الحين حين الكلام عن حمى الضنك! لست متأكدًا بصراحة من صحة ترجمة لفظة Dengue إلى ضنك، لكنها ترجمة موفقة لأن الحمى اشتهرت كحمى تحطيم العظام أو (الضنك) بمعنى آخر.. ويعود هذا الاسم إلى القرن الماضي.
تتوالى أخبار حمى الضنك التي دخلت إلى مصر ضيفًا غير مرغوب فيه، وبدأت سياحتها بمدينة القصير مع تهديد سفاجا والغردقة.. حتى منع الأهالي أطفالهم من الذهاب للمدارس. هكذا انتشر الذعر في كل بيت، وكان هذا كابوس الطب الوقائي بالمحافظة، فخرجت سيارات رش المبيدات تحاول القضاء على البعوضة الناقلة للمرض، وانتشرت قوافل التوعية، كما قام مجلس المدينة بكسح مياه الصرف من البيارات. ووفرت الوزارة الأدوية اللازمة.. هذا ما تقوله الأخبار، ولم تقل لنا ما هي الأدوية، فعلى قدر علمي علاج هذه الحمى عرضي.. لا يوجد علاج متخصص.
نفت وزارة الصحة حدوث حالات وفاة بسبب حمى الضنك. في مصادر أخرى قرأت عن وفاة طفل. على العموم نحن اعتدنا الشك في البيانات الرسمية، وأن عبارة (لا صحة لما قيل عن) هي في الحقيقة (ما قيل صحيح تمامًا). هذه هي الطريقة المثلى لقراءة الصحف وتجعلها مفيدة فعلاً. اتهمت الوزارة تخزين المياه في خزانات بلا غطاء مما يجعلها بيئة خصبة لتكاثر البعوضة إيدز، وقد وزعت أغطية لخزانات الماء من الفبر. الحقيقة أن هذه البعوضة تملأ بيوتنا، وهي نفس البعوضة التي تنقل الحمى الصفراء، ومن الألغاز المبهمة التي توحي لك بأن مصر (محروسة) فعلاً، عدم انتشار الحمى الصفراء في مصر برغم أن البعوضة موجودة في كل بيت مصري، والحمى الصفراء موجودة في السودان.
عامة لا يجب أن تثير حمى الضنك ذعرنا.. هي في أغلب الأحوال مرض عارض مسالم...
ينتقل فيروس المرض بلدغة البعوضة إيدس إجبتي.. واسمها في حد ذاته يحمل اسم مصر!.. لا ينتقل أبدًا من إنسان لآخر وإنما عن طريق البعوضة فقط. وبالطبع في أحوال نادرة عن طريق نقل الدم الحاوي للفيروس.
تبدأ الحمى بعد 5-8 أيام من اللدغة، وعلى الأرجح تكون مرضًا مبهمًا يتكون من صداع.. وطفح جلدي خفيف.. العلامة شبه المميزة للمرض هي الألم خلف محجر العين وآلام العضلات والعظام.. تستمر الحمى الغامضة أسبوعًا ثم تزول تلقائيًا. من النادر جدًا أن يصحبها نزف حاد.
في أحوال نادرة تحدث حمى الضنك النزفية ومتلازمة صدمة الضنك.. وهي أعراض نادرة جدًا في أفريقيا. آسيا لم تشهد قط حالات حمى صفراء، وأفريقيا لم تشهد حمى الضنك النزفية إلا نادرًا والعكس صحيح. عامة نشأت حمى الضنك النزفية في الفلبين. هنا يبدأ المريض في النزف ويقيء دمًا وينزف تحت الجلد، وهو هنا يتصرف كأنه فيروس إيبولا أو ماربيرج.. بينما تهبط الحرارة غالبًا.
في هذه الحالات الخطرة يبدأ الكابوس بعد أسبوع. وقد تصل الوفاة إلى 50%.. هذا الفيلم يعرض المرض بشكل ممتاز لمن يجيد الإنجليزية.
لا يوجد علاج واضح، وإنما هو علاج عرضي يهدف لحقن البلازما والمحاليل للحفاظ على ثبات الدورة الدموية ، فلو صمد المريض يومين لكان الشفاء مؤكدًا. الباراسايتامول مهم للسيطرة على الحمى، بينما يحذرنا الأطباء بشدة من الأسبيرين لأنه يزيد النزف.
لا يوجد لقاح للمرض، ولا يوجد علاج متخصص... فقط علينا أن نحارب البعوض.. وهي النصيحة الثمينة في كل الأمراض التي ينقلها البعوض بدءًا بالملاريا ومرورًا بالحمى الصفراء. عليك أن تستخدم الدهانات التي تطرد البعوض.. الثياب ذات الأكمام.. كافح المياه الراكدة.. استخدم المبيدات.. الناموسيات...
يعود تاريخ هذا المرض إلى الصين.. ثم ظهر في أفريقيا في القرن 15 وانتشر في العالم مع تجارة الرقيق. وكان هناك وباء جائح في القرن 18. وفي بدايات القرن العشرين عرف العالم أن المرض يسببه فيروس، وجاءت بحوث سير جون كليلاند لتخبرنا بمعظم ما نعرفه عن الفيروس.
يقال إن أصل الاسم هو (دينجا) في اللغة السواحلية.. وهو يصف المرض بأنه ناتج عن روح شريرة.
علينا ألا نترك الذعر يتملكنا، فالمرض في النهاية خفيف الوطء على الأرجح. فقط يجب الالتزام بالتعليمات الصحية.. هنا يبرز دور الطب الوقائي ويتضاءل دور الطب العلاجي.