قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, September 17, 2012

للمرة الألف



طبعًا كما هى عادة مقالى الذى يكتب يوم الخميس وينشر يوم الاثنين، نشر مقال يوم الاثنين الماضى، الذى أتكلم فيه عن أكشاك شارع النبى دانيال التى تمت إزالتها، بينما موضوع الفيلم المسىء للإسلام هو حديث الساعة. حدث هذا مرارًا من قبل، وكانت أسوأ تلك المرات عندما كنت أتكلم عن الناشطة التى ظهرت عارية على «فيسبوك». نشر المقال بينما أحداث محمد محمود فى ذروتها! لهذا أرجو أن تسامحنى لو نشر المقال الحالى بعد ما ألقت أمريكا قنبلة ذرية على إيران، أو قام حلف الشمال الأطلنطى بالإنزال فى تونس مثلًا

على فكرة أكتب هذا المقال يوم السبت، ومنذ ساعتين أطلق عدد من البلطجية من طراز (ثلاثة على موتوسيكل – بانجو – آثار مطواة – شبشب بصباع) الرصاص على أمين شرطة استوقفهم فى كمين طالبًا الرخص، ومنذ قليل عرفت أنه استشهد متأثرًا بجراحه. حدث هذا فى شارع البحر أهم شوارع طنطا. كلام كثير يجب أن يقال عن رجل لن يعود إلى أولاده هذه الليلة، لأنه أدى واجبه ببسالة.. للأسف تصرف كهذا قد يدفع الشرطة لمزيد من السلبية أو مزيد من الشراسة. فليرحم الله هذا الرجل الشجاع ويرحمنا

طبعًا تكلم الجميع عن الفيلم المسىء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن المظاهرات، وحالة انفجار المشاعر التى تجتاح عدة عواصم عربية. سأحاول أن أجد موطئ قدم أقف فيه ولحظة صمت أتكلم فيها.. ولربما أجد شيئًا لم يقله الجميع بعد:ـ

للمرة الألف يتكرر سيناريو إهانة الإسلام هذا، ولعلنا لم ننس الرسوم الدنماركية المسيئة والفيلم المصرى الذى عُرض بالأسكندرية.. إلخ.. وفى كل مرة يحدث الانفجار. صارت هذه لعبة مسلية يجيدونها.. ولعلهم ينتظرون ثورتنا فى كل مرة، كما يحب الطفل المزعج أن يبصق عليك ليرى كيف تنفعل.. وكالعادة ليست لديهم سوى أساليب محدودة محفوظة.. يبدو أن طرق مهاجمة الإسلام صارت مكررة جدا وخالية من الابتكار. أعتقد أن علينا أن نتعلم التجاهل والترفع عن هذه السخافات. يمكننا اللجوء إلى التقاضى والحلول القانونية بكل ما أوتينا من قوة، لكن ردود الأفعال العنيفة الأخرى لا تؤتى ثمارها، وعلى الأرجح هى ما يريدونه منا بالضبط، إما من أجل التسلية وإما من أجل أهداف أكبر. أحمق مثل موريس صادق سوف يفعلها على سبيل الحقد الأعمى، لكن هناك من هو أذكى منه وأخطر. أنا مؤمن أن تجاهل السفهاء يقتلهم قتلًا

فى كل مرة يزعمون أنها حرية التعبير.. لا أحد يستطيع تقنين حرية التعبير. أذكِّرهم فقط بما حدث لميل جيبسون الذى جرؤ على أن يلمح أن اليهود لهم دور فى صلب المسيح، وماذا عن فيلم «يسوع المسيح نجم علوى» الذى علقوا له المشانق عندما عرض، لأنه أظهر الحاخامات مثل الغربان الشريرة السوداء؟ حرية تعبير صحيح، لكن إياك أن تقترب من اليهود بأى شكل وإلا أنت إنسان ميت

والحقيقة أننى لا أصدق أن أحمق مثل موريس صادق الذى يعانى درجة معينة من الخبل، يمكن أن يكتب جملة واحدة خالية من الأخطاء. ورغم هذا يزعم أنه كتب ذلك الفيلم.. ولا أصدق أنه قادر على تمويل شىء كهذا. الرجل يكره الإسلام والمسلمين بجنون وبحقد.. هذه هى موهبته الوحيدة، ومن الواضح أن الغرب يستغلها جيدًا.. فى ما عدا هذا هو نصف مخبول وذمته المالية كالغربال بشهادة أقباط المهجر أنفسهم

وهذا يذكرنا بتوقيت الأحداث العجيب مع ذكرى 11 سبتمبر ولعبة (ديمقراطى / جمهورى) الأمريكية الشهيرة. بالتأكيد هى ضربة قوية لأوباما والديمقراطيين، فمن وراءها؟

هل تم تدبير عملية معقدة مثل مهاجمة السفارة الأمريكية واغتيال السفير بهذه السرعة وبمجرد ظهور الفيلم على «يوتيوب»، وتحت تأثير انفعالات الغضب؟.. لا أصدق. على الأرجح هذه الخطة موضوعة من زمن وتم تفعيلها

المتظاهرون فى الشوارع والذين رأيناهم على شاشة «الجزيرة» و«سى إن إن» و«بى بى سى» والقنوات العربية.. كم لحية عددت فيهم؟ لا يبدو هؤلاء كإسلاميين بتاتًا. إن لهم نفس وجوه البلطجية التى رأيناها فى مناسبات سابقة عديدة. أما عن التلويح بأعلام القاعدة السوداء فى قلب القاهرة فهو سلوك أحمق أو مدبر. كأن المتظاهرين يحاولون جاهدين أن يثبتوا للغرب أنه محق فى مخاوفه ومقته للإسلام. لا أقصد أن المظاهرات مدبرة بالكامل، فالبعض قد خرج بسبب غيرة صادقة على دينه، لكن أعتقد أن الغيرة الدينية لم تكن السبب الوحيد. هناك كمين سقط كثيرون فيه

تذكرت حلقة من برنامج لأحمد منصور فى «الجزيرة»، حيث كان يستضيف لواء مهمًا فى وزارة الداخلية يسأله عن سياسة الشرطة فى التعذيب، فانفجر اللواء غاضبًا وبشراسة، وهدد أحمد منصور بشكل خفى. أى أن الرجل كاد يفتك بمنصور، لأنه قال إن الداخلية شرسة! فى كل مرة يهاجمون الإسلام فى الخارج أو يقولون إنه دين متوحش أو غوغائى، نبدأ نحن الغوغائية والقتل لنثبت أن الإسلام يدعو إلى السلام! أى أننا نجاهد فى كل مرة لنثبت أننا نستحق التهمة التى أطلقوها علينا

وتأكيدنا أن الإسلام يدعو إلى السلام والحب لا يؤثر فى المستمع الغربى، لأنه يريد أفعالا وليس أقوالا. وقد افترض كثير منهم أننا نخادعهم ونخفى خناجرنا تحت عباءاتنا.. أهديناهم حرق العلم الأمريكى وقتل السفير فى ليبيا واقتحام السفارات والتحطيم والشغب. لو كنا أكثر حصافة لتمالكنا مشاعرنا ولجأنا إلى حلول قانونية. لو أن أحد شيوخ النفط أنشأ قناة دعوية ذكية تخاطب عقل الغربيين لحققنا الكثير بعد ما تركنا هوليوود لليهود يصنعون بها ما يشاؤون

التعصب لعبة مزدوجة يلعبها طرفان.. هم متعصبون وقِحون، لكن هل كنا نحن ملائكة طيلة الوقت؟ لدى فقرة من «يوتيوب» يوجه فيها الشيخ وجدى غنيم السباب إلى المسيحيين بشراسة وعنف وألفاظ لا يمكن نشرها هنا.. هذا الرجل مفعم بالعنف والمقت لكل شىء، ويخوض حربًا ضد العالم كله، ولا أعرف السبب

هناك كائنات تقتات بالمذابح والكراهية وتريد أن ترى الحرائق فى كل مكان. عندنا وعندهم.. إنها نوع من البكتيريا يناسبها جدا جو الحرب الدينية لتزدهر. مشاهد حرق الكتب الدينية هى مشاهد فردوسية بالنسبة إليهم. إنها كراهية بدائية كالتى تراها فى خناقات الأزقة تتنكر فى شكل حماسة دينية لا أكثر

من الغريب أن هذا الحدث لبشاعته قرّب بين المعتدلين والمثقفين من الدينَيْن فعلا، وهذا يذكِّرنى بتفجير كنيسة القديسين الذى جعل الجميع يرى الهاوية التى ننحدر لها، وهذا أوجد تقاربًا قويا. للأسف -كما فى كل مرة- دعوات التعقل سوف يقرؤها العقلاء فعلا، أما من فى الشارع يقذفون الحجارة فلن يقرؤوا أى شىء. رأيت الفنان هانى رمزى يحيى كل مسلم أساء إليه ذلك الفيلم اللعين.. راق لى هذا الموقف كثيرًا من فنان ذكى ينتقى كلماته بعناية

هذا هو ما يمكن قوله فى مساحة المقال، وأتمنى أن يكون مناسبًا للنشر ولم تتخطه الأحداث عندما تقع عيناك عليه يوم الاثنين القادم