قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, April 6, 2015

عوالم موازية



فكرة العوالم الموازية مألوفة فى قصص الخيال العلمى، حيث هناك آلاف المجرات حولها ملايين الشموس، وحول كل شمس هناك كواكب تدور.. لا شك أن بعض هذه الكواكب مر بنفس ظروف الأرض ومناخها، وبهذا حدث له ما حدث على كوكب الأرض.. تقريبا!!.. لهذا سوف تجد كوكبا فيه مصلح اجتماعى عظيم أسمه أدولف هتلر.. وسوف تجد كوكبا به سفاح أطفال اسمه غاندى، وسوف تجد كوكبا تطالب فيه الولايات المتحدة بحمايتها من الأساطيل العربية التى تتقدم نحو شواطئها، خاصة أنه لا مقارنة بين تسليح وتكنولوجيا هذه الأساطيل العربية وقدرات دولة ضعيفة مثل الولايات المتحدة.

فى عالمنا العربى أشعر أحيانا أننا انتقلنا لعالم مواز آخر حيث تقع نفس الأحداث مع اختلافات بسيطة.. لكن كل شىء يتكرر فى النهاية كأنها مصيدة زمنية لا يمكن الخروج منها..

فى أوائل التسعينيات من القرن الماضى رأينا كيف زحف صدام حسين ليحتل الكويت ويغير جوازات سفرها ولوحات السيارات فيها، وامتلأت مصر باللاجئين الكويتيين الفارين من الموت.. وسوف أذكر دائما أغنية (القاتل والضحية يا محمد مسلمين) تتردد فيبكى الجميع. كان الأمر واضحا.. هذه ليست أرضك وهذا ليس بلدك فلترحل من فضلك، لكن الرجل -صدام- كان يتكلم بصلف وعناد وغرور مؤكدا أن علينا أن ننسى الأمر ونعتبر الكويت محافظة عراقية. كان من الواضح أن الهول يحتشد وأن الضربة ستكون مخيفة لكن أوهام القوة جعلت الرجل يضع وطنا كاملا فى عجلة الحظ، ويغرقه فى بحر من قوافى شعر الحماسة العربى حيث السيوف المهندة والنقع والوغى، بينما بوش وثاتشر يعيشان أسعد أيام حياتيهما بسبب ذريعة التدخل التى نالاها.. وكان هذا شرخا عميقا فى العالم العربى المتصدع أصلا... هناك دول باركت عاصفة الصحراء ودول كانت ضدها بالكامل.

حدث الخلاف بينى وبين صديق تونسى وصف مشاركة مصر فى عاصفة الصحراء بأنها خيانة.. واتهم الجيش المصرى بأنه جيش مرتزقة باع نفسه بالمال، وأن الحكومة المصرية أرسلت خمسة آلاف فتاة لاستمتاع القوات الأمريكية، وهى مقولة تجمع بين الحقد والغباء أدت لإنهاء صداقتنا للأبد. وفيما بعد قيل نفس الكلام فى مصر عن بلد عربى ساند حملة صدام على الكويت.. السؤال هنا هو: ما الحل؟.. وكيف كان أهل الكويت سيعودون لوطنهم؟. لم تكن هناك قوات دفاع عربى مشتركة قادرة على مقاومة الجيش العراقى على كل حال، وكان البديل الوحيد هو أن تذوب الكويت فى العراق للأبد. أما عن قدم أمريكا التى غاصت فى الجزيرة العربية فقد كان صدام المسؤول الأول عنها، واستمر يدفع الثمن حتى فقد بلده وجيشه القوى وولديه وحياته.

فى ذلك الوقت انقسم العالم العربى إلى مؤيدين لعاصفة الصحراء ومعارضين يعتبرون الأولين خونة.

تمر الأعوام ونعيش ذات الأجواء من جديد.. الحوثيون الذين ملئوا قنوات الفضائيات صلفا وغرورا وعنادا.. ها هم أولاء يوشكون على ابتلاع اليمن بالكامل. كان البديل هو تركهم يفعلون هذا لأن هذه ليست حربنا. فى كل القنوات وفى كل أعمدة الصحف أقرأ من يصفون عاصفة الحزم بأنها غلطة قاتلة تمزق جسد الأمة العربية وتؤدى لاقتتال عربى عربى. هذا صحيح لكن ما البديل؟ لا توجد موائد حوار لأن الحوثيين جلسوا عليها مرارا وقلبوها بصلف القوة، وهم فى هذا يلعبون نفس دور صدام فى الكويت. وفى النهاية يظل المسؤول الأول هو من بدأ الأزمة... صاحب الفعل وليس صاحب رد الفعل. على الأقل يتم الرد هذه المرة بقوات عربية مشتركة، وهو المطلب الرئيس لمعارضى عاصفة الصحراء فى التسعينيات: «لماذا لا تتصدى لصدام قوات دفاع عربية؟». من جديد تشارك مصر فى العمليات ومن جديد يتهمونها بعشرات الاتهامات. كأننا انتقلنا إلى عالم مواز يكرر نفس ما حدث فى حرب الخليج الأولى.

لو رجعنا للوراء أكثر لوجدنا عالما موازيا آخر تحارب فيه القوات المصرية فى اليمن ضد حكم الإمام، وفى تلك المرة كانت السعودية ضد مصر وتمول القبائل.. وما زال خصوم عبد الناصر يعتبرون تلك مغامرة حمقاء أدت مباشرة لهزيمة 1967، بينما يعتبرها مؤيدوه حربا ضرورية لإدخال اليمن فى القرن العشرين.. بالنسبة لى لا أجد أن المبرر الأخلاقى لتلك الحرب كان كافيا..

فى عالم مواز آخر تكتسب مصر نفس الغطاء الناصرى القديم، ومن جديد يتكلمون عن الصديق الروسى -الذى كان سوفيتيا- وعن تحدى الولايات المتحدة. إلخ.. لكن الزمن قد تغير وكل شيء قد اختلف.

فى عالم مواز تكرر أثيوبيا ما كانت مصر تفعله فى القرن العشرين: الحاجة لإنشاء سد على مجرى النيل وامتناع المجتمع الدولى عن التمويل، ثم الإصرار والعناد وسرعة الإنجاز.. حتى لأوشك على أن أسمع الأثيوبيين يغنون: «قلنا حنبنى وآدى احنا بنينا سد النهضة». كأن مصر صارت الولايات المتحدة فجأة وهى (البنك اللى بيساعد ويدى)، لكن مع فارق جوهرى هو أن سد أثيوبيا خطر داهم على مصر مهما قالوا، بينما السد العالى لم يشكل خطرا إلا على بعض قرى النوبة. لماذا كان سد أثيوبيا خطرا داهما فى وقت بعينه ثم صار مفيدا لمصر فجأة؟. يذكرنى الأمر ببلطجى يقطع عليك الطريق ويطلق السباب كل يوم، بينما أنت تؤكد كل يوم أنك ستذيقه الويل غدا، ثم تتجه نحوه لتصافحه فجأة مؤكدا أنه درع يحمى المنطقة وأن مصلحتكما مشتركة.. إلخ.. لا أعتقد أننى عشت أعواما أطول من اللازم، لكنى عشت ما يكفى حتى أرى كل شىء يتكرر من جديد، مع تغيير بسيط فى كل مرة. ربما لو عشت أكثر لسمعت من يعد العرب المشتتين الممزقين بوطن قومى فى جزر الماركيز