قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Friday, April 20, 2012

المريض التالي - 5


نظر السائق إلى د. هجرس متسائلاً، فقال له في وقار:ـ
ـ"رغيفان من الحواوشي.. وليكثر من الشطّة"ـ

أمر هجرس السائق أن يشتري له رغيفان حواوشي

ابتعد السائق في الظلام على حين جلس د. هجرس يراقب الشارع.. حركة السيارات.. الكشّافات.. المارة.. الهاتف لا يكفّ عن التوهج.. لا بد أن الممرضة تعيش ألعن حالاتها الآن في العيادة وهي تواجه طوفان غضب المرضى.. إنه لم يتصل ولم يعتذر.. لا يملك سعة نفسية لذلك

فقط هو يشعر بالحاجة إلى أن يجوب الشوارع الليلية.. يريد أن يأكل "حاجة حرشة" كما يقولون، لذا طلب من السائق أن يذهب به لهذا الحي، حيث يكمن في الظلام ويفكّر

عندما عاد السائق بالرغيفين، وجد هجرس أنهما دسمان جدًا.. سوف يستحمّ في بركة من السمن لو أكل في السيارة، لذا اقترح أن يذهبا لمقهى قريب في الهواء الطلق

هناك جلسا.. ناول السائق رغيفًا ثم ملأ فمه باللفت المخلل، وراح يلوك اللحم الدسم ويتذكر أيام النوبتجيات الأولى، عندما كان يذهب مع رفاقه من الأطباء الشباب إلى هذا المطعم في السيدة زينب أو ذاك.. كان يؤمن يقينًا بأنه سيتذكر تلك الأيام وهو ثري وهذا ما حدث فعلاً.. الكثير من الأكل.. الكثير من التدخين.. الكثير من النساء (نوعية أقلّ رقيًا بكثير).. هكذا كان شبابه

في المستشفى لم تكن هناك مريضة في الفراش
نعم.. هذا ما حدث عندما ذهب الأطباء المقيمون لينادوا عز الشباب عبد السميع.. وقد قالت المريضات حولها إنها قد تكون في دورة المياه، لكن البحث المدقق عنها برهن على أنها ليست في المستشفى أصلاً.. أين هي يا سادة؟ لا داعي للتفكير الكثير
بالنسبة للأطباء الشباب هي قد هربت.. ربما عادت لبلدتها؛ لأنها سئمت المستشفى ويئست من العلاج
وبّخهم ولامهم وهددهم بعقاب صارم
لكنه يعرف ما هو أفضل

لسبب ما يؤمن إيمانًا شديدًا بأنها الآن في قبرها.. لن يرسل أحدًا ليتحقق على كل حال.. إن الجزء العلمي من عقله يرفض القصة جملة وتفصيلاً، لكن الجزء البشري يقول: لمَ لا؟ في النهاية ينتصر الجزء العلمي.. هناك تفسير منطقي سوف يتضح قريبًا

جاء الشاي الثقيل الذي يعتقد العامة أنه يذيب الدسم.. رشف رشفة قوية منه وهو غارق في همومه ومخاوفه الخاصة

لن يذهب للعيادة باقي الليلة.. حالته النفسية مرهقة، والحقيقة أن هذا التوتر يمكن أن يؤذي مهنته فعلاً لو استمر

أخرج منديله.. هنا لاحظ تلك اللطخة من أحمر الشفاه على طرفه، لطخة قديمة أبت وتمرّدت وأصرّت على ألا تزول بالغسيل.. تكرر هذا مرارًا من قبل لكن من حسن حظه أن زوجته لا تغسل بنفسها، ولكن من السذاجة أن نتوقع أن الأمر لم يصل لعلمها.. لا بد أنها تشكّ في أمره كثيرًا.. تكون ساذجة لو لم تفعل

نظر لأرقام الهاتف.. شاهنده لم تتصل بعد

*********

ثريا كانت تعرف الكثير عن زوجها
الواقع أنها كانت تعرف أكثر من اللازم، وكانت قد راجعت أرقام الهاتف مرارًا وهو نائم، ولديها شبكة تجسس صغيرة في العيادة، وقد استطاعت فتح اللاب توب الخاص به، إنه يستعمل كلمة سر هي اسم حبيبة مدونة على الهاتف.. بعد فترة فقدت قدرتها على العد، وأدركت أنها لن تستطيع متابعة كل مغامراته.. هكذا لم تعد تراقب

هي أصلاً باردة وعلى شيء من القسوة، لذا لم يُدْمِها هذا كما يجب أن يدمي سيدة أخرى.. فقط شعرت بإهانة، وتمنت لو تنتقم

لكنها أدركت أنها ستواصل الحياة معه.. لن ترحل.. لن تتخلى عن مكانتها الاجتماعية وكل هذا الثراء.. فقط تم نوع من الطلاق النفسي بينهما فلم يعودا يتكلمان أكثر من 170 كلمة كل شهر.. يسافران معًا ويذهبان للمؤتمرات ويؤديان العمرة على سبيل الوجاهة الاجتماعية.. لكنهما لا يتكلمان ولا يتلامسان

لقد تعلمت كذلك أن تمضي وقتها بألف طريقة ممكنة، وبعض هذه الطرق كان خطرًا
كانت تفكر في هذا وهي تقود سيارتها على الطريق الدائري عائدة للبيت

السيدة النحيلة التي اقتحمت البيت أمس وأثارت ذعرها.. من هي؟ من أين جاءت؟ ولماذا لم يردّ هجرس على مكالماتها؟ لم يظهر طيلة اليوم ولم يردّ.. أين هو؟ ولماذا لم يذهب للعيادة؟ شيء يثير الجنون
و.....ـ

طاخ!ـ
اضغطي الفرامل يا مجنونة!!!ـ
إيي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي!ـ
سوف تنقلب.. تمسكي بعجلة القيادة.. لا تفقدي تماسكك

لقد صدمت شابًا.. صدمت شابًا يقف أمام السيارة في منتصف الطريق.. صدمت شابًا وهي مندفعة بسرعة 120 كلم.. لا بد أنه تهشّم تمامًا

توقفت السيارة أخيرًا.. سحابة غبار كثيفة تتصاعد حول العجلات.. نزلت منها على ساقين من عجين وركضت نحو مكان الحادث

هناك كان الشاب الذي تلقى ضربة عنيفة
كان هناك في الظلام تراه على ضوء مصابيح الطريق
هنا أدركت أنه حي

رأته ينهض... لقد التوى عنقه ويبدو أن ساقيه تهشمتا لكنه ينهض.. الوغد! ينظر لها بوجه نحيل ضامر وعينين غائرتين، ثم يقف كأنه دمية من قماش.. رخوة.. متيبسة نوعًا

إنه يمشي خطوة ثم يسقط أرضًا.. يزحف كدودة نحوها
لا.. هي لا تريد

كانت قد اتخذت قرارها وركبت السيارة.. الجبناء يتخلّون عن ضحايا الحوادث التي سببوها.. هذا ما يسمى بـ"اضرب واهرب"ـ
"Hit and run"
لكن الوضع هنا استثنائي

هكذا ركبت سيارتها وانطلقت تحرق الأسفلت حرقًا

.......

يُتبَع