قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Wednesday, December 21, 2016

معرض الموت - 5 - الأخيرة


رسوم الفنان طارق عزام

هناك دائمًا نافذة قبو صالحة للاقتحام في هذه البيوت.  كل بيوتنا حصون مفتوحة لمن يريد الدخول، وقد استطاع أعضاء جماعة ريبيرث أن يدخلوا…

كان هذا قبوًا.. الثلج يتكاثف على زجاج النافذتين الصغيرتين، لكن واحدة منهما تهشمت. وعبر الزجاج المهشم تسلل الرجال واحدًا بعد الآخر.

الرائحة كانت غريبة.. عطنة. يمكن بسهولة أن تخمن وجود أجسام متحللة هنا. تبادل الرجال النظرات، ثم أدركوا أن هذه الأحواض جوار الجدار ليست أحواض سمك.

– «يا لموهول!»

موهول هو إله من آلهتهم. معنى الكلام هو (رباه!). وانطلق شعاع خافت من النور يتفحص الأحواض الزجاجية. كانت مليئة بسائل شفاف لعله الفورمالين، وفي السائل يسبح جسد.. لعله متحلل أو سليم.. لكنه ميت جدًا…

برغم أنهم رجال أشداء خلقوا ليثيروا الخوف، فإن أنفسهم طارت شعاعًا لهذا المشهد الغريب. هناك نحو ستة أجساد مغمورة، وهناك أكثر من دن ثقيل لابد أنه يحوي كيماويات التحنيط.

راح مارك يتفقد الوجوه، ثم تصلب أمام وعاء زجاجي وهتف:
- «هذا هو أخونا.. رادكليف هنا.. لقد صدقت الرؤيا».

تكأكأ الجميع ينظرون في احترام ورهبة إلى وجه أخيهم الأكبر الطافي وسط الفورمالين. يعرفون أن عليهم أن يحرروه ويلفوه في بطانية ويحملوه لمعبدهم..

- «ليس بعد..»

قالها مارك وهو يخرج مديته اللامعة، ويلوح بها:
- «الذي فعل هذا ودنس قبره سوف يدفع الثمن»

- «أجل..»

وهكذا خرج الرجال الغاضبون من القبو، يلقي ضوء الكشاف ظلال الغيب على الموجودات فتدب فيها روح خاصة.. خرجوا إلى قاعة ممتدة كأنها معرض. ونظرة منهم إلى الجدران جعلتهم يدركون أنها كلها صور فكتورية الطابع لأشخاص ينظرون للكاميرا، عندما كان اسمها (داجيريت).. ما هذا المكان؟ وما سر هذه الصور..

على باب الغرفة الأخرى كان هناك كلب مقتول.. كلب لبرادور جميل للأسف. لماذا يمتلك أحد الأشخاص كلبًا مقتولًا يسيل منه الدم مهما كان مخبولًا؟

دخلوا القاعة التالية التي تبدو كأنها غرفة جلوس.. مكتب من طراز عتيق ومدفأة.. ثم تصلبت عيونهم إذ رأوا – في ضوء لهب المدفأة – رجلًا يركض نحوهم طالبًا الغوث، وقد بدت عليه أفظع علامات الرعب.. كان رجلًا وسيمًا وعلى قدر من الرقي، لكن الهلع بدل ملامحه تبديلًا. لم يكن هذا هو الوجه الذي رأوه في الرؤيا.

صرخ وهو يترنح:
- «اهربوا! الشيطان يسكن هنا! إنه الشيطان!!»

لم ينتظر مايكل ليفهم، بل عاجل المهندس المذعور سيرل بطعنة نافذة في صدره، وسرعان ما انهالت عليه الطعنات من الغاضبين.  لم يعرفوا جرمه ولا سبب قتله، لكنه موجود هنا وكفى. وكما قال مايكل من قبل:
- «لو كان ضيفًا فهو حظه العاثر.. سنجده في الداخل، وليكتشفن أنه الشخص الخطأ في المكان الخطأ..»

هنا تصلبوا.. رفعوا رءوسهم فأدركوا حقيقة ما يتدلى من السقف.. كان هذا هو الوجه الذي رأوه في رؤياهم. ماكس برودسكي الذي يشبه الشيطان. كان يتدلى مشنوقًا من السقف، وهو ينظر للعالم بغباء من حوله…

من قتله ومتى؟

هنا خرجت من موضعي خلف المكتب ووقفت أمامهم..

عرفوا على الفور أنني لست كما أبدو.. تساقطت المدي من أيديهم وهم يتراجعون، بينما بدأت أتقدم منهم ببطء… قلت لهم:
- «لقد مات برودسكي، وورثت أنا كل هذا المتحف بما فيه من صور وما في القبو من جثث سرقها.. كان هو تجسد أنوبيس. ابن آوى.. حارس المقابر والمسئول عن التحنيط لدى الفراعنة، ظللت أجمع معلومات لكتابي عدة أعوام، إلى أن وجدت الرجل الذي أبحث عنه.. الرجل الذي قررت أن أكون بدلًا منه. عندما وجدته قتلته لأكون أنا التجسد الجديد…»

ثم رفعت يدي منذرًا:
- «والآن أيها الصبية.. غادروا المكان حالًا قبل أن ينفذ صبري!»

لم ينتظروا أوامري.. عندما رأوا وجهي وسمعوا صوتي، عرفوا أنني بحق قد نطقت.. أنا هو الموت نفسه.. سرعان ما ركضوا هاربين من حيث جاءوا وسمعت محرك السيارة…

***************

لم تعد جين تعيش معي في بيتي.. جين الرقيقة الحسناء أخذوها مني، ودفنوها تحت التراب.. القتلة!

قال لي دكتور (ستيف ) وهو يقلب صفحات ملفي:
- «هل سمعت عن دكتور كارل تانزلر؟»

- «طبعًا»

لم يهتم.. كان يريد أن يواصل الكلام:
- «كان ألماني المولد لكنه يعيش في فلوريدا، وكان يعشق زوجته الكوبية إيلينا ميلاجرو، فلما توفيت بالدرن تسلل لقبرها بعد شهرين، وسرق جثتها وعاد بها لبيته.. وعاش معها.. عندما سقط جلدها أصلحه، وعندما سقط شعرها صنع لها جُمّة منه.. وكان يسكب عليها العطور والمطهرات ليخفي رائحتها. ظل معها سبعة أعوام كاملة حتى انكشف أمره ودفنوها. أعتقد أنك تعيد نفس قصة تانزلر. أنت عشت هنا عدة أعوام تكلم جثة متحللة محنطة، وتكتب كتابًا غامضًا عن النكروفيليا وتزور أشخاصًا غامضين»

يريد إقناعي أن جين ميتة وأن كل كلامها معي كان وهمًا في ذهني.. يريد إقناعي أن كتاب النيكروفيليا وبرودسكي والمهندس وجماعة ريبيرث كلها خيالات صنعتها لنفسي، لأنني أعشق الموت.. ولأن حبي لزوجتي وفقدها قد جعلا أسلاك عقلي تحترق كلها..

هذا الرجل يهذي. يومًا ما سأخرج من هذه المصحة، وأعود لذلك البيت وسط الثلوج في فيرمونت.. سأجد أفراد جماعة ريبيرث وسوف يحكون لهم عن لحظة التحول التي رأوها جميعًا عندما صرت أنا أنوبيس…

يومًا ما سأجد جين من جديد، ولسوف تعيش معي للأبد…

سيرون… سيرون.

تمت