قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, January 9, 2012

نعم أنا مطلَّقة فى السجن



ولماذا تخصص هذا المقال لهذا الموضوع؟.. الإجابة هى أننى لم أتلق من قبل خطابا من مدون سجين، وفى هذه الظروف بالضبط. لقد تلقيت من قبل خطابات من سجناء بتهم جنائية يحبون قصصى التى اكتشفوها فى مكتبة السجن «ولم تدفعهم إلى الجريمة لو كنت تظن هذا»، لكن المدونين نسيج فريد وغالبا هم من ضحايا الرأى، وكما نعرف لم تعد الكلمة على الإنترنت بلا ثمن

نرمين البحطيطى اسم عرفته الحياة الثقافية فى مصر منذ أعوام مع كتاب «نعم أنا مطلقة».. باقى العنوان فى المدونة هو «… ولن أخجل». لم أقرأ الكتاب لكن قرأت ما كتب عنه، وعرفت أنها مختصة فى الإرشاد الأسرى والنفسى، وقد كان الكتاب يناقش ارتفاع نسبة الطلاق فى مصر «حالة طلاق كل ست دقائق».. إن مؤلفته تتحدى المجتمع مصممة على استعادة حريتها بدلا من الحياة حياة قاسية فى ظل رجل والسلام. وهى تحكى عن مشاعرها قبل وبعد الطلاق ونصائح للأبناء.. إلخ. الفصل الأول مجموعة قصص قصيرة تحمل عنوانا مثيرا للتفكير «قصص من حيوات لم تر النور».. الفصل الثانى عنوانه «يوميات أنثى مستوحدة».. وتقول فيه جملة مهمة أخرى «كل ما يفعله الرجل كى يدمر حياة زوجته بعد انفصالهما ويمنعها من الارتباط بسواه أو تأخيره، وكل ما تفعله المرأة فى نفس السياق، إنما هى محاولات لاستعادة حياة مفقودة، هى نوع من الحب، ولكنه حب مميت قاس، يفتقر إلى أبسط أسس الأمن والرحمة»ـ

يبدو لى أن الكتاب يعج بجو الفيمنزم إياه، واعتبار الرجال ومجتمعهم الذكرى حفنة من الأوغاد، لكن من علقوا على الكتاب قالوا إنه عصارة مركزة مفيدة لكل امرأة تمر بتجربة الطلاق، وأن الكاتبة تميل إلى الحياد فعلا

على كل حال لا يعنينى الخلاف الفكرى مع نرمين.. كما لا يعنينى عدم دقتها اللغوية، كأن تفسر معنى «الكنة» بأنها «الحماة» وهذا خطأ.. الكنة هى زوجة الابن. أو أن تقول «سجن إحطياتى» بدلا من «سجن احتياطى». كما أننى أختلف كثيرا مع محتوى الخطاب.. رقابة القضاء محورية للانتخابات ولمصير مصر.. نحن نختار أهون الضررين على كل حال..بل إنها تجد أن محاكمة مبارك سريعة وحاسمة لأنهم يدللونه! رأيى طبعا هو العكس.. هم يدللونه بالبطء الشديد الممل فى المحاكمة

ما يعنينى هو أنها أرسلت إلىّ خطاب الاستغاثة هذا مرارا من السجن.. لا تعنينى كذلك أسباب سجنها قدر ما أجد رسالتها مهمة وعادلة، لذا أنشرها هنا برغم أن هذه هى نافذتى الأسبوعية الوحيدة التى أطل منها على القراء، لكنها أحوج منى إليها. تقول نرمين:ـ

البحث عن قاضٍ

موكلة منهم.. وأحمل نفس همومهم.. نفس النظرات الزائفة الملتاعة الحانقة بعد كل جلسة محاكمة.. الأبرياء منهم مثلى ينتظرون السراح الجميل بعد طول عناء.. والمذنبون يأملون فى حكم يرحمهم من عذاب الترحيلات إلى جلساتهم وفواتير المحامين وهلع أسرهم عليهم.. ووجودهم فى سجن «احتياطى» يفتقد أبسط قواعد حقوق البرىء حتى تثبت إدانته

أحمل من كل سجينات مصر فى سجونهن الاحتياطية توكيلا بإيصال أصواتهن.. وصرخاتهن

البحث عن قاضٍ

قضاة مصر.. أولياء الأمة فى إقامة العدل.. مشغولون.. تأجيلات بعد الثورة .. الفراغ الأمنى.. تأجيلات شهر نوفمبر الماضى.. اعتصام المحامين والقضاة
تأجيلات شهر ديسمبر.. عدم اكتمال الدائرة لغياب أحد القضاة فى انتخابات مجلس الشعب
تأجيلات شهر يناير .. عدم وجود رئيس الدائرة لنفس السبب السابق!ـ
جميع المحاكم الابتدائية للجنايات فى مصر شبه متوقفة
قضاة منتدبون.. ودوائر ناقصة تصدر أحكاما

فقط تأجيلات.. ولا عزاء للسجناء .. محاكم الجنايات فى جميع عموم مصر.. مختلفة عن الجنح، فالقضايا فيها تنظر شهريا.. والتأجيلات بسبب كثرة عدد القضايا قد تطول لشهور طويلة.. لتحقيق العدل والاستماع للشهود وضباط المباحث ودفاع المتهمين

قد يصبح هذا مفهوما ومتقبلا إذا كان الغرض تحقيق العدل فى النهاية .. أما أن التأجيلات لأسباب تتعلق بعمل القاضى.. فكيف يمكن تفسير هذا؟ العدل البطىء ظلم بين

من يتحمل كل تلك «الشهور» التى قُضيت فى زنازين ضيقة ومرارة الظلم تقطر من وجوه أناس شاءت أقدارهم التعرض لتجربة السجن.. بعد الثورة؟

وهل إذا انتهت انتخابات مجلس الشعب ستعود الدوائر إلى العمل دون إبطاء؟
ومجلس الشورى المحدد له الأسابيع المقبلة وبعده انتخابات الرئاسة؟

وهل ستقوم دولة مصر الجديدة الحرة على أسس العدل والكرامة.. والسجون تكتظ بالأبرياء دون فرصة لإثبات براءتهم؟

ومن العجائب أن الثورة التى قامت على تحقيق العدل لجموع المصريين.. هى نفسها التى تسمح بكل هذا العبث.. وبأن تكون محاكمة الرئيس المخلوع أسبوعية.. هو وأبناؤه ومستشاروه.. وتؤجل قضايا الجميع.. لشهور. لنا الله نحن المساجين

ولولاة أمورنا الدعوات بالهداية

ملحوظة:ـ
ـ 99 بالمئة من دول العالم لا تستعين بالقضاة فى الانتخابات فالقاضى للمنصة، من مبدأ أن ذلك لا يتناسب مع قيمة القضاة
ـ يحصل القضاة على مبالغ مالية كبيرة فى إشرافهم على الانتخابات مما يجعل التقاضى عرضة لرذاذ لا ينبغى أن يطال القضاة
ـ لا يوجد قانون ملزم للقاضى للفصل فى القضايا فى خلال مدة محددة مما يفتح الباب أمام التأجيلات.الرفض غالبا لإخلاء السبيل على ذمة القضايا أو دفع كفالة مالية يتسبب فى استمرار حبس المتهمين حتى لو كانت مؤشرات البراءة واضحة جلية

نيرمين البحطيطى
مسجون احتياطى- كاتبة ومدونة

هذا هو خطاب نرمين.. نشرته للأمانة والدقة، وبالطبع هو موضع خلاف وجدل. لكنها صيحة لا بد أن تخرج إلى الناس