قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Sunday, July 14, 2024

مقالان

26 مايو 2009

Gemini

المقال الأول

تغير الشعب المصري كثيرا جدا في الفترة الأخيرة تحت ضغط الكثير من العوامل الاقتصادية والفكرية. فلم أعد أستطيع التنبؤ بردود أفعاله. إن شعبا يتلف الهواتف العمومية بلا توقف، ويلقي باللوم على طبيبة تعرضت للاغتصاب لا على مغتصبها، ويتصل على سبيل المزاح لتبلغ البلاغات الزائفة 50% تقريبا هو شعب في مشكلة حضارية كبرى.

لهذا عندما سمعت خبر وفاة حفيد الرئيس مبارك شعرت بقلق من رد الفعل المنتظر ودخلت شبكة الإنترنت في كثير من التوجس. لكن الله شاء أن يخيب ظني وأن يدهشني بهذا السيل من العواطف الحارة وكلمات العزاء في كل المواقع وكل المنتديات.. بعض هذه الأسماء كان يهاجم الحكومة بمقت شديد أمس، لكن الجميع قد تعامل بطريقة الريف: فلننح خلافاتنا جانبا ونذهب بعد صلاة العشاء إلى الدوار لنؤدي واجب العزاء.. هذا هو الأهم في هذه اللحظة. بعض الأصوات ذكر الحكومة بضحايا العبارة وأن موتاها لم يكونوا أقل أهمية أو أرخص سعرا عند أهلهم من الفقيد الصغير، وهذا صحيح تماما، لكن في النهاية تظل عبارات العزاء حارة صادقة. مازال الجوهر الحقيقي للشعب المصري موجودا لم يتلوث إذن.. حتى إذا اكتسى بالغبار وهباب العادم والنفط.

هذا شعب طيب فعلا و(جدع). كنت في بلد عربي خليجي منذ عشرة أعوام مع مجموعة من المصريين راحوا ينتقدون الحكومة المصرية، وقالوا فيها ما لم يقله مالك في الخمر.. هنا تدخل أحد الإخوة الخليجيين بتعليق ساخر.. رأيت الوجوه تحمر وأوردة العنق تحتقن وانفجر المصريون فيه يمنعونه من هذا.. وكما قال أحدهم: "احنا اللي نشتم حكومتنا بس!".. مصداقا لمقولة مصرية تتكرر كل يوم: "أدعي على ابني وأكره اللي يقول آمين".. نعم.. نحن شعب طيب القلب و(جدع) .. حقيقة كدت أنساها من كثرة القبح الذي أراه كل يوم، ومن جديد أسباب الخلاف كثيرة جدا ولم تنته لكن هذا الشعب يستحق ما هو أفضل بالتأكيد.

وسط حالة الرضا عن النفس هذه أجد في بريدي الإلكتروني رسالة من الأخ موریس صادق من واشنطن.. هذا الرجل لا يتوقف ولا يهمد لحظة، مبرهنا على أن المحرك دائم الحركة ليس وهما علميا كما حسب الفيزيائيون السذج.

ماذا كتب موريس؟ شماتة! تصور هذا! مر ربع ساعة على انتشار الخبر الأليم وبرغم ذلك وجد الفرصة ليكتب ويرسل خطابا مليئا بالشماتة والتشفي.. فهو يرى أن دعاءه هو سبب ما حدث بسبب اضطهاد المسيحيين وإعدام الخنازير! لا أستطيع أن أنقل فقرات من الخطاب لأن هذا يسكب الكثير من البنزين على النار لكن الرجل مصر على أن شرطة مصر إسلامية وهابية.. يعني هي صورة أخرى من الهيئة أو رجال طالبان! لا أذكر آخر مرة رأيت فيها رجل شرطة ملتحيا في شوارع القاهرة فهل تذكر أنت؟

ثم يضيف موريس في ثقة: وكما قال لك البطل اليهودي ليبرمان وزير خارجية (إسرائيل).. منذ متى صار ليبرمان بطلا؟ طبعا السبب الوحيد هو الاستفزاز لا أكثر ولا أقل، وكما قال لي صديق مسيحي: "هذا رجل يتصرف كالأطفال.. ربما يفقأ عينه لمجرد أن يثير التقزز في نفسك"

موريس مصر على إرضاء السادة في واشنطن وأن يلعب دور (الحقوقي) الشجاع. لكن ذكاءه يتخلى عنه كثيرا جدا.. هذه المرة لن يستطيع مخلوق أن يوافقه على هذه الوقاحة وهذه القسوة.. إنه يجلس هناك مستمتعا بهذا الدور الذي يؤجج الحقد في مصر بلا توقف، ومن يدفع الثمن هما عم (مينا) وطنط (زيزف) اللذان بقيا هنا لأنهما لم يستطيعا الذهاب إلى واشنطن مثله، وهما يتحملان زحام الشوارع ويركبان الميكروباص ويبتاعان الفول صباحا وتنقطع عنهما المياه، وبالتأكيد لا يريان وجهة نظره العبقرية لكنهما يدفعان الثمن والأهم أن الأخ (موريس) يثبت أنه ليس مصريا على الإطلاق.. المصري الحقيقي ابتلع خلافاته وضيقه وذهب ليؤدي واجب العزاء.

أحيانا يخيل لي أن هناك من يرسل خطابات زائفة تحمل اسم هذا الرجل لتأجيج الخلافات وزرع الأحقاد وإلا فالأمر يحتاج إلى دراسة نفسية مدققة.

*******

المقال الثاني

منذ أعوام حضرت تجربة مسرحية ناضجة قدمها مجموعة من الشباب مجانين المسرح بالإسكندرية. كان المكان يدعى (مركز الإبداع)، وكانوا يتعاملون معه باعتباره بيتهم وملتقاهم وملاذهم الوحيد. المسرحية كان اسمها (مات الملك) ولم تكن نصا لكاتب معروف، لكنه كتب جيدا وتعاون هؤلاء الشباب بإمكانيات محدودة كي يصنعوا حلما بصريا جميلا. انصرفت وأنا أقول لنفسي: "ما زالت هناك أشياء جميلة في هذا البلد الذي يرفض أن يموت بعناد غريب".

مرت أعوام وتلقيت عدة دعوات على مسرحيات مثل (آخر السور) و(دستور یا أسيادنا) و(خالتي صفية والدير)، لم أتمكن من حضور معظمها لكني ظللت مطمئنا إلى أن هناك من يسهر على الجمال.. إلى أن تحققت أسوأ مخاوفي عندما تلقيت من محمد خميس رئيس فرقة التمثيل بمركز الإسكندرية للإبداع خطابا ينذرني بأن شيئا جميلا آخر سيتم دفنه كالعادة.

يقول الخطاب:
"بدلا من تنفيذ الوعد الذي وعده فريق التمثيل بمركز الإسكندرية للإبداع من اعتماد الفريق كفريق رسمي تابع لصندوق التنمية الثقافية بالإسكندرية، بعد حصوله على جائزة أفضل عمل جماعي في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته العشرين، فوجيء الفريق بالأمن يمنعهم من دخول مركز الإسكندرية للإبداع بعد أن ترك أ.د. حسين الجندي رئاسة صندوق التنمية مع إصرار أ.د. أحمد يحيى عاشور رئيس مجلس إدارة مركز الإسكندرية للإبداع على تجاهل فريق التمثيل بالمركز، ورفض تام لمقابلة رئيسه أو عضو مجلس إدارته على الرغم من المكاتبات الرسمية العديدة - التي يوجد منها نسخ لدى الفريق - التي تقول أن الفريق هو فريق التمثيل بمركز الإسكندرية للإبداع. كل هذا تجاهله أ.د. أحمد يحيى عاشور بل أصر على تجاهله عندما ذكر به ورفض تماما وجود فريق التمثيل بالمركز، بل أعلن أن المسرح يسبب له صداعا دائما وأن عدم وجوده أفضل بالنسبة له، فما يقبضه شهريا لا يتأثر بكل تلك الجوائز فهي لا تعنيه بالمرة، ونصحنا بالتوجه لقصور الثقافة أو البيت الفني للمسرح"

يضيف محمد خميس:
"اشترك الفريق بالعرض المسرحي (دستور یا أسيادنا) في المهرجان القومي الثالث للمسرح المصري - لأول مرة داخل التسابق - ليحصل على جائزة أفضل نص مسرحي باسم فريق مركز الإسكندرية للإبداع، على الرغم من أن كل إنتاج العرض كان من جيوب إداريي الفريق سواء من خامات أو تصنيع ملابس أو ديكور أو أجور أو انتقالات أو مبيت لأكثر من 30 عضوا شاركوا في العرض بتكلفة تعدت 14000 جنيه - دفعها إداريو الفريق ولم ترجع إليهم حتى الآن - وكل ذلك لأن أ.د. أحمد يحيى عاشور تعمد في طلب مشاركة الفريق في المهرجان الذي أرسله لصندوق التنمية - بعد معاناة - أن يضيف جملة غريبة (شريطة ألا يتحمل المركز أي تكاليف)! بل إنه رفض أن يمنح الفريق أماكن للبروفات من أجل عرض "خالتي صفية والدير" الذي كان مقررا أن يشترك به الفريق في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته العشرين، مما تسبب في أن قياديي الفريق قاموا بتأجير القاعات والمرمطة في بيوت بعضهم البعض ليخرج العرض إلى الوجود في 15 يوما مليئة بالصراعات والتوتر والقلق"

ثم يتساءل:
"ما المنطق في طرد فرقة مسرحية حققت العديد من الإنجازات - آخرها إنجاز دولي باسم مصر - إلى الشارع؟ ما المنطق في طرد أكثر من 50 شابا وفتاة - يخلصون للفن ويضحون في سبيله بوقتهم وجهدهم ومالهم - ليبحثوا عن مكان آخر ليمارسوا فيه هواياتهم؟ لماذا لا يتم اعتماد الفرقة كفرقة مسرحية تابعة لصندوق التنمية الثقافية في مركز الإسكندرية لللإبداع مثل العديد من الفرق الفنية التابعة للصندوق؟"

الخطاب طويل ولم أستطع نشره كاملا، وهناك حشد من الصور والأوراق الرسمية مع هذا الخطاب، وأعترف بكل صراحة أنني لم أر إلا جانبا واحدا من الموضوع، ولم أر الجانب الذي يراه د. أحمد يحيى عاشور، فهل لنا أن نأمل في رده؟