قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Wednesday, December 1, 2010

لست وحدك - 1


المذيع: لا تقلق يا مروان.. أعرف أنك تسمعني؛ لأن موجات الهاتف المحمول تخترق هذه الصخور بمعجزة ما.. أنا كذلك أسمعك؛ لكن يسمعك معي ملايين المستمعين بلا مبالغة، في كل الدول الناطقة بالعربية.. قلوبنا معك ونأمل أن تنجو.. نعرف أنك ستنجو..

مروان: يسرني أن أسمع صوتك يا عمر.. وبهذا الوضوح.. هذا يجعل موقفي أقلّ كآبة.. إن الظلام دامس لكن الضوء الأزرق القادم من شاشة المحمول يخففه قليلاً.. الهواء رائحته غريبة، والتنفس عسير نوعًا.. أضف لهذا أن الحر خانق هنا.. لحظة.. سوف أتحرر من هذا القميص.. في الواقع سوف أتحرر من معظم ثيابي ما دام لا أحد يراني.. إن العرق يغمر كل شيء.. قل لي بصراحة: ما هي فرصتي في النجاة؟


المذيع: إن قوات الجيش التي تحاول إخراجك تقول إن الأمل كبير.. يبدو أنهم سيستعينون بخبير مفرقعات كي يضع الديناميت في نقاط استراتيجية.. يقولون إن هذا سوف يخفف حمل الصخور ليمكن إزاحتها..

مروان: آي.. ديناميت..! من الوارد جدًا أن أتحول إلى فتات..

المذيع: هم يعرفون ما يفعلون..

مروان: بيني وبينك.. حتى لو فشلوا سيكون هذا أفضل بمراحل من الموت هنا جوعًا وظمأ وربما اختناقًا.. 

المذيع: لا أريد أن أقلقك.. لكن هل الهاتف المحمول مشحون بما يكفي؟

مروان: قمت بشحنه صباح اليوم.. لن يستمر للأبد وإنني لأكره أن أرى اللحظة التي ينقطع فيها الشحن.. هذا لا يعني الصمت والعزلة فقط.. بل يعني الصمت والعزلة والظلام.. أعتقد أنني سأُجنّ وقتها.

المذيع: أرجو أن تكون قد خرجت قبل هذا.. لا أحد يتمنى أن تمرّ بلحظات كهذه.. للتذكير يا حضرات المستمعين، أو المشاهدين الذين لا يرون شيئًا مثلنا، نقول إن "مروان" طالب في كلية العلوم قسم الجيولوجيا، وقد كان مع رفاقه في تلك المنطقة من الصحراء الغربية يستكشفون مجموعة من الكهوف.. لسبب يتعلق بحماسة الشباب -أو خَرَقهم- قرر "مروان" أن يجرّب ذلك الكهف وحده.. يبدو أن رفاقه كانوا مشغولين بالتقاط بعض الصور عندما تسلل هو إلى المدخل.. لم يكن ينوي التوغل.. فقط مشى عشر خطوات حسب كلامه، وهنا حدث انهيار أرضي عنيف.. تساقطت الصخور ولم تؤذه لحسن الحظ، لكنها سدّت مدخل الكهف الذي كان هو نفسه المخرج.. ولسبب لا نفهمه ظل الهاتف الخلوي يعمل. من مكمنه في الظلام اتصل بأصدقائه يخبرهم بمكانه وأنه ما زال بخير، ويبدو أن لديه ما يكفي من الأوكسجين، وقد اتصل رفاقه بالسلطات التي استعانت بعناصر من الجيش.. لكن المشكلة معقدة؛ لأن الصخور التي تسد المدخل ضخمة وثقيلة جدًا.. لم تُجد المحاولات البطولية التي استمرت عدة ساعات. بالطبع لم تكن قناة "الشرارة" لتُفَوّت هذه اللحظات، فانتقل فريق من مصورينا إلى مكان الحادث.. بالطبع لا يرى المشاهدون أي شيء سوى موقع الكهف وآثار الانهيار وفِرَق الإنقاذ، لكننا استطعنا الاتصال بمروان، وأنتم تسمعونه بوضوح.. سوف نبقى على اتصال بكم إلى أن يتم تحريره من هذا الكهف..

(لمروان)
مروان.. هل هناك شيء مهم يخص هذا الكهف؟

مروان: هناك كهوف غريبة جدًا في الصحراء الغربية.. مثلاً كثر الكلام مؤخرًا عن كهف الوحوش الذي اكتشفه بعض الهواة بالصدفة.. إنه على بعد 900 كيلومتر جنوب غرب القاهرة.. لقد وجدوا فيه رسومًا غريبة جدًا تُذكّرنا بكهف "تسيلي" على حدود ليبيا والجزائر. هذه الرسوم تُظهر حيوانات لم يرها إنسان من قبل.. وعمرها لا يقلّ عن ثمانين قرنًا في عهد كانت الأمطار فيه تغمر الصحراء الغربية، وكان هناك صيد وصيادون.. عندما ساد الجفاف تحرك الناس إلى دلتا النيل ليصارعوا النهر المتوحش ويروّضوه.. كنت أعتقد أن هذا الكهف من تلك الكهوف الغامضة.. 

المذيع: أكره أن أقول ما أقول لكني معجب بمعنوياتك.. يصعب أن يجد المرء نفسه في موقفك ويتذكر كل هذه التفاصيل..

مروان: إنها تلك النعمة التي تجعلك تشعر بأن هذا كله غير حقيقي.. لهذا يتكلم من هو ذاهب إلى المقصلة مع جلّاديه وربما يلقي بعض النكات.. دعك من أنني تعلمت أنني أنجو من أقسى المواقف. القاعدة التي تنطبق على حياتي هي "عمر الشقي بقي"..

المذيع: ما أكثر ما يضايقك الآن؟


مروان: الحر.. الحر شديد خانق.. العرق يبلل كل شيء وعويناتي تنزلق كما أن الإمساك بالهاتف صعب.. 

المذيع: هل لك أن تصف لنا الكهف؟

مروان: إنه كهف.. لن أدخل في تفاصيل جيولوجية عن الصواعد والهوابط ونوعية الصخور.. لكن هناك ممرات جانبية لا يقل عددها عن أربعة، أكره تجربتها لأن هذا سيعقد مهمة البحث عني.. فقط هناك خلفي كومة هائلة من الصخور التي هوت.. لقد نجوت بمعجزة..

المذيع: هل هناك شيء يتحرك؟.. أية علامات على حياة؟

مروان: لا أعتقد.. لو كانت هناك أفاع أو وطاويط فقد أفزعها الانهيار.. لكن لحظة.. هل تسمع هذا الصوت؟.. صه.. هذا صوت خطوات؟.. بهذه السرعة قد..؟ لكن لا.. لحظة... 

المذيع: مروان.. نحن لا نسمع شيئًا.. هلا تكلمت من فضلك؟؟؟ مروان؟

.......

يتبع