قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Thursday, September 11, 2014

ثلاثة مقالات قصيرة



  1. الشاعر: حتى هذه اللحظة لا أعرف هل أعتذر أم لا عن نعي قصير كتبته منذ أسابيع للشاعر العراقى العظيم أحمد مطر طريد الأنظمة كلها، وفارس الكلمة الذى لم يتحمله أى بلد عربى. الخبر كما جاء وقتها (17 يوليو) فى موقع مصر العربية هو: «توفى الشاعر العراقى أحمد مطر، مساء أمس الأربعاء، عن عمر يناهز الستين عامًا فى مسكنه بالعاصمة البريطانية لندن». أما جريدة البديل وجريدة الدستور فقالتا بالحرف: «توفي قبل قليل بلندن الشاعر العراقى أحمد مطر عن عمر يناهز الستين عامًا». وكتب د. خالد منتصر ثلاث مقالات بعنوان (أحمد مطر: قصيدة لم تكتمل) عن رحيل هذا الشاعر العظيم فى جريدة الوطن. الشاعر أحمد سويلم نعى الشاعر الكبير فى جريدة الدستور. فعل هذا أيضًا الشاعر أمين حداد وعمرو قطامش. وفاة شاعر بهذا الحجم لا يمكن أن تمر دون تعليق، لكننا وجدنا تكذيبًا للخبر بعد هذا بأيام، و قيل إن أفراد أسرة مطر اتصلوا به فى لندن فوجدوه فى خير حال. لا أشعر بالذنب، فما كان لى أن أعرف الحقيقة، والرجل ليس صديقًا شخصيًا أو قريبًا لى ولا أملك وسيلة للاتصال معه، وهو ينأى بنفسه عن وسائل الإعلام عامة. إنما اللوم كله يجب أن ينهال على من اختلق هذه الشائعة لأغراض سياسية وطائفية واضحة، وقاعدة الكمبيوتر لا تفشل أبدًا GIGO أى (أعط الهراء للكمبيوتر.. تحصل على هراء). أعطنى أخبارًا ضبابية مغلوطة ولسوف أقدم لك مقالات غبية. أحمد مطر معنى مهم فى حياة كل شاب، وأحسب شعبيته فى مصر أكبر من أى بلد عربى آخر، لذا ندعو له بطول العمر وغزارة الإنتاج.... لو كان خبر أنه حى صادقًا!.

  2. المناضل: كان هذا الأسبوع عيدًا للطغاة والفاسدين والمنافقين لأن المشاغب (أبو العز الحريري) قد تُوفى إلى رحمة الله. هذا نموذج مشرق لليسارى المناضل الذى لم يجبن أو ينافق أو يتنازل طيلة حياته. كنت فى مراهقتى لا أفهم حرفًا فى السياسة –وما زلت – لكن ظل هذا الاسم مقترنًا لدى بالشجاعة والمشاغبة فى عصر السادات، وهو التجسيد الحق للبرلمانى المتعب المزعج الذى لا يكف عن تفجير القضايا والاستجوابات. كان هناك فريق جرئ معارض للسادات فى برلمان 1976، يتكون من الحريري وممتاز نصار ومحمود القاضى. وهذا الفريق هو الذى جعل السادات يحل البرلمان كله ليأتى بفريق من المصفقين المهللين الموافقين، وبالطبع تم اعتقال الحريرى فى سبتمبر الشهير 1981. عام 2000 عاد للبرلمان ليجعل الحياة جحيمًا على حيتان الحزب الوطنى الفاسدين، ويكشف الكثير عن لجنة السياسات وحديد الدخيلة.. إلخ. وقد استمر فى معارضته الشجاعة للمجلس العسكرى ثم الإخوان، حتى أنه تلقى علقة موجعة هو وزوجته.. وكلنا نذكر صورته وقد تورمت عينه وتمزقت ثيابه الداخلية وتلوثت بالدم، وبعد رحيل الإخوان ظل يعارض الحكومة الحالية التى رأى أنها أقل مما يستحق المصريون بعد ثورة كبيرة كثورة يناير. ظللت لفترة طويلة أتلقى بالبريد الإلكتروني خطاباته –التي يرسلها ابنه لقائمة طويلة– وفى كل رسالة كان يثير قضية مهمة، أو يقدم تصورًا لحل مشكلة من مشاكلنا المزمنة، وأشهد أن الرجل كان يملك ذخيرة هائلة من الأفكار العملية التى لم يستفد منها أحد كالعادة. ربما أنشر بعض هذه الخطابات المهمة فى مقالات تالية بعد استئذان ابنه. ليرحم الله الحريري، فقد كان مناضلاً من طراز نادر.
  3. عدونا اللدود: عزاء حار للضحايا الأبرياء الذين فقدناهم فى حادث تدافع أهالى الطلبة المستجدين أمام بوابات معهد ضباط الصف بالتل الكبير. فى مصر فقط يمكن أن يذهب الأب للتقديم لابنه فيعود ميتًا. نحن لا نحتاج لحروب ولا زلازل ولا أوبئة.. نحن نتكفل بكل شيء. هناك الكثير مما يقال عن واجب الحكومة فى تنظيم التزاحم ومنع التدافع، لكن الكثير من اللوم يجب أن يتجه نحو غوغائية الشخصية المصرية التى تكرر نفس السيناريو سواء تعلق الأمر بتقديم أوراق او دخول مصرف او افتتاح بوفيه أو قطع تذاكر سينما. دائمًا الذعر والتدافع والشعور أن فرصتك ستضيع للأبد. نحن من ألد أعداء أنفسنا. أنشر هنا تعليقًا لقارئ لا أعرف سوى أن اسمه محمد نور، كتبه فى أحد مواقع الإنترنت، وقد أعجبت به كثيرًا لأنه يلخص كل شيء بخفة دم وبلاغة. يقول القارئ: «يوم الأربعاء كان عندى مشوار فى البنك، نزلت بدرى عشان ألحقه قبل الزحمة و ناسى ان البنوك بتشتغل من 9:30 فى رمضان.. و أنا واقف أنا و 4 أشخاص تانيين قدام الباب من 9 إلا ربع، جه رجل خمسينى و فى ايده ورق أبيض صغير و قلم و بدأ يسأل الناس مين وصل الأول.. كل واحد قال ترتيبه و أنا كنت آخر واحد و ابتسمت و قلت له «رقم 5».. الرجل إدّى كل واحد مننا ورقة عليها الرقم و أخد لنفسه رقم 6.. و فضل واقف كل ما ييجى واحد يديلّه رقم جديد بالتسلسل. الرجل كان مواطن عادى مش موظف فى البنك.. و هو واقف قعد يقول «أصل أنا كل مرة آجى بدرى و أول ما يفتح الباب الناس تجرى وآخر واحد يدخل قبل أول واحد.. قلت أساعد فى ترتيب الدنيا بدل الغوغائية و يبقى كل واحد عارف ترتيبه»..

    «الناس كانت بتقف ورا بعض بترتيب و هدوء و تاخد منه رقم مكتوب.. محدش كان متضايق و لا حد قال له و انت مالك و العدد بدأ يزيد لحد 9:30 و البنك فتح بابه الحديد.. فى لحظة كل اللى معهم ورق بالرقم (من بتوع الرجل) جرى ناحية الباب و أخد رقم مسلسل من على البوابة الالكترونية وقت الدخول.»

    «بصيت حواليّا لقيت الرجل واقف على جنب و بيهزّ راسه و فى عينيه خليط غريب من الذهول و اليأس و السخط و السخرية.. دخلت من البوابة الالكترونية و هو دخل.. رقمى بقى 16 بدل 5، و هو كان 18 تقريبا بدل 6.. و أنا قاعد ع الكرسى مستنى دورى ضحكت لا إراديًا.. لو فى أى حاجة تلخص مصر فى العصر الحديث و فى آخر سنة هتكون القصة دى.. و لو فى حاجة تتحط فى العلم مكان النسر هيكون صورة عينين الرجل ده لحظة ما الناس جريت ع البوابة.. ذهول و يأس و سخرية و غضب -بعد لمحة ايجابية و أمل- فى مناخ من العشوائية و اللامبالاة و الاستعباط و التثبيت و الترييح على قد العقل!».