قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Wednesday, August 18, 2010

مصحة الدكتور أنطوان - 4


===============================


ليست على ما يرام...؟.. وماذا نعرفه نحن عن الطب النفسي؟... لربما كانت هذه الأساليب حديثة فعلاً.. أحياناً يتصرف الأطباء بطريقة تبدو لك قاسية جداً

أما الغرفة التالية فقد كانت أغرب من هذا كله.. هناك كلبان شديدا الهياج والضخامة مربوطان بحبلين واهيين متآكلين إلى الجدار، وهما يحاولان جاهدين الوصول إلى مريض عرفْتُه على الفور.. إنه المدعو "سامي" المحاسب لاعب الشطرنج إياه... كان عارياً تماماً إلا مما يستر العورة، يلتصق بالجدار ويصرخ.. محاولاً أن يبتعد قدر الإمكان عن أنياب ومخالب الكلبين.. لو استطاع الدخول في الجدار لفعل.. الحق أن صراخه ونباح الكلبين جعلا المكان جديراً بجحيم "دانتي"ـ



قال الطبيب بلهجة تقريرية
ـ"العري يُشعر المرء بهشاشة غير عادية.. هذا مهم للتخويف.."ـ

المفزع هنا أن الكلبين يحاولان من حين لآخر قضم الحبلين.. معنى هذا أن أحدهما قد يتحرر في أية لحظة.. لن يستغرق أكثر من ثانية حتى يمزق حنجرة الرجل

قال الطبيب وقد لاحظ قلقنا
ـ"هناك ممرضان ينتظران أن يفلت كلب ليطلقا عليه طلقة منومة.. إنهما يراقبان الغرفة جيداً من مكان خفي.."ـ

لكن هناك وقتاً بين الفعل ورد الفعل.. أليس كذلك؟.. هذا الوقت نجحت الحيوانات في اختصاره.. بمعنى أن الكلب قد يمزّق الرجل قبل أن يستوعب الممرض ما يحدث

لما غادرنا الغرفة نحو غرفة أخرى كنا قد بلغنا قمة الغثيان.. لم نعد نريد أن نرى أكثر، وهتفت نادية في جنون
ـ"أنتم تعذبون المرضى لا أكثر.. هذه سادية لا شك فيها.."ـ

قال ببرود
ـ"هل لي أن أعرف خبراتك العتيدة في الطب النفسي؟"ـ

ـ"لا أعرف شيئاً عن الطب النفسي، لكني أعرف الكثير عن السادية والوحشية والقسوة.. أتمنى أن يجد مديركم نفسه في غرفة واحدة مع هذين الكلبين.. ثق أنني سأكتب عن طرقكم هذه ولسوف أطلب أن تحقق لجنة من وزارة الصحة في هذا المكان المشبوه"ـ

كنت أكره طريقتها هذه التي تخلو من تقدير الخطر.. نحن هنا في ضيافتهم وتحت رحمتهم، ومن الوارد أن يغيروا كل شيء.. في مثل هذه الأمور، عليك أن تنتظر حتى تعود لجريدتك ثم تكتب ما تريد

قال الطبيب في برود
ـ"لست مؤهلاً للإجابة عن سؤال كهذا.. أرجو أن تأخذي رأي د. "أنطوان"ـ

ثم أعلن في اشمئزاز
ـ"لقد انتهت الجولة.. يمكنكما العودة لغرفتيكما أو التجوال بحرية.. شكراً"ـ

هكذا وجدنا نفسينا وحيدين مطرودين تقريباً.. وكان الليل قد اقترب، فمشينا في الحديقة

هناك كان مرضى آخرون يبدو أن حالتهم أفضل.. بعضهم كان يلعب الكرة وبعضهم يجلس على "دكك" خشبية يتبادل الحديث، والبعض كان يلعب كرة السلة.. هنا ملعب سلة ضيق ليست فيه سوى شبكة واحدة.. من يسدد فيها يحرز نقطة في الفريق الآخر

هنا فقط استطعت أن أمد يدي للحقيبة الصغيرة وألتقط بعض الصور. يجب أن نداري العيون فيما بعد حتى لا يقاضينا أحد. رحت أدور حول الحديقة الأنيقة وأغيّر من زوايا اللقطات، على حين جلست نادية -بطريقتها المسيطرة التي تذكّرك بمدرب فريق كرة القدم- على دكة في نهاية الحديقة، تُجاور غابة أشجار صغيرة، وراحت تسجّل بعض الملاحظات، ثم هتفت تناديني بلهجة آمرة
ـ"عصام.. تعال هنا.."ـ

كدت أرفض التلبية لتتعلم انتقاء نبرات صوتها، ثم وجدت نفسي أمشي نحوها متسائلاً؛ فقالت وهي تشير إلى حوض الزرع خلفها حيث زرعت بعض الأزهار
ـ"ما رأيك؟.. هذه الأبصال نامية في مواضع كثيرة وضامرة تماماً في مواضع أخرى.. أنت تعرف أنني تخرجت في كلية الزراعة قبل أن أصير صحفية.. معنى هذا أن هناك من يرتكب خطأً فادحاً بأن يقلب التربة باستمرار فلا يمنحها فرصة النمو.."ـ

ـ"ومعنى هذا؟"ـ

ـ"لا أدري.. تعالَ نواصل جولتنا.."ـ

نهضنا ورحنا نمشي.. كانت هناك بناية صغيرة لا يوجد رجال أمن خارجها، وكانت هناك لافتة تقول "التمريض". مشينا في هدوء في رواق فارغ ولم أنسَ أن ألتقط بعض الصور


قالت همساً وهي تتقدمني
ـ"غريب..!"ـ

ـ"ما الغريب؟"ـ

ـ"أنت لا تفكر بشكل منطقي.. لو كانوا فضوليين لدرجة أن يراقبونا في غرفتينا؛ فكيف يسمحون لنا بكل حرية التحرك هذه؟"ـ

ـ"نحن في مصر.. لا بد من واحد اسمه "رجب" أو "عوض" صدرت له التعليمات بمراقبتنا لكنه تكاسل ونسي الأمر وجلس يدخن المعسل.. لا شيء يتم بدقة الساعة في مصر ولسنا في أحد سجون ميونيخ.."ـ

رفعت إصبعها إلى شفتيها لتمنعني من الكلام ودنت من نافذة صغيرة تعلو باباً مغلقاً، وألقت نظرة.. دنوت منها وحاولنا ألا يظهر من وجهينا شيء أسفل العينين

بالفعل هناك أربع من الممرضات يجلسن حول منضدة، وكن منهمكات جداً فلم تر إحداهن هذين الجاسوسين وراء النافذة.. كان هناك مسدس في منتصف المائدة وهو من الطراز الذي يعمل بالساقية.. الممرضة الأولى تتناول المسدس وتدير الساقية عدة مرات ثم تغمض عينيها وبيد راجفة تلصق الفوهة بصدغها.. تتلقى رصاصة وهمية ثم تفتح عينيها وتضحك.. تناوله لزميلتها لتدير الساقية

هذه المرة كان الذعر أقوى مما نتصور فتبادلت نظرة هلع مع "نادية"ـ

هذه لعبة الروليت الروسي.. لا شك في هذا.. ساقية المسدس فيها طلقة واحدة والمسدس يدور إلى أن تتلقى تعسة الحظ الطلقة في رأسها.. الممرضات في هذه المصحة يلعبن ألعاباً غريبة، وقد كنت أحسبهن يلعبن "الشايب" و"الكومي" في وقت السهر الطويل المملّ. دعك من أنهن مثقفات جداً

هنا أدرنا عينينا فوجدنا أربع الممرضات ينظرن للنافذة الصغيرة التي نُطلّ منها

ينظرن نحونا

.......

يتبع