قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Thursday, September 1, 2011

حقيقة ما حدث - 2 - الجريمة كما يرويها الضابط والزوج والزوجة



الزوج

أنا أعرف حقيقة ما حدث

دعكم من كل هذا السخف الذى سمعتموه.. أنتم تعرفون أن رجال الشرطة يلفقون كل شىء، ويكتبون الاعترافات كأنهم يكتبون قصائد حب، ثم يرغمونك على التوقيع فإن لم توقع علقوا زوجتك عارية من مروحة السقف وهددوك. الكل يوقع فى النهاية وتضيع الحقائق.. لكننى سوف أقدم لك الحقيقة

انس ما سمعته أمس.. واستمع إلىّ أنا

أنا عباس الزينى.. موظف صغير فى إدارة الكهرباء وأزيد من دخلى عن طريق ممارسة النجارة فى البيت.. لدى طاقم من المناشير والمبارد ولدى مثقاب وما يلزم من معدات.. صحيح أن هذا لم يجعلنى ثريا لكنه على الأقل يترك بعض المال فى جيبى دائما

أنا أكره ذلك الشىء الذى يعيش هنا وأخافه كثيرا.. مصطفى كذلك يكرهه

نحن نعيش فى بقعة معزولة، ويمكن القول إن هذه المجتمعات الجديدة فاشلة تماما.. من السهل أن تقتل إنسانا وتمزقه وتشوهه وتأكله دون أن يشعر بك أحد، وعند الثامنة مساء يصير الشارع مخاطرة حقيقية

دائما هناك مساجين فروا من سجنهم.. دائما هناك سلعوة.. دائما هناك أسطورة مخيفة ما

عندما تعيش فى مكان مقفر كهذا فأنت تأمل أن تعيش مع شخص تحبه، لكنى فى الواقع لا أملك أى حب نحو زوجتى تلك العجفاء الجاهلة السقيمة شديدة الغباء.. وجهها الكالح يجلب لى الغم.. لقد انتهى حبى لها حتى إننى لا أفهم كيف أصابنى الخبال منذ خمسة أعوام فنمت معها وظفرنا بهذا الطفل

مصطفى صديقى.. مصطفى ينصحنى بكل شىء.. صحيح أنه أعور وصحيح أن نصف وجهه محترق.. وصحيح أنه لا يأتى فى كل وقت.. وصحيح أن أحدا لا يراه معى لسبب لا أفهمه، لكننى أثق بمصطفى فعلا.. إنه أخ لم تلده أمى

قرص آخر.. لا تلمنى من فضلك.. سيجارة محشوة أخرى.. لا تنظر إلىّ بهذا الشكل. المخدرات مؤذية لكنها تجعل الحياة محتملة.. فى صباى كسرت ساقى وأعطونى دواء لأنام.. اكتشفت أنه مهما كان الألم قاسيا فالنوم ينهى كل شىء.. يختصر الألم.. الموت كذلك يحل مشكلات كثيرة، لكن لا عودة منه وهذا يخيفنى

أنا أتعاطى كثيرا من المخدرات.. أعترف بهذا.. لكن تزوّج زوجتى، وعش مثلى فى هذا المكان الكئيب، وجرب فقرى ثم أعطنى درسا أخلاقيا

لا أعرف متى بدأت أشك فى الصبى.. ابنى

بالنسبة إلى معظم الناس يبدو صبيا عاديا.. لا شىء يخيف فيه.. لا شىء يجعلك تستيقظ مفعما بالرعب غارقا فى العرق

لكنى أكثر حساسية من سواى.. هناك أولا تلك النظرة الوقحة فى العينين.. ينظر لك فى ثبات طويلا ولا يرمش بعينيه مما يدفعك إلى الجنون.. يوترك.. يربكك

ثم يفتح فمه فى شبه ضحكة وتتدلى شفته السفلى.. هذا يحطم أعصابى نهائيا

مصطفى كان يقول وقتها
ـ«يا ابن الـ…..»ـ

أحيانا كنت أصحو من النوم وهو راقد جوار أمه، أتكلم عن ابنى لا مصطفى طبعا.. فأرى أن عينيه مفتوحتان فى جشع وأنه يرمقنى فى ثبات! هذا الشىء لا ينام

أحيانا عندما يكون وحده أسمعه يتكلم بصوت كصوت الرجال بالضبط.. هناك ستة أشخاص فى داخله.. ربما سبعة

لم أستطع قط أن أقنعها بذلك.. كل الأمهات لا يرين أى خلل فى أطفالهن، وامرأتى كانت عديمة الخيال ضيقة الأفق

من أين وكيف أصابه المس؟
سألت فى ذلك أحد المشعوذين، فقال لى إن عملا شيطانيا مدفونا فى موضع ما.. وهذا العمل قد سهل مس الشياطين الصبى

دفعت للمشعوذ مبلغا من المال، فجاء وراح يفتش فى البيت ومن حوله، ثم نصحنى بأن أبحث عن العمل مدفونا قرب شجرة متحللة على أطراف المدينة

ذهبت هناك وحفرت بعض الوقت، فكان ما خرج لى تمثال من حجر أسود يمثل رجلا له رأس كلب.. كلب طويل الخطم منتصب الأذنين.. ربما هو ذئب

أعتقد أن هذا التمثال فرعونى.. لقد رأيت شيئا كهذا من قبل

قال المشعوذ إن هذا التمثال هو العمل ذاته، وطلب منى أن أحتفظ به.. مع وعد بأن الصبى سوف ينجو من المس

قال لى «مصطفى» إن على أن أدمر التمثال نفسه.. لكن أنّى لى أن أدمره وهو من حجر ثقيل؟ ولو كان هذا مطلوبا لطلبه المشعوذ منى

هكذا أخفيت التمثال فى القبو وانتظرت أن تنفرج الغمة

الصبى كان مخيفا فأصبح مريعا

جاءت اللحظة الكبرى عندما كنت أمشى فى الدار فى الظلام، وهنا شعرت بتلك الأسنان تنقض على ساقى.. أسنان حادة قاسية

الوغد زحف على الأرض وانقض علىّ.. كان ينشب أنيابه فى ساقى كأنه ثعبان، وقد رحت أركل وأحاول التملص لكنه كان متمسكا بقوة.. هكذا اضطررت إلى أن أضرب ساقى بقوة فى الجدار فسقط هذا أرضا

ليلتها والليالى التالية لم أنم

كانت حرارتى ترتفع.. أعرق بغزارة.. لعابى يسيل من فمى.. أتبول كثيرا جدا.. حملنى جارنا عبد الجواد على دراجته إلى المستشفى ولم أحك شيئا عن عضة الصبى لى، لكنهم لم يصنعوا لى شيئا.. أعطونى مضادا حيويا وحقنة تيتانوس وطلبوا منى الانصراف

لم أنم.. التوتر يتزايد.. هناك وحش تحت سقف دارى وأمه لا تعترف بذلك.. ومن الجلىّ أن عضته سممت بدنى تماما

وفى يوم غائم كئيب قال لى مصطفى إن علىّ أن أفعل شيئا

ـ وماذا أفعل يا أخى؟.. لن تصدق أمه حرفا
ـ لم أطلب أن تؤذيه.. أريدك فقط أن تمنعه من إيذائنا
ـ وكيف؟
ـ أنت تعرف أنه سيتحول إلى شيطان ويحلق ليملأ الأرض جورا.. يجب أن تمنعه
ـ وكيف؟
سأقيده للفراش بالحبال.. سأمنع عنه الطعام

وهكذا انتهزت فرصة ذهاب زوجتى إلى السوق وجررت الوغد الصغير إلى القبو حيث أحكمت وثاقه إلى فراش بلا حشية نقلته هناك
راح يعوى كالذئاب لكنى لم أرفق به.. لا أرفق بالشياطين

رحت ألوح بالتمثال أمام وجهه لعله يفيق.. لكنه ظل ينظر إلىّ بتلك النظرة الوقحة

ثم أغمضت عينىّ وفتحتهما لأجد أنه تحرر

نعم.. تحرر.. الحبال ممزقة وهو يقف هناك فى ركن المكان.. لقد استطال وصار مريعا كالغيلان.. كل ما فكرت فيه صحيح.. كل ما خشيته يتحقق

مصطفى قال لى إن علىّ أن أقتله الآن قبل أن يهجم.. لكنى لن أجرؤ

هنا فرد الصبى جناحيه. كانا مغطيين بالريش الأسود كأنه غراب عملاق. لقد اكتمل تحوله وتهيأ ليحلق، كما توقع مصطفى

يجب أن أستجمع شجاعتى.. نجاة العالم تتوقف على تصرفى فى اللحظات القادمة

جثوت على ركبتى واعتصرت ساقيه

حاول أن يركلنى.. حاول أن يغرس مخالبه فى جسدى، لكنى رفعته بقوة لم أحسبها عندى وضربت رأسه فى الجدار بقوة.. مرة.. مرتين.. ثلاث مرات
الدم ينفجر
الريش يتناثر فى كل صوب من حولى

برافو يا عباس.. أنت شجاع يا عباس.. أنت تجيد القتال يا عباس
مصطفى يشجعنى بلا توقف

لكن النساء بلهاوات ولا يفهمن هذه الأمور.. لقد انقضت على صارخة تعوى كأنها تحترق فى الجحيم
ـ ماذا فعلت أيها المجنون؟
تهوى على رأس مصطفى بشىء ثقيل لا أعرف ما هو.. التمثال!.. لقد وجدته
الريش يطير فى كل مكان.. يضايقنى… يملأ منخرىّ
أضربها فترتطم بالجدار وتبكى! لم أرد أن أؤذيها لكنها تعطل عملى فعلا

عرفت أن الشيطان قادم الآن لينتقم منى
لقد دمرت خطته للسيطرة على العالم
إنه يلبس ثياب ضابط شرطة.. ومعه خادماه يصيحان بى
أين المثقاب؟ أقسم أننى سوف أثقب هذا الرأس حالا لتخرج منه الحمم والشرور
ورررررررررر ! وررررررررر
سوف أقتل الشيطان

لكن الشيطان كان أسرع منى.. إننى أطير لأرتطم بالجدار.. ما هذا الشىء الساخن فى صدرى؟ لماذا يتفجر الدم منه؟
رباه!.. أنا أموت!.. الشيطان قد ثقب قلبى
لكنى سوف أصمد.. سوف أعود إلى الحياة، ولو مت فلسوف يبقى مصطفى ليكمل ما بدأته أنا

هذه هى الحقيقة كلها.. وكما قلت لك لا تصدق أحدا غيرى… ربما كانت شهادة زوجتى مفيدة لك كذلك
لو أنك جئت هنا غدا لسمعت مثلى القصة من شفتى زوجتى