قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Saturday, December 31, 2016

عن الرنجة الحمراء

التحرير - 31 ديسمبر 2016

الرنجة الحمراء red herring من ألعاب المنطق المعروفة، حيث يتم إلقاء مقولة لا علاقة لها بالمناقشة؛ من ثم تغري الأطراف بمناقشتها والابتعاد عن الموضوع الأساسي. في القصة البوليسية تكون الرنجة الحمراء هي الشخص الذي ينثر حوله المؤلف علامات شك كثيرة ليضلل القارئ، وفي النهاية يتضح أنه لم يرتكب الجريمة. يرجع هذا المصطلح إلى ما كانوا يقولونه عن أن المتنافسين في مباريات صيد الثعالب كانوا يلقون برنجة نفاذة الرائحة في طريق كلاب الخصم، فتلاحقها وتنسى أمر الثعلب.

لا شك أن الشارع يغلي بالحنق لأسباب كثيرة. قوبل تعويم الجنيه ورفع سعر المحروقات بنوع غريب من الحزن والصدمة، خاصة وقد حسب الناس في البداية أن النظام لديه بعض الأوراق في كمه سيخرجها عند الحاجة. مع الوقت بدأ شعور الصدمة يزول ليحل مكانه خليط من الغضب والسخرية. وقد رأيت في الفترة السابقة أكثر من رجل بالغ يفقد تماسكه ويبكي لأنه صار عاجزًا عن إطعام اطفاله. وفي هذا المناخ يصير من انعدام الحكمة أن تضغط على أقدام الناس أكثر، كما فعلت أختنا آمال الخياط عندما شخطت في الناس لأنهم يشكون من الفقر ويطالبون بأكل ثلاث وجبات، مما جعل عيني الرئيس تدمعان. الكل شاهد هذا الكليب. شاهده هنا لو لم تكن قد فعلت. لم نكد ننسى غلطة (اقتصاد المغرب) للسيدة آمال حتى ظهرهذا الكليب. وفي نفس الوقت تقول الدكتورة غادة الشريف إن السيسي هو الرئيس الصحيح لشعب خطأ .. اقرأ المقال هنا يا حمادة. ثم تظهر وزيرة الهجرة نبيلة مكرم لتقول إن السياح الأجانب لا أهمية لهم، وإنها ستكتفي بالسياح المصريين. شاهد هذا التصريح هنا.

هكذا وسط هذا المناخ المضطرب المستفز، تحتاج الحكومة للكثير من الرنجة الحمراء، ولحديث يشعل مواقع التواصل الاجتماعي ويشغلها لفترة.

أول رنجة حمراء جاءت في وقتها؛ وهي مباراة الأهلي والزمالك التي لم يعد ثمة حديث للناس على المقاهي أو في الهاتف أو في مواقع التواصل إلا عنها. بالطبع – باعتباري غير كروي – كنت المصري الوحيد الذي لم يرها، وإن عرفت النتائج بعد ذلك. يمكنك رؤية الأهداف هنا لو كنت مثلي.


رنجة حمراء ثانية كنت أحب ألا تتورط فيها نقابة الأطباء، فهو جدل ليس هذا وقته بالتأكيد. هل تذكرتْ النقابة فجأة أن القانون يقضي بالحبس سنتين لمن يكتب دكتور كذا على لافتات الصيدليات. هذا كلام صحيح ودقيق، لكن هل هذا وقته؟ لدينا مشاكل ارتفاع أسعار الدواء واختفائه، ولدينا مشاكل خصخصة المستشفيات التكاملية لتنفض الدولة يدها من علاج الفقراء نهائيًا. وما دمنا نتمسك بالدقة لهذا الحد، فلماذا كل طبيب هو (دكتور) برغم أنه لم يحصل على دكتوراة؟ كان هذا مجرد حوار عابر في برنامج، لكن الإعلام ضخّمه ونفخ فيه ليصير قضية الساعة. هل ستطالب نقابة المهندسين بسجن كل من يطلق لقب (باشمهندس) على الكهربائي والسباك والميكانيكي؟


نقابة الأطباء حصن مهم، فعليها أن تأخذ الحذر من هذه المهاترات التي تستهلك طاقتها وتوغر عليها الصدور في وقت لا يسمح بهذا.

الرنجة الحمراء الثالثة هي – بامتياز – قضية ضبط مدير عام التوريدات والمشتريات بمجلس الدولة عقب تلقي رشوة. لن أذكر اسم المتهم طبعًا لكن كل الصحف ذكرته. يعرف الناس قائمة ما وجدوه في دار الرجل: 24 مليون جنيه مصرى، بالإضافة إلى 4 مليون دولار أمريكى و2 مليون يورو ومليون ريال سعودى، وكمية كبيرة من المشغولات الذهبية بخلاف العقارات والسيارات التى يملكها. هذا رجل يصلح خطيبًا ممتازًا لابنتك إذن.

المبالغ صادمة، خاصة مع شعور كل واحد أن مدخراته صارت الثلث، وأن إطعام أطفاله صار مستحيلاً.


كتب أحد المعلقين:


صدمتني الأرقام، ثم وجدت أن هناك اهتمامًا غير مسبوق بهذه القضية لدى الأخ الإعلامي الذي لا يهمه سوى تملق النظام وإثبات أنه رائع، وكذلك تلك الجريدة المعينة التي لا تنشر إلا أكاذيب، وهكذا بدأت أعتقد أن الأمر ليس كما يبدو لنا.. القصة أعقد من هذا بالتأكيد. تكلموا عن المبالغ المضبوطة ولم نعرف قط قيمة الرشوة ولا من الذي رشا. قيل إن المتهم كان يدير شركة صرافة مع أشقائه، وقد أغلقت فنقل العمل للبيت. لا نعرف الحقيقة..  وقد قرأت هذا التعليق فوجدت فيه قدرًا كبيرًا من المنطق.


كما قلت لك: لنا أن نتوقع الكثير من الرنجة الحمراء في هذه الأيام. على كل حال نحن نتحرك في ضباب كامل من انعدام الشفافية، لذا قد يكون كل شيء صحيحًا، وقد يكون كل شيء خطأ. أنت تحت رحمة الإعلام بالكامل.