قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Thursday, August 28, 2014

فنّــان



طويلة هى رحلة الحب التى جمعتنى بخطوط مصطفى حسين الكاريكاتورية، تعود إلى أوائل السبعينيات مع أروع مطبوعات أطفال عرفتها مصر، وفى الفترة الذهبية لدار الهلال مع العظيمة نتيلة راشد (ماما لبنى أو مامانا). عندي ترجمة رشيقة لرواية (بلا عائلة) الشهيرة لهكتور مالو. رسمها فنان شاب اسمه مصطفى حسين. لم أنس الاسم قط لجمال الرسوم ورشاقتها، دعك من الدقة البالغة من فنان قرأ القصة حرفًا حرفًا، ويمكنك فهم القصة كاملة لو اكتفيت بمشاهدة رسومه، وقد قضيت ساعات طويلة فى طفولتى أحاول تقليد هذه الرسوم البارعة. بعد هذا ظهر ألبوم من نفس الدار اسمه (التنين الضاحك) – ما زال عندي على فكرة – فيه منافسة رسم مذهلة بين أسماء مثل التهامى وحلمى التونى ومصطفى حسين الذى احتفظ بقدم راسخة بين هؤلاء الجبابرة، وكل منهم يرسم قصة أطفال عالمية كما يراها. أذكر كذلك غلاف مجلة آخر ساعة الذى رسم عليه أفراد أسرة التحرير بشكل متميز ساخر، ومن بينهم رجل أبيض الشعر يقف بالقميص وربطة العنق يتثاءب.. هذا الرجل هو أحمد رجب الذى سيرتبط مصيره بالفنان لعدة عقود. رسم مصطفى حسين نفسه وهو يضع توقيعه فى ركن الصفحة. الشاب فارع الطول بالغ النحول الذى يتدلى شعره على كتفيه.

Friday, August 22, 2014

العمل المُدمِّر


فرانك ستوكتون Frank Stockton أديب أمريكي ذائع الصيت، اشتهر في القرن التاسع عشر وتُوفِّي عام ١٩٠٢، وله مجموعات من القصص القصيرة كلها فائق الإمتاع. من ضمن هذه القصص سوف تتذكَّر على الفور قصة «الفتاة أم النمر؟» وهي من القصص القصيرة النادرة ذات النهاية المفتوحة، والتي أثارت جنون القراء على مدى الأعوام وهم يحاولون تصوُّر نهايتها، وهي طراز من القصص يطلقون عليه Riddle أو «أحجية». ليس هذا موضوعنا على كل حال، وإن كان من المهم أن نعرضها في مقال آخر. ما نتكلم عنه اليوم هو قصة طريفة له عن كاتب يؤلِّف قصصًا قصيرة متوسطة المستوى ويرسلها للمجلات. بهذا يحقِّق دخلًا معقولًا له وزوجته، ويضمن أن يتناول عشاءه على الأقل كل ليلة. في ليلة سوداء يهبط عليه الإلهام، فيكتب قصة مؤثِّرة رائعة اسمها «المرحومة أخت زوجته». عندما قرأَتْها زوجتُه ظلت صامتة بعض الوقت، ثم انفجرت في بكاء حارٍّ. قالت له وهي تُفرِغ مخاط أنفها: «هذه أروع قصة قرأتُها في حياتي.»


كان هذا أفضل ما توقَّعه. هكذا وضع القصة في مظروف وأرسلها للمجلة التي ينشر فيها. صدر عدد المجلة التالي وفيه القصة، وهكذا لم يَعُدْ للقراء همٌّ سوى أن يرسلوا يُطرون القصة ويمتدحون ما فيها من عواطف حارة … انهالت الرسائل تصف كم أنها مؤثرة، وكم أن هذا الرجل عبقري، وقد اضطر رئيس التحرير اضطرارًا إلى أن يرفع مكافأة المؤلف عن القصة الواحدة.

Tuesday, August 19, 2014

بعد عام



كتبت منذ عام مقالاً اسمه (عزاء بالجملة) بعد ما حدث فى رابعة، ونشرته جريدة التحرير مشكورة. أذكرك بهذا المقطع منه:

«عزاء حار لضحايا مذبحة الأربعاء. قد تختلف حول 30 يونيو وهل هو ثورة أم انقلاب أم بين الاثنين – وأنا شخصيًا لم أعتبره انقلابًا قط بسبب الملايين التى خرجت ضد مرسى – لكنك لن تختلف أبدًا حول كون ما حدث يوم أربعاء الرماد مذبحة كاملة، ولو لم تعتبره كذلك فأنت حر.. فى زمن يتهمون فيه البرادعى بأنه خلية إخوانية فأنت حر. كان بوسع الداخلية أن تحاصر الاعتصام بإحكام ولا تسمح بدخول الطعام والماء والوقود.. فقط تسمح بخروج من يريد أن يخرج.. هذا ما كانت تنويه وهذا ما اقترحه العقلاء، وهو بالطبع غير ما حلم به الإعلاميون الفاشيون الذين تمنوا حدوث مذبحة كاملة. تقول إن الحصار حدث؟.. إذن كيف دخلت كل هذه البلدوزرات وشكائر الاسمنت والأبقار ومدن ملاهى الأطفال للاعتصام؟.. لماذا لم تحكم الداخلية الحصار أولاً ولمدة أسبوع واحد؟. قبل فض الاعتصام بيوم واحد طالبت نوارة نجم بألا يتم فضه بالقوة لأن الداخلية لا تجيد سوى إطلاق الرصاص وسوف تحدث مجزرة.. هذا ما حدث فعلاً. أعرف ثلاثة ممن ماتوا فى فض الاعتصام، وأدرك يقينًا أنهم لم يكونوا مسلحين، ومنهم الطبيب والمهندس والصيدلي. ومعنى هذا خطير. إذا كنت بالصدفة أعرف ثلاثة فلابد أن عدد القتلى الحقيقى يتجاوز بمراحل رقم 500 الذى أصدرته وزارة الصحة. على فكرة لم يستطع أقاربي استرداد جثة ابنهم إلا إذا قبلوا أن يُكتب أن سبب الوفاة (انتحار). بالتأكيد كان هناك سلاح.. لا يزعمن أحد أن الاعتصام كان سلميًا بالكامل، وهناك لدى كل طرف أفلام تثبت كلامه، وقد رأيت فى كليبات إسلاميين يحملون البنادق الآلية ويطلقون بشراسة، كما رأيت بلطجية يحشون مسدساتهم وهم يقفون جوار رجال الشرطة ثم ينطلقون للعمل، ورأيت رجال شرطة حليقى الوجوه مبتسمين يطلقون الرصاص فى مرح كأنها رحلة صيد بط. لكن هل كل من ماتوا كانوا مسلحين؟. كانت النار مشتعلة فى مكان واحد.. ما فعلته الداخلية هو أنها ركلت الشعلة فتناثر الفحم المشتعل فى أرجاء مصر. والعنف لا يولد إلا العنف. وأعتقد أنهم قدموا خدمة عظيمة للمتطرفين وتنظيم القاعدة.. كل من مات قد ترك ثلاثة يريدون الانتقام بأى ثمن».

Tuesday, August 12, 2014

خواطر كهربائية



تجاوز مسلسل انقطاع الكهرباء فى مدينتى طنطا حدود المعقول، ليصير مسرحية عبثية لا يمكن تصديقها. والغريب أنه شىء كالقدر أو الموت حيث لا أحد يعود ليحكى ما رآه.. لا يوجد من يرد عليك ولا من تسأله.. لا تفسيرات من أى نوع.. تبادل المواطنون تهنئة بعضهم بعودة الراجل الذى يقطع النور بالسلامة بعد إجازة العيد.

بلغت المعدلات سبع مرات يوميًا ومتوسط المرة ساعة أو ساعة ونصف. بلا مبالغة لم يعد هناك وقت كاف لشحن الكشافات الصينية التى صارت فى كل مكان، والبعض لا يجد فرصة لشحن الهاتف الجوال.

يوم الثلاثاء 5 أغسطس سوف يدخل موسوعة جنيس باعتباره ألعن يوم مرت به الكهرباء فى مصر منذ عقود.

Friday, August 8, 2014

مقال وربع


الكتابة عملية نفسية معقدة تتأرجح بين قمة الغرور وقاع انعدام الثقة بالنفس، ولا شك أن عددًا هائلًا من الكتَّاب هم من الشخصيات ثنائية القطبية Bipolar التي تمر بحالات رضًا عن النفس مذهلة، ثم حالات اكتئاب شديدة. سمعنا مرارًا عن الكاتب الذي يحرق كل أعماله ويوصي ألا يُطبع شيء مما كتبه بعد موته، ولحسن حظنا لا ينفِّذ خلصاؤه هذا. تُرى ما الخواطر التي جابت ذهن هيمنجواي وهو في ذروة مجده، عندما وضع فوهة البندقية في فِيه وضغط الزناد بإصبع قدمه؟! ما كان هيمنجواي شخصية هشَّة، بل كان الرجولة تمشي على قدمين، وحارب مرارًا، وبرغم هذا ندرك اليوم أنه كان يخفي قسطًا من الهشاشة وكراهية النفس


لا بد للكاتب أن يُعجَب بأعماله ويستمتع بها، وتُشعره كلماته بحالة من النشوة لا شك فيها. هذا منطقي وعادل … لو لم يُعجَب الكاتب بكتاباته فهو مخادع لنفسه والقراء؛ معناها أنه يبيع خبزًا فاسدًا وهو يعلم ذلك. قد نغفر لبائع الطعام الفاسد الذي يجهل أنه فاسد.

Tuesday, August 5, 2014

عصر الشجب الجميل



مشاهد القتل فى غزة تحطم الأعصاب فعلاً. فى بعض اللحظات يخيل للمرء أن هذا كله غير حقيقى وأنها لقطات أخذت من فيلم رعب معوي مبالغ فيه مثل (المنشار)، ثم تفطن إلى أن هذا هو الواقع المرير، وأن هذه الدماء ليست عصير طماطم. عملية إعدام جماعى كاملة فى خزاعة.. لقد أدخلوا المدنيين إلى دورة المياه وأعدموهم، والكاميرا تنتقل بين الجثث المتعفنة المتحللة حتى توشك الرائحة على الخروج من الشاشة. مجزرة فى رفح تزعم إسرائيل أنها بسبب خرق وقف إطلاق النار من حماس كأن الحقيقة يمكن تبينها وسط كل هذا الدخان.. مجزرة حى الشجاعية.. ترى بأم عينك كيف تنفجر سيارات الإسعاف وكيف يخرجون الرضع من تحت الأنقاض، ومن ينج منهم يمت بقنبلة تهوي فوق المستشفى. مندوب الأونروا يفقد تماسكه أمام الكاميرا وهو يصف المجزرة التى حدثت فى مدرسة أطفال.. من ثم يبكى كطفل هو نفسه.

إسرائيل تخرق النسبة المعتادة فى حروبها: 20 عربيًا مقابل كل جندى إسرائيلى. كل هذا يدور على حدودنا، وكما قلنا فإن الذئب المسعور يعض ويمزق واللعاب يتطاير من شدقيه.. سوف يحدث الكثير جدًا من الدمار والخراب قبل أن يدرك أنه لا جدوى، وأن الحروب غير المتوازية لا يمكن الفوز فيها أبدًا.