قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, March 16, 2015

عقدة الكومبارس



كنت أشاهد فيلم (فيفا زالاطا) مؤخرًا، وهو ذلك الفيلم الهزلي الذي يقلد أفلام الغرب الأمريكي. أعترف أنني أحب هذا الفيلم وأستمتع به برغم خوائه من أي فكرة، وأعتقد أن صانعيه يتمتعون بروح دعابة قوية، وقرأوا الكثير من قصص لاكي لوك الفرنسية المصورة، كما أن لهم فضل محاولة التجديد في جسد السينما المصرية الخامل. لكنهم لم يهتموا بالسيناريو بتاتًا وتركوا لأبطال الفيلم عباقرة الكوميديا من وزن فؤاد المهندس وسمير غانم أن ينقذوا الموقف، وهو ما لم يحدث في أكثر الأحيان.الديكورات والملابس لا بأس بها بتاتًا وقد نال عنها مهندس الديكور نهاد بهجت عدة جوائز. 

ليست هذه قضيتنا على كل حال. ما أتحدث عنه هو أنه أثناء بعض أغاني الفيلم ترى فتيات الكومبارس الواقفات في الخلفية، ومن الواضح أنهن مرهقات فقيرات يؤدين هذا العمل من أجل لقمة العيش. ترى بينهن فتاة تظهر حماسًا زائدًا، وتغني كل شيء حتى المقاطع الأصلية التي يغنيها البطل حيث يكون عليها أن تصمت. لم يلحظ أحد هذه الفتاة أو لاحظوا وقرروا أن يتجاهلوا الأمر. الوقت ضيق ولا يمكن أن يعيدوا اللقطة. النتيجة هي أن هذه الفتاة خطفت عيون كل من يشاهد الأغاني. سرقة الكاميرا شيء معروف، لهذا يوصون الممثلين أن يبقوا ساكنين فلا تتحرك إلا الشخصية التي يجب أن يتركز عليها الاهتمام.

ترى أين هي هذه الفتاة الآن؟ لابد أن اسمها عواطف. جاءت من عابدين. تزوجت شابًا في الحي يغار عليها جدا وأرغمها على أن تترك عملها ككومبارس، وهي اليوم بدينة كأفراس النهر وأم لثلاثة أطفال. هذا هو السيناريو الجيد، والسيناريو الآخر السيئ هو أن يكون منتج من إياهم قد رآها بوضوح في تلك اللقطة وقرر أنها صالحة لمتعة آثمة عابرة. وهكذا انتهى بها الأمر في كباريه في شارع الهرم ثم إلى الشارع والسيارات المارة.

يحكي هشام النحاس في كتاب (يوميات فيلم) عن تصوير فيلم (القاهرة 30) للمبدع صلاح أبوسيف. يقول إن صلاح أبوسيف قد أوشك على الجنون من هؤلاء الكومبارس ومحاولتهم إظهار موهبتهم في التمثيل، أو إظهار أنهم جادون في تنفيذ تعليمات المخرج. هناك مشهد في الحفل الصاخب الذي يحضره حمدي أحمد. يصطدم به ضيف من الحفل ويواصل سيره. لكن ما يحدث هو أن الكومبارس يضرب حمدي أحمد بحماس ثم يواصل المشي وقد ظل كتفه منحدرًا لم يعد لمكانه!

هناك لقطة أخرى يحاول فيها حمدي أحمد الصعود للحافلة في الزحام. هنا يحيط به الكومبارس محاولين الصعود بدورهم. فوجئ صلاح أبوسيف بأحد الكومبارس المتحمسين يحمل حمدي أحمد حملاً بين ذراعيه.

في أحد المشاهد يمر حمدي أمام كبابجي فيتوقف ليراقبه ويزدرد ريقه جوعًا، قبل أن يردد قولته الشهيرة: "طظ". كانت هناك مشكلة البحث عن كبابجي، فأعلن أحد الكومبارس أنه صبي كبابجي. هكذا ألبسوه الثياب وأوقفوه أمام الفحم. هنا تبين للجميع أنه عاجز تمامًا عن التصرف بشكل طبيعي.راح يبدي حماسًا زائدا كالعادة وفشل تمامًا في أن يبدو ككبابجي حقيقي، وكانت النتيجة هي أن مساعد المخرج وقتها (أحمد فؤاد) ارتدى الجلباب ووقف ليؤدي الدور كأفضل ما يكون.

عندما أرى الأفلام القديمة يتمزق قلبي عندما أرى حماس هؤلاء الكومبارس ومحاولتهم إظهار أن لديهم مواهب أكبر مما أسند لهم. النتيجة هي أن أداءهم يصير في منتهى السوء. لاحظ في أي فيلم يظهر فيه البطل أو البطلة في مقدمة الكادر. سوف ترى في الخلفية واحدًا من الكومبارس يبدي حماسًا زائدًا أو يحاول سرقة الكاميرا، شاعرًا أن لديه موهبة أكبر بكثير مما يظن هؤلاء الحمقى. عبر تاريخ السينما لم نسمع عن كومبارس اكتشفه مخرج وعرف أن لديه ما هو أكثر، سمير صبري لم يكن كومبارس لكنه ظهر بالصدفة في الخلفية في فيلم (حكاية حب) مبديًا حماسًا زائدًا أثناء أغنية عبدالحليم حافظ (بأحلم بيك) أمام آمال فهمي في برنامج على الناصية، وكانت النتيجة هي أن دخل سمير صبري عالم النجومية. هناك كومبارس شقراء ترقص حول أحمد زكي في أغنية (قزقز كابوريا) وهي التي صارت فيما بعد النجمة العالمية الاسترالية كيت بلانشيت بطلة سيد الخواتم ومستر ريبلي الموهوب و. و!.