قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Wednesday, July 28, 2010

زوجتان


لم نكد نفيق من الخبر المجنون الخاص بالسائق الذي أطلق الرصاص علي زملائه في نوبة هياج، والأستاذة الجامعية التي حزت عنقها بسبب العنوسة، والشاب الصعيدي الذي قطع عضو ذكورته لأنه لا يستطيع الزواج، حتي وجدنا خبرين آخرين عن زوجتين.. الزوجة الأولي هي زوجة المذيع التي قتلها زوجها الشاب الهادئ المثقف، والزوجة الثانية هي زوجة كاهن الكنيسة التي اختفت. الكل يثرثر عن هذه المواضيع حتي إنني بدأت أعتقد أن هناك جهة عبقرية ترتب وقوع أحداث كهذه بشكل دوري، لتغدو موضوع كلام الناس في سيارات الأجرة وطوابير الخبز وعند الحلاقين.. هكذا لا يتكلم أحد في مواضيع أخرى. قف في أي طابور خبز أو اجلس في أي مقهي، لتجد الناس بين فريقين.. فريق يتهم المذيع وفريق يلوم زوجته، ولربما يرتفع ثمن رغيف الخبز أثناء هذه المناقشة فلا يلاحظ أحد


الخبر الخاص بالمذيع مؤسف حقًا، وهو نموذج ممتاز للضغط الداخلي الذي يؤثر في المجتمع، حتي طبقاته المثقفة. أعتقد دون تبرير لشيء أن معظم الناس لديهم نقطة انفجار يمكن أن يقتلوا عندها، ومن مصلحة الطرف الآخر ألا يوصلهم لهذه النقطة.. نحن نملك نفس انفعالات رجل الكهف لكن فوقها طبقة سميكة من التعليمات الدينية والتحضر وكبح الجماح.. من السهل خدش هذه الطبقة لدى بعضنا، وبصراحة لست واثقًا من رد فعلي لو صفعني أحدهم..أعرف في اللحظة الحالية أنني سأظل متحضرًا ولسوف آخذ حقي بطريقة قانونية، لكن هل يعرف المرء نفسه حقًا؟.. ليس هذا محاولة لتبرير قتل الآخرين عند الغضب، لكن على كل إنسان أن يعي أن للآخر حدودًا لا يجب تجاوزها.. النساء يتجاوزن هذا الخط كثيرًا جدًا وبرعونة بالغة، لهذا هن الضحايا دائمًا لهذا النوع من الجرائم.. هناك خطآن خطران جدًا لا يمران علي خير؛ هما المعايرة بالضعف الجنسي أو المعايرة بأنها تنفق عليه.. والنتيجة علي الأرجح خبر في صفحة الحوادث

ومن جديد أحكي لك هذه القصة التي أوردها (هتشكوك) في مجموعات مختاراته، وهي تلخص كل شيء.. أحيانًا يبلغ الاستفزاز درجة لا يمكن تصورها إلا بمعايشتها. الليل حار رطب، بينما المحاسب سهران حتي هذه الساعة المتأخرة يجمع مصفوفة طويلة من الأرقام.. كلما قارب النهاية أخطأ فعاد يبدأ من الأول، والسبب هو ذلك النفير اللعين.. نفير سيارة تحت نافذته لا يتوقف لحظة. خرج أكثر من مرة وصاح طالبًا من سائق السيارة أن يكف.. توسل.. هدد.. تكلم بالعقل.. لكن سائق السيارة - وهو فتي متأنق سمج يلمع شعره بالفازلين - ينظر له ثم يضغط علي النفير أكثر ويضحك

هنا تأتي اللحظة.. يثب المحاسب إلي مكتبه فيلتقط مزهرية ثقيلة ضخمة، ومن دون أن يعرف ما يفعله يقذف بها بأقصي قوة نحو رأس الفتي الواقف جوار سيارته.. طبعًا لتتحول رأس الفتي إلي كتلة دموية ويموت فورًا

تبدأ محاكمة القاتل، وبما أننا في بلدة أمريكية فهم يعملون بنظام المحلفين الذين يجتمعون في فندق لا يخرجون منه ويقضون وقتهم في مناقشة وقائع القضية. يأتي يوم النطق بالحكم فينتظر المحاسب في رعب معرفة مصيره.. يقول رئيس المحلفين المرهق منتفخ العينين: «لقد توصلنا إلي أن المتهم ليس مذنبًا!»ـ

يغادر المحاسب المحكمة وسط التهاني، ويبحث عن زوجته طويلاً لأنه كان يتوقع أنها تنتظره.. في النهاية تلحق به بالسيارة وتعتذر له بشدة.. كان عليها أن تشحن بطارية السيارة التي نفدت. ولماذا نفدت؟.. تقول في خبث: «ظللت طيلة الليل أدق النفير تحت نافذة الفندق الذي يسهر فيه المحلفون لاتخاذ قرارهم!». لقد وضعتهم بالضبط في الحالة المهيئة للقتل التي كان زوجها فيها ليلة الجريمة. في بعض جرائم القتل يكون هناك قدر لا بأس به من اللوم علي الضحية

قلت في مقال سابق إن فقيد الطب النفسي والأديب الموهوب د. (عادل صادق) برهن علي أن القتلة لديهم استعداد خلقي معين، وهذا الاستعداد يعلن عن نفسه مع استفزاز قوي. اسم (دانييل ماجنوتون) شهير جدًا في عالم القضاء البريطاني. هذا قاتل بريطاني حاول اغتيال رئيس الوزراء لكن رصاصته أخطأت هدفها وقتلت سكرتيره. استطاع محامي الرجل أن يثبت أنه كان مصابًا بالبارانويا وقد اعتقد أن رئيس الوزراء يريد قتله لذا قرر أن يقتله أولاً. تمت تبرئة الرجل وأودع مصحة عقلية مدى الحياة، لكن اسمه صار مصدر (قواعد ماجنوتن) أو (مجناتن) التي تطبق في بلدان عدة بالعالم. تقضي هذه القواعد بافتراض أن كل إنسان مسئول عن أفعاله إلي أن يتضح العكس، ولكي يمكن الدفاع عن المتهم باضطراب حالته العقلية، فإن علي الدفاع أن يثبت أن المتهم لم يكن يعرف ما يفعله، أو هو عرف لكنه لم يدرك أن هذا خطأ. ليس الإقرار بالجنون قرارًا مريحًا في الدول التي لا تنفذ عقوبة الإعدام كما نتصور، لأن معني الجنون أن يمضي المريض باقي عمره في المصحة، بينما الإدانة تعني أن يقضي خمسة عشر عامًا في السجن لا أكثر

أما عن الزوجة الثانية التي اختفت وعادت فقصة محزنة حقًا. لا يمكن أن يتهمني أحد بأنني متعصب ضد الإخوة المسيحيين أبدًا، لكنني ما زلت مصرًا علي أن هناك أسلوبًا غير متجانس في التعامل معهم وهو غير صحي في الحالتين: تعصب في الشارع لا شك فيه، وتدليل لدى الجهات الأمنية لا شك فيه أيضًا. وقد أظهر هذا الحادث تحفز بعض الجهات المسيحية لتوجيه الاتهامات الجاهزة، التي تذكرنا بمعزوفات أقباط المهجر، حيث مصر عبارة عن مذبح كبير تراق فيه دماء المسيحيين وتختطف بناتهم.. لدرجة أن يطالب واحد منهم بألا يحاكم القاتل المسيحي أمام محكمة مصرية أبدًا. وفي ظروف شبيهة نوعًا بقضية (وفاء قسطنطين) التي جعلت المجتمع المصري يغلي، جاءت حافلات محملة بالغاضبين من المنيا إلي كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس بالعباسية، احتجاجاً علي اختفاء زوجة القس تادوس سمعان رزق في ظروف غامضة، مع اتهام مدرس مسلم بأنه المسئول عن خطفها. ولم يسأل أحد المتظاهرين نفسه عن سبب قيام الزوجة بسحب مبلغ مالي من المصرف وأخذ إجازة لمدة أسبوعين من المدرسة التي تعمل فيها. هل الزوجات المسيحيات لا يتشاجرن مع أزواجهن أو يتركن البيت غاضبات؟.. ثم منذ متي يسمح الأمن لعشر حافلات تحمل متظاهرين غاضبين بالتوجه من المنيا للقاهرة، وماذا كان سيحدث لو كان ركاب الحافلات من الإخوان أو من المسلمين العاديين؟.. وبعد أيام تعود الزوجة لتعلن أنها كانت لدى صديقة لها بالقاهرة فهل لم يصل لعلمها أن النار مشتعلة في المنيا وفي العباسية بسبب اختفائها؟.. وهل الزوج لم يكن يعرف منذ البداية أن زوجته رحلت بسبب سوء تفاهم بدلاً من ترك النار تشتعل؟

القصة غامضة وأعتقد أنها مبتورة بشكل ما. كانت هناك منذ أشهر قصة عن اختفاء ابن ممثل شهير، ودام البحث أسبوعًا ثم عاد الشاب، وقيل إنه كان لدى أصدقاء له في الإسكندرية ولم يكن هاتفه المحمول مشحونًا فلم يستطع الاتصال بأسرته.. لمدة أسبوع!؟

هذه من المرات القليلة التي لم أجرؤ فيها علي قراءة تعليقات القراء في مواقع الإنترنت لأنني أعرف ما سيقال، وأعرف الصديد الذي سيخرج علي صفحات الويب. وبالطبع هناك الكثير من التجاوزات ضد رموز دينية يجب أن تبقي بعيدًا عن هذا الكلام. سوف يقول المسيحيون إن هذا التحفز هو تراكم حوادث كثيرة سابقة، وأنا بصراحة لا أعرف الكثير عن هذه الحوادث. لي أصدقاء مسيحيون عدة ولا أعرف واحدًا يعرف واحدًا خطفت فتاة من أسرته لجعلها تسلم، بينما كلام أقباط المهجر يوحي بأن هذه هي القاعدة. سوف يقول المسلمون إن هذه نتيجة الدولة الرخوة وخوف الحكومة من أي تذمر مسيحي، وأن الهدف هو الضغط من أجل المزيد من التنازلات. فقط أقول لجميع الأطراف: كفاية بقى.. مصر في خطر حقيقي وكل هذه التوترات لا تزول وتصفو بل تترك ندوبًا تتراكم مع الوقت.. ولسوف ندفع الثمن أو يدفعه أبناؤنا حتمًا