قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, April 4, 2011

من وحي السنجة - 2



ومازلنا مع السنج بأنواعها سواء ما كان منها مصنوعًا من حديد أم مصنوعًا من أفكار. عرفنا سنج البلطجية التي صارت عادة؛ وهذا اضطر المواطن العادي إلى أن يحمل سنجته الخاصة.. أذكر اللجان الشعبية في شارعنا، عندما نزلت مع ابني ليلاً حاملاً الشاكوش، فأثار رعبي كم السنج والسيوف التي كانت في المنطقة والتي يحملها مواطنون غاية في الاحترام .. سوف يذكر التاريخ لمبارك أنه جعل الشعب المصري كله يحمل السنجة للدفاع عن نفسه

تعبت أعصاب المواطن المصري بعد فترة طويلة حقًا من التوتر والتحفز والانتظار، مع لعبة الأعصاب التي عابثه بها مبارك في ثلاثة خطابات متوالية حرص على أن تكون مخيبة للأمل. تعبت أعصاب المواطن المصري وهو يسمع عن هروب المساجين واقتحام البلطجية لكل مكان تقريبًا. تعبت أعصاب المواطن المصري وهو يرى الخيول والجمال تفرق صفوف المتظاهرين في التحرير. تعبت أعصاب المواطن المصري وهو يسمع ربات البيوت يصرخن عبر وسائل إعلام أنس الفقي. تعبت أعصاب المواطن المصري وهم يحذرونه من اختطاف الثورة، ومن السلفيين الذين يقطعون الآذان، ومن لعبة صفوت بيه التي سيعود بها الحزب الوطني ليحكمنا. تعبت أعصاب المواطن المصري وهو يرى ذلك التباطؤ الغريب في استرداد أموالنا المنهوبة، وفي عقاب أسماء بعينها يعرف الجميع أنها مسئولة عن كل شيء

هذا التوتر العصبي أورث الشخصية المصرية عنفًا وعصبية لا شك فيهما. وهذا واضح في كل مكان.. يمكنك في أية شركة أو مصلحة أن تجد أن المدير سجين مكتبه بسبب المظاهرات الغاضبة ويطلب الجيش لإنقاذه، وفي المستشفيات كثيرًا ما يبدأ أقارب المريض بضرب الطبيب والممرضات خاصة أنه لا توجد شرطة. المظاهرات الفئوية في كل مكان، حتى اضطر الأطباء المقيمون في مستشفاي لصرف العلاج للمرضى بأنفسهم. يكفي أن تدخل على الإنترنت لتجد الحدة البالغة في المناقشة مع الكثير من السباب. الكل يشتم بلا توقف ويتهم كل من يختلف معه بالعمالة أو الجبن أو الحمق. هناك علامة استفهام تحوم حول كل إنسان حتى عصام شرف نفسه الذي جاء من قلب التحرير وحملوه فوق الأعناق، بدأ الكثيرون يهاجمونه .. والسبب هو الأعصاب المشدودة التي تشعر أن الثورة في منعطف شديد الخطورة .. لاشك في هذا 

لم أر في قولة نعم وقولة لا سوى طريقتين لفهم الأمور، والأمر لا يختلف – كما قال المناضل حمدين صباحي – عن الذهاب للأسكندرية عبر الطريق الصحراوي أو الزراعي. لكن سيل المقالات التي كتبها من قالوا (نعم) يوحي بأنهم أنقذوا هوية هذا البلد الإسلامية، ومقالات من قالوا (لا) كلها تحمل نغمة (سترون يا جهلة .. خلاص البلد ضاعت ولا حول ولا قوة إلا بالله). والأغرب أن أحدهم دعا لمظاهرة مليونية تقول (لا) قبل الاستفتاء !.. ألم تكن تحارب من أجل استفتاء عادل شفاف ؟.. لماذا تتظاهر قبله ؟

منذ البداية نحن نثق بالجيش الذي اختار الشعب منذ البداية، ويكفي أن تنظر إلى ليبيا واليمن لتدرك كارثة ألا ينضم الجيش للجماهير. لقد حقن الجيش دماء المصريين وأنقذ البلاد من كارثة، وفي الآن ذاته كان بوسعه في أية لحظة أن يستولي على السلطة، ويظهر جنرال ليعلن أن البلاد مرت بحقبة من الفوضى مما اضطر الجيش للسيطرة على الأمور وفرض الأحكام العرفية .. منذ البداية أظهر الجيش زهدًا في السلطة، ويسعدني أن أعرف إنه يتوق فعلاً للعودة لثكناته تاركًا إعزازًا أبديًا في قلب كل مصري، لكنه برغم كل شيء يصر على عدم إزالة علامات الاستفهام الكثيرة

لقد مرت الثورة بأيام سوداء مثل موقعة الجمل .. لكن على الأقل كانت الأمور وقتها واضحة : نحن وهُم ... اليوم لم يعد واضحًا من هُم ومن نحن .... كثيرون من (هُم) تحولوا إلى (نحن).. وكثيرون من (نحن) صاروا أقرب لـ (هُم). وتقديري أن الثورة تُقاد إلى منعطف إجباري أرجو ألا يكون الصدام مع الجيش. المظاهرات الفئوية أرغمت الجيش على منع الاعتصام وازداد عنفًا .. بالتالي نحن فقدنا نقطة مهمة. دعك من أن الاستفتاء الأخير نجح في شق الصفوف إلى حد ما.. مع عودة الوجه القبيح للفتنة الطائفية والكلام المتكرر عن أحداث قام بها السلفيون الذين يصرون على إنكار أنهم فعلوا ذلك ..الإصرار على عدم محاكمة الرباعي الشيطاني يؤيد نظريتي القديمة – التي لم أكن أستطيع نشرها – أن هؤلاء كانوا رئيس الجمهورية الفعلي، بينما مبارك (رجل بركة) يعطونه حقنًا منشطة ليظهر أمام الإعلام ويقول ما يقول، ثم يعود للنوم ... معنى عدم المساس بهؤلاء أن رئيس الجمهورية السابق ما زال موجودًا ويحكم ...أليس هذا مقلقًا بما يكفي؟

 في أول أسبوعين من نجاح الثورة تابعت في صحف محترمة أخبار التحقيق مع العادلي (الذي كان يتم يوميًا في التجمع الخامس بعد منتصف الليل، وقال فيه إن لديه أسرارًا رهيبة وتكلم عن غرفة جهنم في الحزب الوطني). بعد هذا أعلن العادلي أنه لم يجر معه أي تحقيق!.. التحقيق الحقيقي بدأ بعد هذا. تم تجميد أموال مبارك عشرين مرة تقريبًا، وخوطبت دول أجنبية مرارًا .. ثم بعد هذا نكتشف مؤخرًا أن بريطانيا وسويسرا مندهشتان لأن الحكومة المصرية لم تطلب تجميد أموال مبارك وأسرته!. كل خبر يتم إنكاره بعد ثلاثة أيام، وثروة السبعين مليارًا تتحول إلى ثلاثة مليارات بمعجزة ما .. السعودية أجرت صفقة لمنع محاكمة مبارك .. ثم .. لا صحة لهذا الكلام .. ضباب خبري تام يحيطونك به فلا تدرك أي شيء .. هل تتوقع أن تكون الناس أقل عصبية؟

دعك من بطء التقاضي حيث يتم تأجيل قضايا بالغة الأهمية كهذه بالشهور. أعرف أن مكتب النائب العام يوشك على الانفجار من كثرة البلاغات، لكن الأمر يطول بلا توقف .. في كل يوم نبأ عن إحالة بلاغ كذا وكذا للنائب العام وأوراق فلان وفلان للكسب غير المشروع. كل يوم.. كل يوم .. حتى لم يعد أحد يهتم بهذه الأخبار لكن البطء يمكن أن يجعل شمعة الحقيقة تذوب تمامًا. قيل مثلاً إن القناصة الذين قتلوا أبناءنا كانوا يحملون بنادق ليزر لا يوجد مثلها لدى الداخلية!.. هذا سيقودهم للزعم أن من أطلق الرصاص على المتظاهرين جاسوس أجنبي.. وغير هذا كثير ودهاليز القانون متشعبة وصعبة

وما يزيد الأمور تعقيدًا أن بعض الأطراف تشغل النائب العام بمواضيع شبه منتهية، مثل أن (مبارك) قتل السادات. غريب جدًا أن تدبر حادث اغتيال بالبنادق الآلية، ثم تجلس جوار الضحية لحظة الهجوم وانت وحظك!.. وكأن الرصاص سينتقي هدفه. أعتقد أن من قرأ كتاب (اغتيال رئيس) لعادل حموده سيجد أن الأمور واضحة كالشمس. مبارك كان رئيسًا فاسدًا لكن لا يجب أن يكون هو قاتل السادات كذلك!. لدى النائب العام ما يكفيه من مشاكل فلا وقت لهواة الظهور الإعلامي ونظريات المؤامرة 

النتيجة – كما يراها الجميع بعد شهرين من رحيل مبارك تقريبًا – هي أن جمال مبارك وصفوت الشريف وزكريا عزمي ومبارك وكل الإعلاميين الذين تلاعبوا بالناس موجودون... الحزب الوطني لم يُحل بعد. لهذا يشعر الجميع بالتوتر .. التوتر الذي لم يشعروا به وهم يقفون في البرد مسلحين بالسكاكين يتوقعون هجوم البلطجية، ولم يشعروا به وهم في التحرير ينتظرون رصاص القناصة في الجباه.. أعتقد أنهم كانوا أكثر هدوءًا وأسعد حالاً

ما زلت متفائلاً .. لا أعتقد أن (صفوت بيه) قد ربح في النهاية، وأنه جالس الآن يضحك مع (جمال بيه) ساخرين من 85 مليون مصري.. لا أعتقد ذلك لكني أتوقع أن يتزايد العنف ما لم يظفر الشعب بما مات أبناؤه من أجله.. الأوراق في يد الجيش كلها، بينما لدى الناس ورقة واحدة: التحرير.. لكن بشكل لا يعطل عجلة العمل

............

وللحديث بقية