قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Friday, June 1, 2012

الهول - 4


لقد أمضيت في مصر فترة لا بأس بها وجربت الكثير من أنواع الهول، ومزّقت كثيرين واستمتعت برعب كثيرين.. وكمنت كثيرا تحت صفحة المياه أراقب من يدنو أكثر من اللازم.. ثم مددت يدي لألتقطه ليهبط تحت الماء ويموت. قدماء المصريين حذّروا من هذه الظاهرة.. حاول الإنسان أن يفسّرها تفسيرا عقلانيا يقضي بأن من يُطِل الجلوس على ضفة النهر يختطفه التمساح.. طبعًا لا توجد تماسيح في الريف المصري اليوم، لهذا لا يوجد تفسير.. وحيث لا يوجد تفسير تتكاثر الأساطير وتزدهر

جربت كل أنواع الهول لكني بدأت أملّ

المذءوب لن يقتل أكثر من عشرة في الهجمة الواحدة.. مصاص الدماء لا يقتل سوى رجلين.. قدرات المسوخ على إحداث الدمار محدودة جدًا.. رأيت ذات مرة فيلمًا من أفلام مصاصي الدماء، يقوم فيه دراكيولا بملاحقة فتاتين على مدى ساعتين.. إذن كم من الوقت يحتاج إليه لقتل مائة فتاة؟

لهذا بدأت أفكّر في نوع آخر من الرعب.. هناك كائنات لديها القدرة على إحداث كمّ أكبر من الموت والدمار. ذلك الطيار الذي ألقى القنبلة الذرية على هيروشيما قتل 150 ألف بشري.. يمكنك أن تقتل نصف مليون مواطن بريء بحرب أهلية أو بيولوجية.. المجاعات تفتك بأعداد هائلة

يجب على الرعب أن يتطور
لن يظل الشيطان بلحية تيس وحوافر للأبد

****************

ناهد الصحفية الشابة التي تسكن في الهرم عانت مشقة بالغة كي تصل لمكتب د. مختار في هذا اليوم.. الحرّ قائظ والزحام شديد والناس وقحون

كان الموعد في الحادية عشرة صباحًا، لكنها اضطرت للاتصال كي تؤجّله قليلاً.. كانت السكرتيرة "الأليطة" الخنفاء غضبى ولم يرُقْ لها الأمر، حتى اضطرت ناهد إلى أن تصيح:ـ
ـ"هل خرجت للشوارع يا حبيبتي؟"ـ

اضطرت ناهد للاتصال كي تؤجّل موعدها قليلا ـ (رسوم: فواز) ـ

ثم وضعت السماعة وأشارت إلى أول ميكروباص

هنا مشكلة أخرى هي التحرش، فالحقيقة أن ناهد جميلة فعلاً، وتجذب الأوغاد كأنهم الذباب، لا يمكنها أن تمشي في مكان ما من دون مضايقات... هكذا تحمّلت بصعوبة الرحلة الشاقة إلى مكتب د. مختار

ثم المرور على الأمن وتفتيش حقيبتها
كانت تعرف أن الرجل مكروه وأن كثيرين لا يطيقونه، لهذا هو يخشى جدًا محاولة اغتيال، لقد استطاع أن يتحايل على القانون بقوة لكنه بلا شك مدان.. بلا شك قاتل

فقط عليها أن تخفي ما تفكر فيه
عندما أدخلوها إلى ذلك المكتب المكيف جلست ترتب أفكارها
كانت النظرية توشك على الاختمار في رأسها.. المشكلة أولاً أنها -النظرية- خيالية جدًا.. ثانيا إثباتها مستحيل

لاحظت ناهد أن هناك عددا من الأشخاص في مصر تسبب كل منهم في مقتل العشرات.. ربما المئات مؤخرًا. كل رجل شارع يعرف ذلك.. المشكلة أن بعض هؤلاء القوم ظهروا فجأة في المجتمع.. جاءوا من حيث لا يعرف أحد.. كل محاولة لمعرفة متى بدءوا تفشل.. لا يمكن أن تقابل من يعرف قريتهم أو مدرستهم أو الكلية التي تخرجوا فيها، فجأة هم في الحياة العامة.. فجأة هم وزراء أو مسئولون.. وقراراتهم كارثية

د. مختار ظهر فجأة منذ أعوام.. حاولت جاهدة أن تجد خيطا.. قيل إنه كان في الولايات المتحدة طيلة حياته، وهي لا تعرف جهة تراسلها هناك

هناك مصطفى عبد الباري رجل الأعمال الشهير.. هناك محمود شرف الوزير السابق
القائمة تتسع لخمسة أسماء

من أين جاء هؤلاء؟

متى ظهروا؟

لو تركت المجال لخيالها لقالت إنهم جاءوا من الجحيم.. من فجوة شيطانية ما
ضحكت للفكرة وهي ترشف رشفة من عصير الليمون الممتاز الذي جلبوه لها.. بااااارد.. هذا أهم شيء في هذا الجو

انفتح الباب ودخل د. مختار.. قبل قدومه تهب رائحة عطرية شديدة الفخامة توشك على أن تدوخك، وكانت هي غارقة في الغبار والعرق حتى شعرت بخجل من نفسها

أنيق جدا.. له ذلك الشعر الشبيه بسلوك الفضة، الذي يميز كل رجل مهم عرفته في حياتها. برغم هذا كله كانت هناك لمسة مخيفة معينة تحيط به.. ما السبب؟

قال لها بطريقة متبسطة:ـ
ـ"أنت ناهد وأنا مختار.. اجلسي"ـ

ثم جلس على الأريكة أمامها وأشعل سيجارا عطر الرائحة ووضع ساقا على ساق

جلس د. مختار أمامها وأشعل سيجارًا ـ (رسوم: فواز) ـ

مدت يدها الراجفة لتخرج جهاز الكاسيت

ـ"هل هناك أسئلة ممنوعة؟"ـ
ـ"لا شيء.."ـ

لكنها كانت تعرف أنه سينفجر فيها غضبا لو دخلت في موضوع الأمصال والثاليدومايد.. يجب أن تكون حذرة

قالت في كياسة:ـ
ـ"د. مختار.. أنت تعرف أن الشارع كله يتكلم عن أنك كنت وزير الصحة وسمحت بدخول عقار ثاليدومايد الذي كفّ العالم عن استعماله، وهذا العقار آذى أطفالا كثيرين .. بعد هذا مشكلة اللقاحات التالفة التي يقال إنها أدت لموت 300 طفل آخر.. هذه الأرقام لا نسمعها إلا في مصر؛ حيث يقال إنه لا سعر للحياة البشرية"ـ

توملل دجملا.. لوهلل دجملا

توملل دجملا.. لوهلل دجملا

قال مختار وهو ينفث سحابة دخان كثيفة:ـ
ـ"هؤلاء القوم يمزحون.. أنا لست هتلر لأقتل كل هذه الأعداد.. معنى هذا أنني الموت يمشي على قدمين.. هناك صلاة هندوسية تقول: أنا أصبحت الموت.. مدمر العالم"ـ

ـ"بالفعل يقولون هذا"ـ

كانت تفكّر بلا توقف.. السفينة الغارقة التي يملكها محمود شرف، والتي أدت لمصرع ألف شخص.. قيل إنه لم تتم أي صيانة لها منذ أعوام. وماذا عن مشتقات الدم الفاسدة التي استوردها مصطفى عبد الباري؟

كل هذه الأعداد من الموتى.. وفي كل مرة تبحث عن جذور المسئول فتجد أنه كان في الخارج، أو أن أحدًا لا يعرف بدايته

لم يعد مختار يحتلّ منصبًا مهمًا اليوم.. لكنه موجود.. وهناك غاضبون كثيرون يتمنون تحطيم رأسه.. هو يعرف هذا

قالت له بحذر:ـ
ـ"أين كنت تقيم في الولايات المتحدة؟ وما هي شهاداتك؟"ـ

نظر لها نظرة نارية، واشتعلت عيناه غيظًا:ـ
ـ"لو كنت قد جئت لامتحاني أو التأكد من أنني لست نصابًا فأنا أعتذر عن استكمال الحوار.. أنا كنت وزير صحة وأقسمت اليمين، لكن واضح أن التبسط يجلب الذباب.. سؤال آخر كهذا وسوف أنهي الحوار"ـ

ابتلعت الإهانة وقلبت أوراقها، ثم عادت تسأل:ـ
ـ"ماذا عن عقار الثاليدوميد؟"ـ

ـ"هذا العقار قد عاد يُستخدم في العالم كله.. من يرفضونه جهلة ببساطة"ـ

المرء يتحمّل الكثير.. منذ فترة كان من المستحيل أن يتحمّل محادثة كهذه

ـ"أنا ساحال.. هبني الهول يا سيد الصيرورة"ـ

توملل دجملا.. لوهلل دجملا

توملل دجملا.. لوهلل دجملا

.......

يُتبَع