ألاحظ أنك لا تكتب أي شيء"
أصيح في جنون.. أنا أفكر!.. أفكر!.. لست موظفًا في مكتب نسخ.. وكيف أفكر بينما هناك من يراقبني منتظرًا أن أفكر؟.. لو كنت (شكسبير) نفسه فلن أكتب حرفًا بهذه الطريقة

أنهض للحمام -وهو حق فسيولوجي كما تعلم- وأعود بعد دقيقة لأسمع الصخب، ولأجد سيركًا قد نُصب في مكتبي فلا ينقصني إلا أن أبتاع تذكرة على الباب.. بوم بوم كراش فززز!.. ابنتي تقهقه وابني يصرخ منتشيًا، بينما على الشاشة أرنب عملاق يطارد جزرًا يطير أو غزاة فضاء لونهم أخضر يطاردون بشرًا مذعورين.. المهم أن هناك الكثير من الـ بوم بوم كراش فززز في كل مكان
.. أسألهما وسط الضوضاء
 "مللبسيسسسسس؟"
 "ماذا؟"
 "هل قمتما بتسجيل ما كنت قد كتبته؟"
 "لا.."
وبالطبع لا توجد طريقة للخروج من هذه اللعبة بالذات سوى بإطفاء الجهاز ونسف ما كنت أكتبه

هكذا أصرخ فيهما وأطردهما كالذباب من الغرفة. طبعًا هناك حل ممتاز هو وضع مزلاج على الباب من الداخل، لكن زوجتي سوف تتضايق من هذا الحل باعتباري أسجن نفسي وأتركها وحيدة مع هذين الغولين الصغيرين.. لابد أنني أريد الشات مع البنات "المايصة".. هي لا تحب الكمبيوتر ولا تستعمله وتشك فيه، وتعتبره كتلة من الانحراف والفساد الذي تم تجميده.. إذن لماذا يطالب زوجها بأن يجلس وحده مع هذا الجهاز الشنيع؟

كما ترى ليس أمامي سوى حل المزلاج، أو حل شراء كمبيوتر خاص بالطفلين مع ما في ذلك من خطر، أو أن أجد مهنة أخرى غير الكتابة، أو أن أكتب في المقابر، أو أن أنتحر.. كلها حلول غير مُرضية فهل عندك حل سادس؟

Monday, September 14, 2009

شكرا لكم


Muhammad Ribkhan - Pixabay

لا أعرف من هو كاتب هذا الخطاب الجميل المتداول عبر شبكة الإنترنت، لكنه يعبر عن كل ما أُريد قوله. كل من يتعامل مع «الإنترنت» يفهم مشاعر من كتب هذا الخطاب.

Friday, September 11, 2009

Monday, September 7, 2009

العام 2009

من سمات العام 2009 كما ستعرف حالاً، أن بعض الكتاب يكتفون بأن يقدموا لك بعض الخطابات المسلية التي وصلت إلى بريدهم الإلكتروني!.. مثلاً خذ عندك هذا الخطاب الذي وصلني منذ أيام من مرسل مجهول. تعرف أنك تعيش في العام 2009 عندما:

1- تكتشف أنك لم تلعب بورق لعب حقيقي منذ عدة أعوام
2- تكتشف أن لديك خمسة عشر رقماً هاتفياً تخص أسرتك التي لا تزيد على ثلاثة أشخاص
3- ترسل بريدًا إلكترونياً لزميلك في العمل الذي يجلس على مكتب مجاور لك
4- تتدهور علاقاتك بأفراد أسرتك أو أصدقائك ممن ليس لديهم بريد إلكتروني
5- تقف بالسيارة تحت البيت ثم تتصل بالبيت بالموبايل لتطلب من يساعدك في حمل البقالة
6- كل إعلان في التلفزيون ينشر موقع إنترنت في أسفل الشاشة
7- مغادرة البيت من دون أن تأخذ معك الموبايل، الذي لم تكن تستعمله طيلة عشرين أو ثلاثين عاماً من حياتك، تسبب لك الذعر فتعود لتأخذه
9- تصحو في الصباح فتفتح الإنترنت قبل أن تشرب القهوة
10- أنت الآن تقرأ هذا الكلام فتهز رأسك وتبتسم. أما الأسوأ فهو أنك تعرف من سترسل إليه هذه الرسالة ليقرأها
11- أنت مشغول جدًا لدرجة أنك لم تلحظ أن القائمة بلا رقم (8).

الآن أنت تضحك.. وترغب في إرسال هذه الرسالة إلى آخرين.. هلم.. افعلها

Thursday, September 3, 2009

Tuesday, September 1, 2009

سلام يا شيخ محمد

قصة أخرى من القصص التي لا تحدث إلا في ميكروباص عائد لطنطا، ولا تحدث إلا بعد منتصف الليل، ولا تحدث إلا معي.

عندما تصمم على أن القاهرة لا تصلح لقيادة السيارات ولا تصلح لأي استعمال آدمي أصلاً، فعليك أن تدفع الثمن، وهذا الثمن قد يتطلب ركوب الميكروباص بعد منتصف الليل لأنه لا توجد قطارات، بينما السائق المسجّل خطر والذي لا يحمل رخصة، والذي يحمل ندبة مطواة على خده، والذي أفرغ زجاجة التوسيفان في جوفه منذ خمس دقائق.. هذا السائق يعدّ الركاب في الظلام بعينين لا تريان تقريبًا. السؤال هنا: هل يعيش هؤلاء السائقون حتى يروا طنطا؟.. يُخيّل لي أنهم طابور طويل لا ينتهي.. ينطلق كل منهم بالميكروباص.. ينقلب ويموت.. فيقول ريّس الموقف الجالس يدخن الحشيش في غرزة شيحة:
ـ "لا حول ولا قوة إلا بالله.. الله يرحمك يا (حبارة).. يلّا دورك يا (شيحة)".

فيبتلع (شيحة) قرصين من البرشام، وينهي لعبة (البرغوتة) التي كان يلعبها، ويهرع ليقود الميكروباص التالي..

حشرت نفسي في ميكروباص الموت هذا، وكانت أمامي امرأة ريفية من الطراز الذي أنجب قردًا لا يكف عن البصق على الناس والسباب والوثب وجذب النظارات.. وهي تقول له في ملل:
ـ "عيب يا وله.. ما تضايقش الأستاذ..".

بالطبع ليس هذا رأي الصبي؛ لأن فكرة أن يكون المرء أستاذًا تبدو له مضحكة جدًا. هل من نجدة؟ هنا جاءت النجدة في أغرب صورة..

هذا الشاب الضخم أسود البشرة لامعة كالباذنجان، يلبس فانلة داخلية تبرز منها عضلات مرعبة، والذي امتلأ جسمه بالوشم الأخضر. أصلع الرأس تمامًا يدس سماعتي جهاز (آي بود) في أذنيه ويمشي في تؤدة ليركب الميكروباص، فيحشر جسده العملاق جوار السائق. لو كنت قد رأيت العملاق الزنجي (مايكل دونكان) في فيلم (الميل الأخضر) فقد أرحتني من الوصف.

عرفت على الفور أنه ليس مصريًا.. ليس عربيًا.. إنه زنجي أمريكي.. يبدو كرابر
rapper
من الذين نراهم في الكليبات يتكلمون بلا توقف، وهم يهاجمون الكاميرا في تعصب كأنها ضايقتهم بشيء ما، ويأتون بحركات غريبة جدًا بأصابع أيديهم..

رفع سماعة الجوال وتكلم مع أحدهم، فميزت اللهجة الأمريكية على الفور. من أين جاء هذا الفتى وماذا جعله يركب هذا الميكروباص؟ لابد أن وراءه قصة مسلية ما..

بالطبع صار هو تسلية القرد الصغير المزعج، وسرعان ما مد الصبي يده لينزع الجوال ليلعب به.. قالت أم الصبي كلمة متخاذلة أخرى:
ـ "عيب يا وله... متضايقش الخواجة..".

لكن الأخ الإفريقي الأمريكي هز رأسه في تسامح، وقال بعربية لا بأس بها:
ـ"سيبيه.. سيبيه.. هو ولد صغير.. هو عايز يلأب.."

رحت أراقبه في مقت.. أمقت مطربي الراب ومن يبدون مثلهم كالجحيم. فيهم غرور لا مبرر له، وتعالٍ بلا أية مقومات.. لا أجد في أدائهم صوتًا ولا لحنًا ولا أي شيء، دعك من ارتباطهم في ذهني بالمخدرات والجنس.. لا ترى أغنية راب واحدة دون أن تجد حول المطرب مائة فتاة شبه عارية تتلوى، ويبدو أن تاريخ البطن والصدر كعورتين يجب تغطيتهما قد انتهى. والكلمات نفسها فضيحة لو استطعت أن تتابعها.. المطرب فيه وقاحة وتحدٍّ وقلة أدب، ومن الواضح أنه ضد القيم والقانون وكل شيء. وكنت أتساءل دومًا من أين يأتون بكل هذا الغرور؟.. هل العنصرية المضادة بلغت حد الاشمئزاز من كل ما هو أبيض؟

ابني المراهق يرى العكس تمامًا، ويعتقد أن هذه الضوضاء هي أروع شيء جاد به العقل البشري منذ عصر شوبان، لكنني أضيق عليه أيما تضييق وأمنعه من.....

لكن كم الساعة الآن؟ نصف ساعة بعد منتصف الليل، والولد قليل الأدب في الفراش الآن يتأهب للنوم. هذه فرصة أروع من أن تضيع.. مطرب راب أو واحد يبدو مثلهم بالضبط في ميدان رمسيس.. لن يفلت من يدي. ملت على العملاق الأسود، وسألته بالإنجليزية إن كان يحب الراب؟؟ فقال بالعربية في حماسة:
ـ "طبعًا.. أنا كنت أغني راب في نيويورك".

إذن هو المطلوب! قلت له إن ابني يهيم حبًا بالأفارقة الأمريكان، ويتمنى لو صحا من النوم ليجد نفسه أسود أصلع ضخمًا مليئًا بالوشم مثلهم، دعك من أن الفتيات البيض يهمن حبًا بكم.. قلتها بالعامية الأمريكية كما يقولونها في الأفلام
"White chicks just dig you guys"

فهز رأسه ولمعت عيناه في ثقة ورضا.. لم يعتبرها مجاملة بل حقيقة كونية.. قلت له إن ابني سوف يطير فرحًا لو تكلم معه لبضع دقائق، ولم أتركه يفكر كثيرًا إذ طلبت ابني على الجوال، وقلت للصبي المندهش المذعور:
ـ "موهامد... كلم عمو.. هي إز أ رابر..".

لسبب ما وجدت نفسي أنطق اسم ابني (موهامد) ولا أعرف السبب. ووضعت السماعة على أذن الإفريقي المندهش، ودارت محادثة إنجليزية طويلة مرحة.. سمعت أسماء مجموعة (الصيع) التي يعشقها ابني، مثل (50 قرشًا) و(توباك) و(إيكون).. تبين أن هذا الأخ كان في عصابة شوارع مع (ماد دوج) -هل هذا اسمه؟- ما شاء الله.. لكن المهم أن ابني سعيد جدًا.. أخيرًا تشرف بالكلام مع رجل عصابات زنجي من نيويورك..

انتهت المكالمة أو انتهى الرصيد لا أذكر، لكن الأخ الإفريقي ناولني الهاتف وصاح بالإنجليزية في مرح:
ـ "يا للسماء!.. إنه خبير في الراب والهيب هوب!!"
هنا سألته عن اسمه فهز رأسه الأصلع وقال ضاحكًا:
ـ "موهامد.. نفس الاسم..!"
ـ "هل أنت مسلم؟"
قال بالإنجليزية ضاغطًا على كلماته:
ـ "منذ عامين.. والإسلام يجري في عروقي مجرى الدم".

إذن هذا التاريخ الضخم هو تاريخه قبل أن يعتنق الإسلام. هنا كان سائق الميكروباص قد توقف أمام أحد رجال شرطة المرور.. كلمات هامسة، ثم دس ورقة مالية ما في يد الشرطي وعدنا نتحرك.. المشهد اللعين المعتاد..

بالطبع لاحظ الجميع ما حدث، وقدرت أن الأمريكي لا يفهم معنى هذا، لكنه صاح في غضب حقيقي:
ـ "رشوة..!.. الرشوة هرام!!"
ثم قال للسائق في وقار كأنه إمام مسجد:
ـ {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}.

راح السائق يشرح له بلسانه الملتوي من التوسيفان كيف أن العسكري غلبان، وهو غلبان وكلنا غلابة ولابد من تمشية الحال، لكنه راح يردد:
ـ "من غشّنا فليس منا".

وراح يتكلم في الدين طيلة الرحلة الرهيبة إلى طنطا. لاحظت مع الوقت أن آذاننا احمرت؛ لأن الرجل يناقش أشياء منطقية وواضحة اعتبرناها مسلمات. حتى أن ركاب العربة بدؤوا يطلقون عليه (شيخ محمد)، وعرفت أنه متديّن ومثقف دينيًا جدًا. عرفت كذلك أنه في مصر يجوب مدنها لإعطاء دروس اللغة الإنجليزية لطلبة الآي جي.

ما أغرب هذا الموقف!.. الأخ الأصلع الأسود الذي اعتبرته من عصابات مانهاتن تبيّن أنه أعلمنا بالدين على ما يبدو. ولا أنكر أنني شعرت بإعجاب شديد به، فهذا رجل قد بحث وفكر واختار.. فلا أزعم أنني أستحق أن أصافحه. سوف يندهش ابني كثيرًا عندما يعرف بقية المشهد.

عندما افترقنا تبادلنا أرقام الهاتف وقال لي ضاحكًا:
ـ "سوف أحكي لابنك الكثير عن (توباك) عندما نلتقي.. سلام.."
قلت له وأنا أبتعد:
سلام يا شيخ محمد.. ادع لنا

عم رمضان


منذ أعوام خطرت لأحد المعدين في القناة السادسة فكرة تقديم برنامج اسمه (رمضان في رمضان)، وهي فكرة عجيبة تقوم علي حلقات تستضيف كل واحدة منها رجلاً اسمه (رمضان) ليتكلم عن تجربته مع الشهر الكريم. أذكر هذا جيدًا لأن (رمضان فلوطة) ميكانيكي الحي كان ضيف الحلقة الأولي. وبصرف النظر عن البرنامج والحكم عليه، فإنني أجد الفكرة لا بأس بها.. وهذا يذكرني بأن أقرب الشهور إلي التجسد في صورة بشرية هو رمضان.
عم (رمضان) العجوز الطيب الكريم ذو اللحية الشائبة والوجه الذي ملأته السنون بالتجاعيد. يمشي في الشوارع ليلاً وقد حمل فانوسًا ملونًا جميلاً وملأ جيبيه بالمكسرات والحلوي ينفع بها الأولاد الطيبين. الفانوس الجميل المصنوع من الصفيح، والذي يبعث رائحة الشمع الذائب الشجية، والذي ربما صنعه أسطي (رمضان) آخر في حارة من حواري تل الحدادين، وهي تلك المنطقة الشعبية التي تفوح بالتاريخ
 والتي ارتوت أرضها بعرق الصنايعية منذ عهد الفاطميين. الإثرية وسوق الفسيخ وتل الحدادين وحلقة القطن ودرب الأتر وسيدي مضيهة.. يجب أن تكون طنطاويًا جدًا لتعرف معني هذه الأسماء
عم رمضان العجوز الطيب يمشي في الشوارع.. يستوثق من أن الزينة معلقة عند باب كل حارة، وأن المسحراتي يقوم بعمله ولم ينم، وأن بائع الفول باع بضاعته كلها.. يتأكد من أن الكنافة تنضج فوق الفرن الأسطواني الغريب ليتحول العجين بمعجزة ما إلي خيوط من عجين شهي المذاق. عم رمضان لا يصغي إلا لصوت النقشبندي الشجي: «يقول إمتي.. يا رب إمتي...»، ويسمع القرآن بصوت الشيخ رفعت القادم من عالم أسطوري مليء بالشجن.. صوت قادم من القلب مباشرة ولا يمر بحبال صوتية ولا حنجرة
عم رمضان العجوز يمشي في تؤدة.. قبل الغروب يتجه حاملاً شفشق قمر الدين إلي المكان الغامض الذي يربض فيه مدفع الإفطار، فيشرف علي إطلاقه بنفسه لترتج المدينة كلها بالصوت (بوم) ثم يصب كوبًا باردًا منعشًا للعسكري
عم رمضان لا يفطر.. إنه يمشي في الشوارع الخالية يتأكد من أن جميع النوافذ مضاءة، وأن الأسر كلها ملتفة حول الطعام، وأن صوت النقشبندي ما زال يتصاعد من مكان ما... ثم يراقب في رضا أول من ينزل من بيته قاصدًا المسجد
أغمضت عيني بضعة أعوام، وسافرت إلي بلد عربي شقيق لأعمل هناك. التجنيد الإجباري خارج الوطن الذي يجب أن يمر به كل شاب مصري لم يرث ولم يتزوج مليونيرة ولم يسرق
لم تكن أيامًا سيئة، ولن أقول الكلام الممل المعتاد عن الكفيل و.. و.. بل أعترف بأنني عرفت مجموعة راقية جدًا من أهل ذلك البلد وأحببتهم، لكن عندما جاء رمضان لم يستجد شيء.. رمضان يمر كأي شهر آخر هناك، وبالتأكيد لا يتجسد في صورة ذلك العجوز الطيب الذي عشقته. فقط الطعام.. الكثير من الطعام.. المزيد من الطعام.. أطنان من الطعام.. وعرفت من المستوصف الذي أعمل فيه أن العمل الحقيقي يبدأ في منتصف الليل عندما تصل حالات الإسهال والتلبك المعوي وسوء الهضم.. تمر ساعة أو ساعتان ثم تبدأ كل المطاعم توصيل الكبسة واللحم الضأن والمظبي للمنازل لزوم السحور. حتي صوت التواشيح لا تسمعه، لدرجة أنني كنت أردد: مملكتي مقابل سماع ثانية من التواشيح
كنت أقول لنفسي: سأعود يومًا، ولسوف يكون عم رمضان العجوز هناك بانتظاري حاملاً الفانوس الحبيب.
عندما عدت لمصر كانت أمور كثيرة قد تغيرت.. بشكل ما بدا لي أننا نقترب أكثر من صورة رمضان في ذلك البلد العربي. ما زالت هناك فوانيس لكنها من البلاستيك القبيح، وعليها علامة (صنع في الصين).. وتبدو كالمفتش (كرومبو) الذي يغني (بوس الواوا).. ما هذا العك؟! الصينيون تجار بارعون فعلاًَ يمكنهم بيع أجهزة تكييف في القطب الشمالي، أو أجهزة تدفئة في خط الاستواء، وقد أتحفونا كذلك بتلك المتفجرات الخطيرة التي يفجرها الصبية في عينك، ويلقونها داخل السيارات المسرعة، ويبيعها كل كشك سجائر متظاهرًا بأنه لا يفعل ذلك.. طريقة صاخبة مزعجة للاحتفال برمضان لم نعرفها من قبل. قرأت في كتاب (الفيل والتنين) أن لدي الصينيين دمي تشبه «السيد المسيح» تنطق قائلة: «احمل صليبك واتبعني»!.. لا أشك في أن لديهم دمي يهودية وبوذية وهندوسية
لا بأس.. لكن هناك من يؤكد أن الفوانيس عادة فاطمية.. يعني شيعية.. ومن الأفضل التخلي عنها تمامًا. نفس الشيء يقال عن مدفع رمضان والكنافة والقطائف وربما المسحراتي
والسؤال هنا هو: هل أضرت هذه العادات بالدين؟... هل جعلت الناس أكثر شرًا وتوحشًا وشهوانية؟... ما أعرفه عن هذه اللمسات البسيطة أنها ربطت رمضان بالفرحة في نفس كل طفل. لا يوجد طفل مصري لا يشعر برجفة طرب ولهفة عندما يسمع كلمة رمضان.. هذه اللمسات الصغيرة مع التجمع الأسري ولذة أن يشعر بأنه صار كبيرًا يصوم كالآخرين. لو كانت هناك جريمة هنا فأنا عاجز عن معرفتها
وجدت كذلك ولعًا شديدًا لدي الناس بالبحث عن شيء جديد يتم تحريمه. لا تقل (رمضان كريم) لأن هذا شرك والعياذ بالله.. الكريم من أسماء الله الحسني فلا تستعملها مع اسم الشهر. لا تقل (أنا فاطر) لأن الله فاطر السموات والأرض، وهم يعرفون أنك تستعملها بمعني مختلف تمامًا.. يقولون هذا ولا يتساءلون عن الأسوأ: إن تكون فاطرًا فعلاً أم أن تقول أنا فاطر؟. نموذج آخر للتمسك بحروف الكلام دون معناه
قلت في مقال سابق إنه حتي في عيد الفطر، تصحو منتعشًا وتتوضأ منتظرًا ذلك الصوت الرخيم ينشد من المسجد القريب: «صدق وعده.. ونصر عبده.. وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده.. لا إله الا الله ولا نعبد الا إياه ». لكنك تكتشف عندما تبلغ المسجد أن الميكروفون متروك لطفل يصرخ فيه بصوت نشاز ولا يمكن إيقافه أبدًا، وأنهم حذفوا هذا المقطع من الإنشاد واكتفوا بترديد: «الله أكبر.. الله أكبر. لا إله إلا الله» مرارًا لا حصر لها.. تسأل عن السبب فيقولون لك إن باقي الإنشاد ليس شرعيًا!» طيب هل كان هناك شيء خطأ أو يناقض روح الإسلام في المقطع المحذوف؟.. هل هي هواية تحريم شيء جديد كل يوم علي سبيل التميز؟
كل شيء خطأ.. والدائرة تضيق من حولك، ولذة لا شك فيها لدي من يكتشف شيئًا جديدًا، مما يشعره بالتفوق علي الآخرين وأنه أعلي درجة.. افعل.. لا تفعل.. لكن هل هذه الدائرة تورث سلامًا نفسيًا فعلاً؟.. هل تجعل الناس أكثر طهرًا؟... ولماذا كان 80% من مرضاي في تلك الدولة يتعاطون البروزاك أو الفيلوزاك علاجي الاكتئاب الشهيرين؟. أعترف بأن هذه الحياة الغاضبة العصبية المتشككة صعبة جدًا، وبعد كل هذه الأعوام لم أر من يستمر علي تشدده السابق.. كلهم يتعبون لكن بعد ما ينقلون الجذوة لشاب جديد متحمس
ليست المشكلة إذن في عم رمضان الذي يريدون أن يقنعونا بأن حبنا له خطأ، لكن في الشيوخ رفعت والكحلاوي والنقشبندي.. في الفهم المصري السمح للإسلام.. المشكلة التي تضايقهم هي مصر نفسها