قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, March 5, 2012

نظرية مؤامرة معقولة



مذبحة الأقصر الشنيعة التى وقعت فى 17 نوفمبر عام 1997، مذبحة غريبة فى كل شىء، وبالتأكيد تحتاج إلى مزيد من التحقيق. لمن لا يذكرون هذا الحادث، نذكرهم إن هجوما بربريا وقع على مجموعة سياح فى معبد الدير البحرى، واتسمت العملية بقدر هائل من السادية، من حيث تمزيق الضحايا وذبح الأطفال على صدور أمهاتهم، لدرجة أن مرشدا سياحيا توسل للمعتدين كى يقتلوا السياح بالرصاص بدلا من ذبحهم، فقال له أحدهم: «روح اقرا ف دينك وافهم وبعدين اتكلم.. وخذ دى عشان ما تنساش». ثم وجه إليه طعنة فى رجله. هذا ما قاله المرشد كما نُشر فى مجلة «روز اليوسف»، وقال شهود آخرون إن المعتدين كانوا متسعى الحدقات يلهثون ويتنفسون بشكل غريب، مما يوحى بأنهم تحت تأثير عقار ما، وعلى كل حال انتهى الحادث بذبح 58 سائحا، منهم أربعة عرسان يابانيين وأسر أمريكية وسويسرية كاملة. ثم فر المعتدون إلى الجبل، وفى ما بعد وجد رجال الشرطة جثثهم وقيل إنهم أطلقوا الرصاص على بعضهم تفاديا للاستجواب، كان هذا فى بداية عصر الجنزورى الأول.. فجاء به مبارك إلى الأقصر ودار مشهد «خطتكم الأمنية تهريج» الشهير، الذى انتهى بالإطاحة بوزير الداخلية حسن الألفى، وبدء العهد الميمون لحبيب العادلى. واكتملت المأساة بالدهولة المصرية المعتادة التى شحنت الجثث اليابانية لسويسرا والأمريكية لليابان.. إلخ

هناك علامات كثيرة تؤكد أن الجماعة الإسلامية هى من قام بهذا، ومنها بيان رفاعى طه قيادى الجماعة، الذى وزعه على وكالات الأنباء يؤكد فيه مسؤوليته، زاعما أنه كان يريد أخذ رهائن فقط، ومنها ما يؤكد أن مصطفى حمزة قائد الجناح العسكرى، كان يعتزم تنفيذها فى جمهور أوبرا عايدة، لكن هذا لم يتم، ومنها ما قاله الظواهرى فى حوار بالجزيرة عن أنهم تراجعوا عن هذه العمليات، لأنها تضعف شعبيتهم فى الشارع المصرى «وكان قبل هذا يتهم الشرطة المصرية بتدبير الحادث». إن للعملية مزايا عدة بالنسبة إلى منفذيها، أولها بالطبع توجيه ضربة كاسحة إلى الاقتصاد المصرى وصناعة السياحة، وهو ما حدث فعلا. ثانى المزايا هو أنه فى ذلك الوقت كان هناك جو من التطرف الشديد يخيم على كل شىء، وقد سبقت القصة عمليات طعن للسياح أو إطلاق الرصاص على حافلاتهم عدة مرات، وقد تشاجرت مرارا أيامها مع متطرفين يهللون ويحمدون الله كلما سمعوا عن سائحة سويدية ذبحت أو سائح إيطالى قتل. كانت خلاصة رأيهم الذى انتقل إلى عدد كبير من الناس هو أن السياح عراة يأتون لينشروا الفساد فى مصر، بحيث صار من يذبح سائحا يطالب بمكانه فى الجنة. ورأيى وما زال أنه كبت جنسى تحول إلى سادية.. ما دام غير قادر على نيل هذا اللحم الأبيض فليذبحه بدعوى التدين، وقد قتل هذا الكلام جدلا وقتها على كل حال

لهذا السبب من الممكن جدا أن نقبل التفسير السهل، خصوصا أن القارئ يعرف مقتى الشديد لنظريات المؤامرة والتذاكى، صار كل قارئ فى بيته يطلق الاتهامات وهو جالس يشرب الشاى الكشرى أمام الكمبيوتر. كلنا نكره نظام مبارك ونلعنه، لكن هل يجب أن يكون علاء مبارك هو المسؤول عن حادث شريهان؟ وجمال هو المسؤول عن تفجيرات شرم الشيخ؟ وصفوت الشريف هو من قذف سعاد حسنى من البلكونة؟ والعادلى هو المسؤول عن تفجيرات كنيسة القديسين؟ وابن أحمد نظيف هو المسؤول عن حادثة ابنة ليلى غفران؟ ولو كان هذا صحيحا، فلماذا لم يجر أى تحقيق جدى؟ لو أن هناك أوهى دليل على ذلك، فلماذا لم يملأ صاحب الدليل الدنيا صراخا؟
لكننا عندما نتكلم عن حادث الأقصر، فنحن نقابل أطرافا يبدو كلامها متزنا ومثيرا للتساؤلات

مثلا فى مدونة محمد الأنصارى، يتعجب صاحب المدونة من تعيين مبارك للعادلى رغم أنه المسؤول الأول عن الجريمة، لأنه كان يرأس جهاز أمن الدولة نفسه، أى أنه كان يجب أن يمنعها، ثم يتكلم عن شاب يدعى «محمود محمد أحمد عبد الكريم» من قرية القلعة بمركز قفط، القرية التى ولد فيها شاعرنا العظيم أمل دنقل، كان الفتى طالب طب بجامعة أسيوط ثم لم يعد كذلك، لأنه فارق العالم، كان زميلهم فى الكلية ثم انقطع عن الذهاب هناك بعد الحادث تماما.. ثم على الفور أعلن عن العثور على جثث الجناة فى مغارة، وهم محمود وزميلان له، أحدهما حامد أحمد عريان «طالب بكلية الطب البيطرى»، والآخر سعيد سلامة دسوقى إبراهيم «طالب بمعهد الإرشاد الزراعى»، والثلاثة بنفس الجامعة ومن نفس القرية، محمود كان طالبا عاديا مهذبا فى السنة الرابعة، بعد مقتل محمود ورفيقيه، قيل إن أمن الدولة استعانت للكشف عن «الجناة» بسجلات الحضور والغياب بالكليات بالفترة التى وقعت فيها الجريمة، وقامت بمضاهاتها بالفترة التى وقعت فيها الجريمة (!!). يؤمن صاحب المدونة بشدة أن الشرطة إما قتلتهم فى المعتقل ثم وضعت جثثهم فى المغارة، أو جاءت بهم من المعتقل أحياء ثم قتلتهم فيها. ويقول: فى الفترة الأخيرة زاد اقتناعى برأيى القديم عندما تواصلت مع زميل كان يعرف محمود شخصيا، وما زال يؤمن تماما أن محمود (الذى كان بلا توجهات سياسية أو أى ميل للعنف) برىء هو ورفيقاه من هذه الجريمة، الحكومة المصرية رفضت آنذاك إطلاع أسر الضحايا (ومعظمهم من السويسريين) على التحقيقات الرسمية التى جرت حول الجريمة. يمكن أن لا نهتم بهذا الكلام العائم، لكننا عرفنا كيف يهوى العادلى تلفيق القضايا لغلقها، فهل يكون تصرفه هنا مختلفا؟

فى رواية «محال» ليوسف زيدان، يضع حقائق غريبة أخرى على لسان أحد الأبطال، يحكى صديق بطل القصة «سهيل» عن مذبحة الأقصر ويبدى دهشته، لأن هناك شركة تبنى عدة فنادق بأرخص الأسعار رغم حالة الكساد العامة التى تلت المذبحة.. كأنهم كانوا ينتظرونها. فى الأقصر يقولون إن القتلة كانوا يقيمون فى فندق موفنبيك الذى يملكه ثرى اسمه «حسين سالم!!»، فمنذ متى يقطن الإسلاميون فى فنادق خمسة نجوم؟ ويوم الحادث دخل القتلة إلى حقول القصب وبدّلوا بثيابهم ثياب رجال أمن، فى ما بعد وجد الفلاحون ثيابهم الداخلية فوجدوها غالية الثمن لا يمكن لطلبة فقراء أن يلبسوها، ثم كان هناك من يراقب المذبحة من فوق الجبل ورآه الأهالى، السائق الذى هددوه ترك الطريق الرئيس بالحافلة، واتجه إلى معسكرات الجيش، فطارد الضابط المناوب القتلة بنفسه، وهو ضابط اسمه سامى عنان «لا تجن فأنا مثلك». فى اليوم التالى ظفر حبيب العادلى بوزارة الداخلية.. ولم يعرف أحد ما دار فى التحقيقات، وحتى السائق استدعاه أمن الدولة ثم غادره وهو أخرس كالأسماك. وبعد الحادث بشهرين جاء من لندن ابن الرئيس الذى يدعى مبارك ليقيم فى مصر، رغم أنهم كانوا قد رتبوا له حياة رغدة فى إنجلترا!ـ

ماذا يريد يوسف زيدان قوله أو التلميح له؟ أى محاولة لفهم ما يقول سوف تنتهى بأن يقول لك إن هذا كلام سهيل وليس كلامه. لكن عندما تكون روائيا يمكنك أن تشعر بنكهة معينة للكلام الذى يعبر عن رأى المؤلف نفسه وليس البطل فحسب، وعندما يهمس بهذا من هو فى وزن يوسف زيدان هذا، فلا بد أن يلعب الفأر فى عبك وتطالب بأن تعرف!ـ