قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Wednesday, November 18, 2009

قرأت مؤخرا - قصة تكملها أنت

نتكلم هنا عن كتاب قرأته مؤخرا ... عندما لم تعد الديناصورات تجوب المستنقعات المغطاة بالسراخس... نتابع فى هذه السلسلة كتابات الرائع كالعادة د أحمد خالد توفيق

و لكن على عكس المعتاد لن نجد هنا رابطا لتحميل نسخة من الكتاب... لئلا نضيع حقوق الملكية... و لما يسببه ذلك من ضرر للكاتب و للناشر و بالتالى لنا نحن... القارئ

* الترتيب هنا هو فقط ترتيب قراءتى أنا لتلك الكتب و الروايات لا أكثر و لا أقل *

===========================



د أحمد خالد توفيق
فلاشندى - تامر الباجورى - مديحة محمد - ريهام إبراهيم

رواية

دار ليلى و دايموند بوك

===========================

هى تجربة فريدة أحببتها جدا جدا... و قصة أكثر من رائعة... حتى أنك تشعر أنها من حبكة رجل واحد... و هى من طراز القصص ذات النهايات المفتوحة... هى ببساطة "قصة تكملها أنت"... قدمها د أحمد كالتالى

فى أوائل السبعينات من القرن الماضى قدم التليفزيون المصرى عملا دراميا فائق الإمتاع اسمه (قصة و عشرة مؤلفين). فى البدء كان على عميد القصصيين (نجيب محفوظ) أن يصمم حبكة ما.. هكذا قدم قصة عن المدرس المحافظ (عماد حمدى) الذى قرر أن يتهور مرة واحدة فى العمر لدى سفر زوجته و الأولاد.. موضوع التهور -طبعا- هو الراقصة (نادية الجندى) التى يصحبها إلى بيته الخالى و يمضى معها ليلة حمراء و فى الصباح يحاول أن يوقظها ليكتشف أنها ماتت

إلى هنا ترك الأستاذ القصة لتسعة من أهم الروائيين المصريين على أن يعود لكتابة النهاية.. لا أذكر الأسماء كلها و لا الترتيب، لكن كل واحد كان يكتب حلقة تنتهى بمأزق يتركه خصيصا لمن يأتى بعده، و كان يقدم الحلقة و يشرح وجهة نظره للمشاهدين قبل بدء الدراما.. تشعبت القصة و جمحت و صارت هناك عصابات تهريب و جواسيس أجانب، و اتضح أن الراقصة لم تمت... إلخ... ثم وقعت القصة فى يد (يوسف السباعى) أو (يوسف إدريس) الذى أعلن صراحة أنه لم يحب ما بلغته القصة من (عك)، لذا قرر أن يعيد السفن إلى مراسيها!.. فى نهاية الحلقة يكتشف المدرس أنه كان يحلم و أن هذا كله كان كابوسا طويلا.. فى نشوة الخلاص يوقظ الراقصة النائمة فى سلام جواره فيكتشف أنها ماتت فعلاّ!.. هكذا عادت الحلقة لـ(نجيب محفوظ) المكلف بكتابة الحلقة الأخيرة.. لم يخفِ (نجيب محفوظ) ذهوله لأن القصة عادت له كما تركها، و المأزق الذى تركه لغيره عاد له شخصيا

الخلاصة أن هذا المسلسل كان تجربة روائية متوسطة أدبيا، لكنها فائقة الإمتاع من ناحية دراسة طريقة تفكير كل أديب.. لعبة ممتعة نرى فيها كيف يتملص كل منهم من المأزق الذى تركه سلفه، و كيف يترك مأزقا لخلفه.. و طبعا لا داعى لقول إن أحدا لا يعرف أين ذهب هذا العمل و لا مصيره.. على الأرجح سيطل علينا من إحدى الفضائيات يوما ما، ضمن تراث التليفزيون المصرى الذى بيع قطعة قطعة على شكل أقراص مدمجة يتم تهريبها تباعا من ماسبيرو

ظلت الفكرة محفورة فى عقلى الباطن زمنا طويلا، و قد قابلت مثيلاتها فى الأدب الغربى لكنى لم أرها فى الأدب العربى حتى هذه اللحظة.. حتى فى ألعابى كنت أجلس و صديقى العتيد د (أيمن الجندى) نتسلى بأن يكتب كل منا فقرة جديدة فى قصة واحدة.. جربت محاولة مع د (محمد سليمان) لم تستكمل لأسباب يطول شرحها... هناك قصة شبيهة وضعتها على موقع المؤسسة تقوم على أن يستكمل القراء القصة، و ترسم بطريقة (الستريبس) حلقة حلقة بريشة الفنان (باسم صلاح) لكن الموقع متوقف منذ فترة

ثم بدأت تقديم هذه الفكرة فى موقع (روايتى)، و قد لاقت إقبالا لا بأس به.. تدريجيا ولدت القصة و صار لها رأس و ذيل، و أعتقد أنها مسلية فعلا، لكنى أعتقد أنه لا غنى عن الكتاب المطبوع لأن ما يوجد على شبكة الإنترنت كثير جدا و سريع البخر و قراءته عسيرة، و هذا ما دفعنى إلى التمسك بأن تُطبع هذه المحاولة المثيرة.. ومن حسن الحظ أن (دار ليلى) رحبت بالفكرة

هناك نقطتا ضعف حتميتان فى هذا النوع من القصص: النقطة الأولى هى أن بعض القراء قد يمتلك موهبة ذات لون مختلف، و قد تكون لهم أساليب مختلفة، و قد لا يهتمون بالرعب أصلا، لكنهم مضطرون للتقيد بفكرتى و أسلوبى لأننى أنا الذى بدأ القصة.. هذا يرغمهم على حد أدنى من التجانس و التقيد بتعبيراتى و طباع أبطالى و إيقاع كلماتى.. أعنى أن موهبتهم قد تكون أكبر من هذا و أعرض و أكثر جموحا، لكن التجربة ترغمهم على أن يضعوا هذه الموهبة فى وعاء ضيق اخترت أنا

نقطة الضعف الثانية عرفتها متأخرا، بصفتى أجهل كل شئ عن لعبة كرة القدم باستثناء أن (الخطيب) هو نجم فريق المقاولين العرب، رأيت مباراة بين منتخب العالم و بطل كأس العالم ـ أعتقد أنه كان إيطاليا وقتهاـ فتوقعت أن يسحق منتخب العالم بطلَ الكأس.. تصور أن يجتمع أفضل اللاعبين فى كل مركز ليصنعوا فريقا واحدا.. قال لى خبراء اللعبة و هم يبتسمون بشفقة إن العكس هو الصحيح
"والسبب؟"
قالوا و هم يبتسمون بحنكة هذه المرة
ـ"السبب هو التجانس.. فريق إيطاليا متجانس يفهم لاعبوه بعضهم البعض، و يتحركون كوحدة واحدة، بينما منتخب العالم فريق مرقع من عدة مهارات يستحيل أن تتناغم"ـ
و قد كانوا على حق و كنت أحمقا كالعادة
التجانس عنصر مهم جدا لجودة العمل.. لا أعتقد أنك ستحصل على تحفة فنية لو أنك جعلت (نجيب محفوظ) و (ديكنز) و (تولستوى) و (دستويفسكى) و (زولا) و (هيمنجواى) يجتمعون على رواية واحدة. كل واحد منهم له عالمه يصول و يجول فيه كما يشتهى، و خير ما تفعله هو أن تتركه يكتب رواية كاملة وحده.. هذا عسير التصور لكنها الحقيقة.. إن القصة متعددة الكتاب تعطيك تجربة ممتعة و جديرة بالاهتمام لكنها ليست الأفضل.. (قدمت هذه الفكرة فعلا فى قصة ستريبس بريشة الفنان فواز نشرت فى ملحق صبيان و بنات الصادر عن أخبار اليوم)ـ

هذان عيبان لا مفر منهما إذا أردنا أن نقدم اللعبة كاملة كما هى.. ممتعة كما هى

أنتظر أعمالا أكبر و أفضل من الأصدقاء الفائزين و من سواهم.. لقد عرفناهم فى هذه المرة يستكملون فكرة ليست لهم.. فماذا يكتبون إذا نالوا حريتهم كاملة؟