Friday, May 18, 2012

ـ قصة أطفال بلا مناسبة! ـ


الحسناء اتخذت قرارها قبل أن تعود لدارها

أحبابي الصغار.. في كل قصة أطفال هناك غابة، وقصتنا اليوم لا تختلف كثيرًا على كل حال. كانت الشمس تتوسط عنان السماء في الساعات الأولى من النهار. الشمس موحية بالثقة التي اكتسبتها عبر خبرة الأعوام، لكنك جربتها كثيرًا فيما سبق واكتشفت أنها لا تمنح الدفء الذي تريده. إنها شيء متوهج أنيق لا أكثر

هناك نجم في السماء لكنه نجم خافت، وبالطبع لا يراه أحد على الإطلاق بسبب وهج الشمس

على صهوة حصان أبيض رشيق تخطر الحسناء السمراء بين أشجار الغابة. مع كل خطوة تتفتح أكمام الأزهار وتتناثر البراعم ويعمّ الخصب. مع كل خطوة يموت الموت وتلفظ الأفاعي أنفاسها. على صهوة حصان أصيل لم يخذلها قط، ولم يتخلّ عنها، لكنها تحمل قلقًا خفيًا من ناحيته.. تشعر بأن ولاءه الحقيقي ليس لها، وأنه في لحظة من اللحظات سوف يأتمر بأمر الآخرين، يأمرونه بالركض أو الخبب أو التمرد على راكبته. ربما تفضّل أن تترجل وأن تركب سيارة، لكن من تلك الفتاة التي تفضّل السيارة على حصان أبيض رشيق؟ حب الجياد لدى الفتيات راسخ، وهو جزء من تكوينهن.. دعك من أن السيارة من موديل لا نعرف عنه الكثير.. قد تتعطل محركاتها فجأة، أو يتصاعد البخار الحارق من المبرد في أي لحظة.. قد ينقطع سير الكاتينة وأنا لا أعرف ما هو سير الكاتينة ولا مكانه، لكنه ينقطع دائمًا

في كل قصة أطفال هناك شجرة.. لهذا كانت هناك شجرة في قصتنا.. شجرة صغيرة يانعة أوراقها ندية، وهي شجرة لم يسقها أحد من قبل ولم تعطها الشمس أي شيء.. تعلمت وحدها كيف تنمو وتحيا.. شجرة جميلة لكنها صغيرة جدًا ولم تثمر بعد. لم تتعلم كيف تغدو شجرة عتيقة راسخة كباقي الأشجار

هناك حطاب يحمل بلطة.. يبغي قطع الشجرة.. البلطة قد تصلح وقد لا تصلح لهذه المهمة، لكنه لا يستطيع أن يقطع الشجرة من دون سلم يتسلقه.. السلم مشكلة حقيقية؛ لأنه ثابت ولأنه يمقت الشجرة ويتمنى انتزاعها من حلقوم الأرض، كما أن السلم قد صُنع من عشرات الأشجار السابقة.. هناك من يزعمون أن السلم هو الشيء الوحيد الذي سيصمد في هذه الغابة، وهذا يقلقني شخصيًا.. إنه احتمال مخيف

الشمس حارقة فعلاً.. لا تمنح الدفء ولا النماء لكنها قادرة على أن تقتلك بضربة شمس.. لهذا تبحث الحسناء عن مظلة

المشكلة في المظلة أنها غامضة مستغلقة، قد تخذلك أحيانًا.. وقد تتخلى عنك أحيانًا.. ثم إنها مظلة تلقي الاتهامات على الجميع من دون دليل

هناك تاجر فاكهة يجلس تحت شجرة تفاح.. إنه يقذف الشجرة بالحجارة ليسقط التفاح ثم يضعه على كفة ميزان ضخم ليبيعه. تتساءل الفتاة: كيف يبيع هذا الرجل ثمارًا لم يزرعها؟ وماذا عن هذا الميزان الذي ظهر فجأة؟

 لم يكن هذا الميزان موجودًا من قبل، ولم يؤدّ أي دور على قدر علمها، ما تعرفه يقينًا هو أن حصانها كان ملك هذا التاجر يومًا، وبرغم أن الحصان مطيع لها، فمن الوارد أن يتحرك ولاؤه القديم للتاجر

لما خرجت من نطاق الأشجار أصابها الذهول، وأبطأ الحصان في الحركة حتى توقّف

هناك هرم حقيقي.. هرم شامخ يقف وسط الغيوم.. مشهد يبعث القشعريرة في عروقك ولا شك. يبدو أن هذا الهرم كان موجودًا منذ زمن، ويبدو أنه صمد أمام عوامل التعرية وقسوة الأنواء طويلاً، وهو نموذج للهندسة المتقنة وروعة البناء.. لكن.. لقد انتهى زمن الأهرام على كل حال. لا أحد يزور هذا الهرم. الكل يحترمه لكن لا أحد يزوره

وجدت في سرج الفرس كاميرا فيديو.. قررت أن تلتقط للهرم بعض الصور. لكنها تذكرت أن الفيديو اختراع منقرض.. مع ظهور الدي في دي صار من المستحيل أن تجد شرائط فيديو

نظرت لساعتها.. الساعة الباسلة الأمينة التي لم تخذلها قط.. مثلها مثل الحصان الأصيل.. وجدت أنها تأخرت في العودة إلى بيتها.. بعد قليل تخرج الذئاب ولسوف تجد نفسها في مأزق.. مشكلة هذه الساعة تشبه مشكلة كاميرا الفيديو.. هي تعرف قيمتهما تمامًا، لكن يبدو أنها الوحيدة التي تعرف

في كل قصة أطفال هناك نسر.. وقصتنا لا تختلف كثيرًا.. هناك نسر أو عقاب يحوم في السماء. عظيمًا شامخًا شديد الإباء.. يفرد جناحيه ويحلّق.. فوق الهضاب والجبال والأنهار والينابيع والشلالات.. النسر الذي لم يهبط قط ولم يتخاذل قط

لكن للنسر مشكلة.. إنه جامح جدًا متحمس جدًا، وهذا يثير القلق.. كما أن البعض زعموا أنه على علاقة ببعض النسور الظالمة في الغابات المجاورة.. بصراحة أرى أن هذا كلام فارغ.. لكنه بعث القلق لدى الحسناء

الشمس ترسل أشعتها الحارقة محاولة أن تحرق النسر.. الحطاب يتسلق السلم محاولاً أن يقذف النسر بالحجارة.. الحصان يصهل كأنه يريد أن يحلق مع النسر

تنظر لساعتها النفيسة وتنظر للهرم الراسخ الشامخ

لكن.. ربما كان عليها أن تعيد التفكير. الميزان اختراع دقيق، وقد صار صورة ذهنية للعدل.. وقد ذكر في القرآن الكريم. لكن هل هذا الميزان جيد فعلاً؟

الوقت يمر

النسر العظيم يحلق

لو ظهرت الذئاب فلربما صعدت على السلم إلى الشجرة.. لربما استعملت البلطة.. لكن هل يتحمّلها السلم؟ هل تتحملها الشجرة الصغيرة؟ هل تقدر البلطة على قتل الذئاب؟
كانت تشعر بحيرة بالغة

**********

بصراحة لو كنت مكان الحسناء السمراء لاخترت النسر.. أنا أثق بالنسور وأحبها

لقد رأيت هذا النسر الشامخ مرارًا وأعرف أنه الاختيار الصحيح على الأرجح

أما عن الحسناء فقد اتخذت قرارها قبل أن تعود لدارها، وقبل أن تخرج الذئاب المتعطشة للدم

اختارت البرادعي

وتوتة توتة فرغت الحدوتة

عزيزي القارئ.. أي تشابه تكون قد لاحظته بين القصة السابقة وبعض الرموز الانتخابية لبعض مرشحي الرئاسة هو تشابه مقصود