قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Wednesday, November 17, 2010

مذكرات صهيوني - 4: القتل بلا كراهية

سافاري - 30 - قصاصات


الجمعة.. التاسعة من إبريل عام 1948.

عملية العمليات كما قيل لنا.

يجب أن نكون حذرين وألا نرتكب أية أخطاء.

كنا في الثانية بعد منتصف الليل تتقدم سيارتنا في الظلام.. أفضل وقت لمهاجمة خصمك هو ما قبل الفجر بقليل.. ساعة الذئب كما يقولون.. حين يكون خصمك في أضعف و أوهن حالاته.

ألوح ببندقيتي للرفاق فيلوحون لي.

من بعيد أرى المدرعات تتقدم.. جماعة شتيرن تلحق بنا وأنا أعرف أن هؤلاء القوم لا يمزحون.. ومن الناحية الأخرى تتقدم الإرجون.. رأيت صديقي أموتاي يفك السونكي عن بندقيته فنظرت له بدهشة.. قال وهو يعلق البندقية: سأقتل بالسلاح الأبيض فقط.. إن تأثيره النفسي مروع.

من بعيد تلوح القرية النائمة.. ليست نائمة تماما.. هناك أضواء وصوت موسيقا.. لابد أنهم يرقصون الدبكة في مكان ما.. صحت مناديا عزرا: هناك حفل زفاف يا عزرا.. سنكون أول المهنئين!

لوح ببندقيته في الهواء و هتف: سيرقصون كما ينبغي الرقص!

هذه قرية مسالمة حقا.. من المؤسف أنها قرية مسالمة.. خطؤها الوحيد هو أنها تقع ما بين تل أبيب وأورشليم.. لقد جاءت في المكان والزمان الخطأ.. والحقيقة أن موقعها كان يصلح رابطا ممتازا بين البلدتين المهمتين أو -كما كان الكثيرون منا يفكرون- تصلح مطارا ممتازا.

وعلى أبواب القرية ترجلنا وانطلقنا.. سيكون عددنا 300 مقاتل.

وانطلقنا إلى الداخل ونحن نطلق الرصاص كما يفعل أمريكي مخلص في يوم عيد الاستقلال.. كل من قابلناه يتحرك أرديناه أرضا.. حتى الماشية.. حتى الكلاب.

أطلقو النار على هذه الأجساد..
هذه الأجساد..
هذه الأجساد..

بينما راح زملائي الهاجانا الشجعان يلقون بقنبلة يدوية داخل كل بيت.

تحول المشهد إلى ملحمة من الصراخ والعويل والألم.. النار تنشب في كل صوب.. لامقاومة.. هؤلاء الفلاحون المسالمون لا يعرفون عن الحياة أكثر من أشجار الزيتون.. بينما رجالنا محاربون على أعلى مستوى.

أطلقو النار على هذه الأجساد..
هذه الأجساد..
هذه الأجساد..

إن تعداد هذه القرية لا يتجاوز الـ 600 لهذا على كل واحد من أن يقتل اثنين.. هذا لن يكون صعبا.

لا تستعمل اسم دير ياسين من فضلك.. هذا الاسم لا وجود له عندي.. فقط سأستعمله في هذا السياق كنوع من المجاملة لك وبعد هذا ننساه تماما.

أنا لا أحمل لهؤلاء القوم مشاعر شخصية.. لنقل إن هذه عملية جراحية الهدف منها إثارة أكبر قدر من الهلع.. وفيما بعد قال مهندس العملية (مناحم بيجين) -الذي نال جائزة نوبل للسلام- إنها أهم عملية نقوم بها.. وإن كل من يقول غير هذا منافق كبير.. سوف تثير ذعر العرب ولسوف يفرون من ديارهم فلن يبقى من 800 ألف عربي إلا 165 ألفا.. الحقيقة أن هذه العملية تمثل الميلاد الحقيقي لدولة إسرائيل ولسوف يعتبرها مفكرون إسرائيليون كثيرون عملية إنسانية كبرى.. لم لا؟ ألم تقدم المأوى لشعب الله المختار؟

كنا ندخل كل بيت فنوقف أفراد الأسرة ووجوههم إلى الحائط ثم نطلق الرصاص عليهم من الخلف.. الحقيقة أن هذا كان أسلوبا خاطئا لأن عددا كبيرا من الأطفال نجا حين سقط الكبار فوقهم..وهؤلاء حكوا أشياء كثيرة.

الآن يمارس الأصدقاء الأعزاء كل الأساليب الشنيعة التي تسمع عنها.. إن السونكي يؤدي عملا جميلا هنا كما قال أموتاي.. لقد شق أحدنا بطن سيدة حامل بالكامل ثم تركها.. في هذه اللحظة وثبت أختها نحوها وراحت تحاول إخراج الجنين من بطنها ليبقى حيا.. أثار هذا ثائرة الزميل فشق بطن الأخت ثم أمسك الجنين من قدميه و طوحه في الجدار المقابل.

السونكي أيضا يمكنه أن يشق رجلا إلى نصفين.. بالطول!

واستمر الحفل بضع ساعات و في نهايته جمعنا من بقي حيا في القرية و أوقفناهم صفا وأرغمناهم على حفر القبور لأنفسهم.. ثم أطلقنا الرصاص عليهم.

كنا منهكين حين ركبنا سياراتنا عائدين عند الظهيرة.. منهكين جائعين لكننا نشعر بسعادة لا حد لها.. سعادة الجندي الذي أنجز واجبه المنزلي.

كنت غارقا في الدماء الجافة وسألت نفسي بينما هواء أرضنا يلثم وجهي: ما هذا الذي فعلته وكيف؟ هل أنا بهذه القسوة؟ بالعكس.. ما زلت أعتبر نفسي كائنا رومانسيا رقيقا.. هناك سببان لما فعلت: أولا أنا مؤمن بأن هذا ضروري كي توجد إسرائيل.. هذه عملية جراحية تتسم بالقسوة لكنها جوهرية.. ثانيا أنا لم أستطع قط أن أعتبر العرب كائنات بشرية.

فيما بعد سنقول للغربيين -غير المبالين في الواقع- إننا فعلنا هذا لأن هذه القرية معقل للإرهابيين العرب الأجانب.. جحافل من السوريين والعراقيين تأتي هنا لتهاجم نساءنا و أطفالنا.. هذه الحجة قديمة جدا كما ترى ولسوف نستعملها بلا انقطاع خمسين عاما أخرى.

فيما بعد سوف تسوى البلدة بالأرض كي تزول من على الخارطة ثم يأتي اليهود المتدينون من رومانيا وسلوفاكيا ليعيشوا هنا.. فيما بعد سوف تتسع مساحة أورشليم لتشملها و تصير دير ياسين مجرد مساحة بين جيفات شول بيت ومستوطنة حار نوف.. والآن لا تكلمني عن دير... ماذا؟ ماذا كنت تسميها؟