قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Sunday, January 31, 2010

حالة إبداع

حلقة برنامج حالة إبداع مع د أحمد خالد توفيق

قناة الجزيرة

يناير 26 - 2010



بالتفصيل الممل

بص و طل - 31 يناير 2010

رسوم: محمد عبد الله

الإعلامي الجديد: فكرة ثورية فعلا
الإعلامي القديم: وبتوفر الوقت كده نملا الجرنان في ربع ساعة كل يوم ومحدش واخد باله من حاجة

Saturday, January 30, 2010

دماغى كده - فى بعض الآراء الفنية - عن النعناع و قناوى و الفوضى


أقرأ الآن كتاب "دماغى كده" و هو كتاب رائع يحوى الكثير من مقالات د أحمد حول مواضيع مختلفة... و سوف نتكلم عنه فى سلسلة "قرأت مؤخرا" بعد أن أنهيه إن شاء الله

و لكن فكرت أن أعرض منه بعض المقالات التى لفتت انتباهى بشكل خاص... لثرائها أو روعتها أو أسلوبها  أو طرافتها أو لأنها لامست بعض الأوتار و تناولت بعض القضايا التى تشغلنى بشكل خاص... برغم قدمها

كفانى حديثا و لنستمتع سويا بكلام الرائع د أحمد خالد

شكر خاص للدكتور أحمد لإرساله نسخة رقمية من الكتاب خصيصا

===========================

بائع النعناع العجوز يدفع سيارته في أحد الشوارع قرب مديرية الأمن، فتستوقفه سيارة بيجو بيضاء بها بعض الرتب، وينتقي ركابها بمعونة السائق المجند ربطات عديدة مكتنزة من النعناع النضر طيب الرائحة، ويشتمون البائع طالبين أكياسًا يضعون فيها ما أخذوه، ثم بلا كلمة أخرى تنطلق السيارة التي تعالت منها الضحكات،  ليقف البائع وحده وقد اختفى نصف بضاعته .. دنوت منه فرأيت دموع القهر والغيظ في عينيه، وهو يردد لنفسه
ـ"عاملين لي فيها بهوات .. ده قوت عيالي يا كفرة .."ـ

تأمل معي الموقف.. لا أعتقد أن وزارة الداخلية تأمر ضباطها بسرقة النعناع، وكمية النعناع على هذه العربة لن يزيد ثمنها على خمسة جنيهات لن ترهق هؤلاء، لكن خمسة الجنيهات هذه تمثل للرجل رأس ماله بالفعل.  هكذا بلمسة بسيطة صار هذا البائع المسن من أعداء الداخلية، والسبب تصرف غير مسئول من بعض البكوات، ورغبة في فرض القهر والسيطرة على رجل لا خطر منه

بالفعل هناك تجاوزات كثيرة من رجال الشرطة، بعضها بسيط مثل عدم دفع ثمن النعناع وبعضها يصل لدرجة إلقاء المتهم من الطابق الثالث، وقد كنت أجلس في (ميكروباص) بين المحافظات يقف جوار قسم شرطة شهير جدًا في القاهرة، فسمعت السائق يقول لأمين الشرطة المحتج على وقوفه هنا: "الميكروباص ده بتاع فلان بيه" .. لم يبد الأمين أية دهشة . فقط تساءل: "مش ده بتاع علان باشا ؟" فاتضح من كلامهما أن كل واحد من البهوات يشمل برعايته مجموعة خاصة به من الميكروباصات معروفة ولا يسمح لأحد بأن يتصدى لها، والمقابل معروف طبعًا. هذا كلام يعرفه الجميع لكنك لا تستطيع إثباته، وأية محاولة لذلك سوف تنتهي بك في السجن

كان كل هذا في ذهني عندما ذهبت لرؤية (هي فوضى) فيلم يوسف شاهين وخالد يوسف. وكما قال الأستاذ (رامي عبد الرازق) في (كادر ثابت) عن حق: " هنا ثنائي نرجسي مخيف لا قبل لأحد بالوقوف أمام تدخلاته". وكنت أعرف أن الفيلم سينجح ويمتدحه الجميع مهما كان مستواه، لأنه صار من الكفر ألا يعجب أحد بفيلم ليوسف شاهين. وحتى الكومبارس الذي يقدم للبطلة كوب ماء في أحد أفلامه يعتبر نفسه أستاذاً من أساتذة التمثيل، ويقول في وقار وغموض:" أفضل أن يرى الناس العمل ليحكموا بدلاً من أن أتكلم عنه". وغدا من التقليدي في كلام أي ممثل أن يحكي عن (تجربة التطهير أو الميلاد الجديد) التي اجتازها بالعمل مع شاهين

 منذ اللحظات الأولى عرفت أن الفيلم حقق فتحين: الفتح الأول هو تحطيم الكثير من التابوهات والخطوط الحمراء بصدد هذه التجاوزات، والفتح الثاني هو إعطاء دور بطولة شبه مطلقة لخالد صالح أفضل ممثل عرفته مصر منذ عشر سنوات بلا مبالغة

فيما عدا هذا بدا واضحًا تمامًا أن الفيلم علاقته واهية جدًا بيوسف شاهين .. هذا هو فيلم خالد يوسف بالكامل، فلا تظهر لمسات يوسف شاهين إلا في مشاهد محدودة مثل المولد، والعلاقة شبه الأوديبية بين وكيل النيابة وأمه، واسم بهية،  وطبعًا الخلط الاجتماعي الطبقي العجيب، والهتافات السياسية المفتعلة  مثل (عمر السجن ما غير فكرة) التي تذكرك بهتاف شاهيني آخر (مصر حتفضل غالية عليا) الذي يتصور شاهين أنه قادر على قهر بونابرت وكلب حراسته الأرمني الشرس (برطملين)ـ

السيناريست (ناصر عبد الرحمن) وضع على مكتبه لافتة تقول (الداخلية تغتصب المصريين)، وقرر أن يبني عليها سيناريو كاملاً مدته ساعتان جعل فيها هذه المقولة حرفية . يسهل أن نتصور أن خالد صالح يمثل الداخلية، بينما منة شلبي هي مصر التي لا يحميها إلا القانون

هكذا تم البناء الكبير .. لابد من حبكات فرعية كثيرة، ومنها مثلاً وكيل النيابة الذي يحب فتاة تدمن المخدرات وترسم الوشم على ظهرها، وهي  أيضًا ابنة عضو في لجنة السياسات!، وهي حامل من وكيل النيابة كذلك، وإن كانت أمه (هالة صدقي) لا تندهش من ذلك لحظة بل هي فقط قلقة على صحة الطفل الذي سيولد لأم مدمنة. جاءت الاستراحة فنهضت لأدخن سيجارة. تأخرت ربع دقيقة وعدت فوجدت أن وكيل النيابة صار متيمًا بحب منة شلبي فجأة، وكلتا الفتاتين ليست بالضبط نوعية الفتاة التي يمكن أن تروق لوكيل نيابة

 هناك مشاهد عجيبة طويلة جدًا ولا لزوم لها مثل مشهد زنزانة الحريم المجاورة. هنا خيط واضح من قصة (الهمس المسحوق) الرائعة ليوسف إدريس، لكن بصراحة لو كان عنبر الحريم أقرب لحريم ألف ليلة بهذا الشكل فمن واجبنا جميعًا أن نُسجن .. في الواقع كان الأجمل أن يكون هذا عالمًا خياليًا لا وجود له يتناقض مع واقع العاهرات والمدمنات الفعلي القذر القبيح. أي أن يكون وليد أحلام المساجين المحرومة كما فعل إدريس العبقري في قصته آنفة الذكر

الفيلم جريء حسيًا، لكن كما قلت في مقال سابق هناك ميزانين في الرقابة: ميزان للعامة وميزان لشاهين .. هكذا تصفح الرقابة في تسامح أسطوري عن مشاهد لو قدمها سوى شاهين لعلقوه مشنوقاً. نظارة هيبة العبقرية وضعت على عين الرقيب فلم يعد يرى

في أفلام شاهين يتكرر ذلك الخلط الساذج بين المتصوفين والموالدية والأصوليين، فهو – كالخواجات تماماً – يضع كل هؤلاء في سلة واحدة تمسك بالدف وتتطوح ذات اليمين واليسار، برغم أنه لا يمكن الجمع بين المتصوفين والأصوليين أبداً. ثم المشهد الكوميدي في مكتب مرشح الإخوان في مجلس الشعب .. الإخوان لا يتكلمون هكذا سواء اختلفت أو اتفقت معهم، لكنك تسمع كلامًا غريبًا مثل: "طبعا احنا الحل .. المهم تدونا أصواتكو وتسمعوا كلامنا ..". لو كانوا يتكلمون بهذه السذاجة لما صار الشارع إخوانيًا . تصوره للشاب السلفي في السجن هو شخص ملتح بجلباب يقف طيلة الوقت ووجهه للحائط يقرأ المصحف ويهتز، كأنه يهودي عند حائط المبكى. هل السلفيون لا يجلسون على الأرض أو ينامون أو يهمدون قليلاً ؟

المظاهرة العاطفية في نهاية الفيلم والتي صممت بعناية لإثارة حماسة المشاهدين وقشعريرتهم، والتي تبدو فيها الداخلية غلبانة جدًا ومثيرة للشفقة،  لدرجة أن هالة فاخر تدفع أربعة جنود فيسقطون. هذا الاقتحام للقسم كان في الواقع سوف يؤدي لفتح النار مباشرة، دعك من وكيل النيابة الذي صار يجري في ممرات السجن ويطلق الرصاص في الهواء وعلى الأقفال ويهدد ضباط القسم

الفيلم يتلخص في عبارة واحدة: (خالد صالح).. ومعه الكثير من خالد صالح مع لمسة من خالد صالح، وبعض خالد صالح، ثم خالد صالح على الوش.. هذا الممثل العبقري هو الذي رد للمشاهدين مقابل تذاكرهم وزيادة، وكنت تشعر بأن أي وقت لا يظهر فيه على الشاشة هو وقت ضائع. السيناريست رسم شخصيته وفي ذهنه خيوط كثيرة جدًا من قناوي باب الحديد. العاشق المتيم في الحب بحرارة حارقة والمنفر والشهواني.. وكما كان قناوي يرسم دلو (الأزوزة) ليتدلى من ذراع الصور العارية لتذكره بهند رستم، فإن أمين الشرطة في هذا العصر يلفق بالكمبيوتر صورة لمنة شلبي بالبكيني. ومثل قناوي يغتصب حبيبته كخطوة أخيرة قبل نهايته، لكنه لا يلبس قميص الأكمام هنا بل يقتل نفسه. هذه الشخصية مرسومة ببراعة، ويمكنك بسهولة أن تدرك أن يوسف شاهين يتعاطف معها ويحبها. لكن هناك الكثير من المبالغة الفجة فيها مثل أن يجلس ليلتهم عشرين رغيف حواوشي ببلاش وفي الوقت ذاته تنهال أمامه الرشاوي .. الأمور لا تحدث هكذا

لا ننكر أن الفيلم ممتع، والسرد خطي يجعلنا للمرة الأولى نشاهد يوسف شاهين بارتياح، لكن هذه الهنات تقف في حلقك فلا تستطيع ابتلاعها، دعك من تحميل كل خطايا الكون على عاتق أمين شرطة واحد، وأعتقد أن السبب طبعًا هو أن للرقابة حدًا تستطيع مضغه فابتلاعه . بعد هذا مستحيل

Friday, January 29, 2010

دماغى كده - فى بعض الآراء الفنية - عن العصر الذهبى لمجلة سمير


أقرأ الآن كتاب "دماغى كده" و هو كتاب رائع يحوى الكثير من مقالات د أحمد حول مواضيع مختلفة... و سوف نتكلم عنه فى سلسلة "قرأت مؤخرا" بعد أن أنهيه إن شاء الله

و لكن فكرت أن أعرض منه بعض المقالات التى لفتت انتباهى بشكل خاص... لثرائها أو روعتها أو أسلوبها  أو طرافتها أو لأنها لامست بعض الأوتار و تناولت بعض القضايا التى تشغلنى بشكل خاص... برغم قدمها

كفانى حديثا و لنستمتع سويا بكلام الرائع د أحمد خالد

شكر خاص للدكتور أحمد لإرساله نسخة رقمية من الكتاب خصيصا

===========================

أولاً دعني أؤكد لك إنني لست من جيل مجلة (السندباد) حتى لو كنت تعتقد أنني عجوز لهذه الدرجة.. هناك جيل كامل تربى على رسوم بيكار في هذه المجلة لكنه ليس جيلي ..  إنما أنا من جيل (سمير) و(ميكي).. توأما دار الهلال اللذان صنعا ثقافتنا الأولى.. الأول كان شخصية فرنسية مترجمة اسمها (سبيرو) ثم صار عربيًا جدًا، والثاني قادم من عالم ديزني الساحر. ثمة وحش مترجم كان يأتي  من بيروت يتكلم بلغة (البندورة والعلكة والبوظة)  هو مجلات سوبرمان والوطواط ولولو الصغيرة، وقد أوقفت هذه المجلات على كل حال لأن وزير الثقافة وقتها أدرك مدى ما تحمله من قيم أمريكية بعضها مفزع (المجلة المنحوسة التي وقعت في يد الوزير كانت تمثل سوبرمان يلقن أبويه درسًا قاسيًا  !) .. كان هذا قبل أن تأتي الضربة القاصمة من الأهرام في صورة عملاق  فرانكفوني  لا يمكن منافسته اسمه مجلة (تان تان).. هنا اجتمع أفضل المؤلفين البلجيكيين مع أفضل الرسامين ليصنعوا هذا الحلم الجميل الذي استمر عشرة أعوام، قبل أن تتوقف

كما قلت من قبل كانت مجلة سمير تقدم شخصية فرنسية اسمها (سبيرو) يرسمها فنان اسمه (برني)، ومع الوقت صار (سمير) عربيًا أكثر فأكثر .. اسمر لونه وتجعد شعره وصار يشتري الفول ويأكل الكنافة في رمضان، ورسمه عدة فنانين مثل التهامي وحجازي ونسيم جرجس

وسط كل الإبهار والإتقان الحرفي لدى سحرة ديزني ومارفل ودي سي كوميكس، استطاعت مجلة (سمير) أن تعيش وأن يصير لها قراؤها .. والسبب هو كتيبة المؤلفين والفنانين التي استطاعت دار الهلال  أن تحشدها في ذلك العصر الذهبي

  لم تعد عندي مجلات (سمير)، لكني أتذكر كل حرف نشر فيها (ليس شيئًا هينًا بعد ثلاثين عامًا)، وانطباعي هو أن هؤلاء الفنانين كانوا يحبون ما يقومون به فعلاً، ومقتنعون به جدًا .. بالتأكيد لم يتقاضوا إلا ملاليم بالنسبة لما يناله فنانو اليوم إذا تعاملوا مع صحافة الطفل الخليجية. النقطة الأكثر أهمية هي أنهم ظلوا في قوقعة تعزلهم عن أساليب الستريبس الغربية، كأنهم هم مكتشفو هذا الفن، وهكذا لا يمكن أن تجد فيهم استنساخًا لرسامي (دي سي كوميكس) أو رسامي (ماد) كما تجد في أكثر رسامينا اليوم... لو تأملت رسوم (عدلي رزق الله) لشخصية (أشعب) لوجدت أسلوبًا طفوليًا أقرب إلى المنمنمات الفارسية، وبالتأكيد لم يستعمله أحد في القصص المصورة قبله ولا بعده.  وماذا عن رسوم (محمد حجي) و(كنعان) و(مأمون) التشكيلية المتجهمة ؟.. لقد تخصص الفنان الأول في قصص المقاومة الفلسطينية وكان يرسم الإسرائيليين أقرب إلى الوطاويط مصاصة الدماء، وما زلت أذكر رسمه لقصة كفاح (مارتن لوثر كنج) ..  أما رسم (مأمون) لقصة (سبارتاكوس) فهو مجموعة من اللوحات التشكيلية التي زودت ببالونات الحوار .. بالطبع رضعنا كراهية الصهاينة من هذه القصص لأن من رسموها كانوا يكرهون الصهاينة فعلاً قبل أن تختلط الأمور

كل مسرحيات شكسبير قرأتها للمرة الأولى على شكل قصص مصورة في مجلة سمير .. عرفت أديسون وبيمون والياس هاو .. هل حقًا لا تعرف (بيمون) و(إلياس هاو) ؟.. بالطبع لأنك لم تكن من قراء سمير

ثم يأتي (محيي الدين اللباد) .. اللباد العظيم الذي قرر أن يذيق الطفل المصري أساليب فنية أكثر غرابة وحداثة ... إنه يقدم لنا قصة كاملة من أدب (جول فيرن) مستعملاً أسلوب الكولاج وفن البوب، لا تنس أن هذا كان عصر البوب و(أندي وارهول) على كل حال، فاستعمل ذات العالم (المشجر) فاقع الألوان الذي تراه في فيلم البيتلز (الغواصة الصفراء)..   تخيل قصة لا ترى فيها وجه بطل واحد وإنما أصابع وقبعات !.. وقد قدم لنا اللباد شخصيات طريفة جدًا مثل الولد السكندري (قرقورة) الذي يثير رعب الإسرائيليين، وزغلول أفندي بشاربه الأحمر

أخبث من عمل في المجلة كان عمنا الكبير (حجازي).. لقد قدم لهذه المجلة أضعاف ما قدم لروز اليوسف وصباح الخير معًا، لكن الكبار كعادتهم ينظرون لما يطالعه أطفالهم على أنه (شغل عيال).. من هذه الثغرة تسلل حجازي وألف ورسم أجرأ قصص يمكن تصورها.. لابد أن رجل المخابرات كان يقضي يومه في تعذيب الإخوان والشيوعيين، وينقب بالميكروسكوب في كل مطبوعة وجريدة، ثم يشتري مجلة سمير في طريق العودة ليقرأها أطفاله .. غير عالم أنها تحوي قصص (تنابلة الصبيان) لحجازي

ما كل هذا الإلهام ؟.. لقد كان الانفتاح في علم الغيب .. ولم تكن هوجة الأطعمة الفاسدة ولا الغش الصناعي قد بدأت، وما أذكره – على قدر علمي – أن الشرطة كانت في خدمة الشعب وقتها قبل أن يصير الشعب في خدمة الشرطة ..  لكن عمنا حجازي يقدم لنا ثلاثة أطفال كسولين شديدي البدانة والخبث هم تنابلة الصبيان .. هؤلاء الأطفال القادمون من بلاد السلطان يلعبون بالاقتصاد المصري لعبًا .. لقد استعملوا علب البولوبيف المصنع في الغرب وغيروا الورقة اللاصقة عليه ليبيعوه على أنه منتج مصري مائة في المائة !.. وزارة الصناعة تهلل والإعلام يصفق والمذيعات البلهاوات يجرين معهن اللقاءات .. لقد صاروا من أقطاب الصناعة في مصر وهم نصابون لا أكثر .. الأدهى أنهم يتفقون مع نشال مشهور هو (علي عليوه) ليسرح رجاله لسرقة رواتب موظفي شركتهم أول الشهر !.. وهكذا يدور المال دورته ويتمكنون من دفع الرواتب أول كل شهر .. يقرر الموظفون ركوب سيارات أجرة لتفادي النشل، هنا تتبدى سخرية حجازي عندما نكتشف أن قوانين الشركة تحتم على الموظفين العودة بالأوتوبيس !.. واحد فقط يكتشف المهزلة هو سمير نفسه .. يحاول فضح التنابلة ويوزع المنشورات ضدهم فيعتقل، وتحاكمه محكمة أمن الدولة ويلقى به في السجن .. لاحظ أننا نقرأ قصة أطفال نشرت عام 1969 !...  وفي النهاية يفر التنابلة بما سرقوه إلى الخارج !.. (هذه النهاية اضطرت دار الهلال لتغييرها في الألبوم الذي أصدرته للقصة في عهد السادات)ـ

هناك قصة أخرى لتنابلة الصبيان تحكي كيف تقمص أحدهم دور ضابط والآخر دور وكيل نيابة والآخر دور طبيب، وهبطوا على قرية مصرية بريئة ليتحالفوا مع العمدة والبقال الثري (حسبو) وينهبوا مواشي الفلاحين.. مع أغنية تتردد باستمرار هي (الهش كده .. كل ولاد العز كده .. أما ولاد الفلاحين .. سود ومش قد كده !).. لاحظ أننا لا نتكلم عن مسرحية لـ (نعمان عاشور) .. بل قصة أطفال مصورة .. يا للرسام العبقري الخبيث !.. كل هذا قبل الانفتاح بثمانية أعوام

لكن السبب الذي جعل هذه الأعمال تمر تحت أنف الرقابة هو نفس السبب الذي جعلها تتبخر كأنها لم  تكن: أنها قصص أطفال .. فقط أردت أن أقول لعم حجازي: نحن تلقينا الرسالة وفهمنا .. ولو كنا قد صرنا محترمين – وهي فرضية قابلة للمناقشة – فلك فضل عظيم في هذا

كانت مجلة سمير تحمل طابعًا عامًا من كراهية إسرائيل والولايات المتحدة، والتفرقة العنصرية، ومساندة حركات التحرر وفيتنام والمناضلين، وهي نغمة قد تبدو يسارية بعض الشيء اليوم لكنها كانت النغمة السائدة في مصر وقتها وقد قدمتها المجلة بلا إسفاف .. فليس غريبًا أن يكون عصر السادات هو بداية انهيار مجلة سمير.. لم يعد هذا عصر الكلام عن (جيفارا) و(مارتن لوثر كنج) بل هو عصر شراء (السونتيانات) من بور سعيد

هؤلاء الناس كانوا مؤمنين بأن الطفل يمكن أن يستوعب أي شيء وأية معلومة، ما دامت تقدم له مبسطة، والتجربة العربية المماثلة التي تحضرني الآن هي مجلة (أسامة) السورية

كانت مجلة سمير من إبداعات دار الهلال في ذلك العصر الذهبي، وهو العصر الذي شهد تجارب هائلة قدمتها (نتيلة راشد) .. مثلاً رواية (الجمال الأسود) صدرت  للأطفال في ألبوم أنيق اسمه (مذكرات حصان) يحوي كل لوحة أو نقش جداري أو تمثال للحصان عبر التاريخ.. (بنت الشمس والقمر) أساطير أفريقية يحكيها مين ؟.. فؤاد حداد شخصيًا !.. هناك مجموعة قصص أطفال عالمية يرسم كل قصة فنان من وزن (حلمي التوني) و(مصطفى حسين) و(محمد حاكم) و(إيهاب شاكر).. هكذا يدخلون في استعراض عضلات لا يمكن نسيانه..  (البوابة المسحورة) قصة ورسم (يوري ترنكا) أعظم أديب ورسام أطفال .. من الذي يشرف على ترجمة الكتاب وإخراجه؟.. اللباد

ما زالت مجلة سمير تصدر عن دار الهلال .. لا أريد أن أكون سمجًا لكني أشعر بأنها فقدت كل روح، وأنها تصدر لأنها يجب أن تصدر.. كل العاملين فيها (مالهمش مزاج).. وعلى كل حال لم يبق شيء كما كان في الماضي، فلماذا تختلف مجلة سمير عن أي شيء آخر في مصرنا الحبيبة ؟

Wednesday, January 27, 2010

في حضارة الوجبات الجاهزة: كل شيء مباح




كلنا يعرف أن وجبات الهامبرجر والدجاج التي تقدمها سلاسل المطاعم المتأمركة (موش تمام)، لكننا لا نعرف التفاصيل، أو أن لدينا فكرة مبهمة عن الأمر برمته

بالنسبة لنا نجد أن من يرتادون محلات الوجبات الجاهزة الأمريكية لا يفعلون ذلك لأنهم يحبونها، بل لما يحظون به من (ممارسة للأمركة) على أرض وطنهم، وهم يدفعون ثمن هذه الممارسة غاليًا.. إن هذه المحلات لا تبيع طعامًا لكنها تبيع جوًا وطقوسًا وهي تعرف هذا

في هذا الكتاب الممتع يأخذك المؤلف (إيريك شلوسر) من يدك ليدخل بك الكواليس الخلفية لهذه الصناعة الأمريكية الهائلة.. يقف بك في المذبح ويمشي معك وسط الحظائر .. وفي النهاية تتكون الصورة الرهيبة ببطء

يبدأ (شلوسر) كتابه بقول: إن هذه الوجبات (صناعة تطعم الأطفال وتسيء تغذيتهم في الوقت ذاته).. وقد ترافقت مع موسيقى البوب وأفلام هوليوود والجينز كمصدرات ثقافية أمريكية؛ لكنها هي المنتج الوحيد الذي يدخل جسمك بالمعنى الحرفي للكلمة

يحكي الكتاب منذ البداية عن النماذج الأمريكية الناجحة التي استطاعت تكوين هذه الصناعة الهائلة. الملاحظة المهمة أن كل هؤلاء جمهوريون يمينيون جدًا مؤمنون بالتفوق الأمريكي وأهمية العمل الفردي، وغالبًا من المتعصبين ذوي الأعناق الحمر (مصطلح يحقر من الصورة النمطية لسكان الولايات المتحدة من أصل قوفازي وهم في حالة اجتماعية واقتصادية متدنية، ولا سيما أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية).. مثلاً (كارل كوتشر) الفلاح الأمريكي من أوهايو، والذي صاحب صعوده التجاري صعود السيارة في المجتمع الأمريكي (الأعوام 1920 إلى 1940).. هنا نشأت إبداعات جديدة مثل الموتيل (فندق السيارات) عام 1945 ابتاع (كوتشر) مطعمًا في كاليفورنيا، في ذات الوقت الذي كان فيه الأخوان (ماكدونالد) يحققان نجاحهما عندما استخدما أسلوبهما الجديد في الشواء وتقديم الخدمة، وألغيا كل أدوات الطعام تقريبًا (لأن الزبائن كانوا يسرقونها على كل حال)..  تعلم (كوتشر) أساليب الأخوين وطبقها في سلسلة مطاعم
Jr
 ثمة ناجح آخر هو (هارلاند ساندرز) الذي مارس عمله كنصاب أولاً، ثم تنكر في ثياب كولونيل، واتجه إلى إنشاء مطاعم للدجاج المقلي في كنتاكي.. هكذا صارت صناعة الوجبات الجاهزة عماد الاقتصاد الأمريكي

التركيز مهم جدًا على الأطفال في هذه الصناعة، لأن الآباء الأمريكيين يشعرون بالذنب لقضائهم أقل وقت مع صغارهم، من ثم ينفقون المزيد من المال على سبيل الاعتذار العاطفي، وهكذا صارت الثمانينات تدعى (عقد المستهلك الطفل).. والقاعدة التي يعرفها هؤلاء هي أن ولاء الطفل مدى حياته لعلامة تجارية ما يبدأ في سن سنتين .. أي أنه يعرف رمز مكدونالد قبل أن يعرف اسمه هو نفسه. يجب أن يؤمن الطفل أن شركة مكدونالد (تهتم بي وتعرفني). لهذا السبب تشغل محلات مكدونالد نحو 8000 ملعب للأطفال في الولايات المتحدة.. هكذا تتحول هذه المحلات إلى مكان لتجمع الأسرة وإنفاق نقود أكثر؛ خاصة مع ابتكار غرف الكرات البلاستيكية والزحافات؛ لكن خبراء نفسية الأطفال في هذه الشركات يعرفون أن العنصر الأهم هو الدمى..  لقد أدى تسويق الدمى إلى بيع عشرة ملايين (وجبة سعيدة) عام 1997.. ثم جاء التكامل الأهم والأخطر مع شركة ديزني

إن مكدونالد وكوكاكولا وديزني شيء واحد كبير في الواقع.. بعد هذا جاءت خطوة غزو المدارس الأمريكية.. نتيجة لهذا قال أخصائي غذائي بارز: "لدينا الآن جيل أطفال هو الأكثر بدانة والأقل لياقة غذائية في تاريخ الولايات المتحدة"ـ

هناك تكامل آخر مهم مع شركات كوكاكولا وببيسي وشويبس.. إن مطاعم مكدونالد تحقق أعلى مبيعات للكوكاكولا، وهكذا زاد عدد السعرات التي يستهلكها المواطن الأمريكي إلى ثلاثة أضعاف. وتراجع استهلاك اللبن تمامًا.. بل إن هذه الشركات تشجع أن يُسقى الرضع المياه الغازية وقامت بابتكار (بزازة) خصيصًا لهذا الغرض

هذه الشركات فعلت كل شيء ممكن لإبقاء نقابات العمال بعيدًا عن مطاعمها، وفي العام 1973 تبين أن بعض المديرين أجبروا مستخدميهم على الخضوع لجهاز كشف الكذب لسؤالهم عن النشاطات النقابية، مع تهديد بالفصل في حالة الامتناع.. أما أصحاب المزارع ففي هم مقيم بسبب سيطرة هذه الشركات واحتكارها، حتى أن معدلات انتحارهم تفوق المعدل العام ثلاث مرات

يأخذك المؤلف بعد هذا إلى مركز تدريب مكدونالد؛ حيث الشعار هو
QSCV
 بمعنى (النوعية – الخدمة – النظافة – القيمة). هذا المركز يقدم شهادات تخرج في الهامبرجر!.. ثم يأخذك المؤلف إلى معمل سيمبلبوت في أبردين؛ حيث يتم إعداد البطاطس المقلية. سيمبلبوت هو ملك البطاطس المقلية، وهو فلاح بدأ من الصفر ثم استطاع أن يتحالف مع شركة مكدونالد بحيث تصير منتجاته جزءًا من وجباتها.. اليوم هو أكبر مالك أراض في الولايات المتحدة.. إن سر جودة هذه البطاطس هو اعتماد القلي على دهن البقر المشبع، ثم استخدام هذه الكلمة الغامضة: النكهة الطبيعية.. النكهة الطبيعية تحتكرها مصانع مجهولة تحقق واحدًا ونصف مليار في السنة، وخلطاتها سرية تمامًا.. إن هذه المصانع تقع على جانبي طريق نيوجيرسي، وتذكرك بمصانع الأسلحة الكيماوية، والعاملون في هذا المجال قلة ويميزون شغل بعضهم.. إن نكهة الفراولة مثلاً تنتج عن تفاعل 350 مادة بكميات صغيرة جدًا.. ونكهة الفيشار تسببها مادة (ميثيل 2 بريدايل كيتون).. يسخر المؤلف من عبارة (نكهة طبيعية)، فأسيتات الأميل التي تعطي رائحة الموز مثلاً يمكن استخلاصها من الموز؛ عندئذ يعتبرونها (نكهة طبيعية) بينما لو حصلنا عليها بتفاعل كيماوي؛ فإنهم يعتبرونها (صناعية) بينما هي ذات المادة.. بالمناسبة لا تطلب منظمة
FDA
ـ (إدارة الأغذية والعقاقير في أمريكا) من هذه الشركات إفشاء سر نكهاتها

بعض المعامل تنتج نكهة الزبد (الفلاحي) وبعضها ينتج نكهة البطاطس الخاصة بمكدونالد.. مطاعم بيرجر كنج تعتمد على نكهة (رائحة الدخان) التي تنتجها شركة السهم الأحمر عن طريق جمع مكونات رائحة حرق نشارة الخشب.. جرب المؤلف في شركة الروائح والمنكهات روائح العشب والزيتون الأسود والكرز والبصل والجمبري.. كل هذا بمجرد شم منديل مبلل من زجاجات صغيرة

فكرت مكدونالد في طريقة لمنافسة كنتاكي.. ماذا عن لحم دجاج في حجم ظفر اليد يمكن أكله بسهولة من دون (لغوصة)؟.. هكذا ولدت الناجت
Nuggets
عام 1979
ينتقل المؤلف بعد هذا إلى المسالخ التي يدخلها 5000 رأس ماشية يوميًا.. هناك يمشي بحذاء ذي رقبة وسط بركة دماء ليرى تعبئة الهامبرجر.. رائحة الروث تخنقه والضجيج يصم الآذان.. سير طويل تتعلق منه الماشية التي ترفس بقدميها بينما يقف رجل يسمونه (الطاعن) يشق رقبة عجل كل عشر ثوان.. هذا بعد ما يقوم رجل آخر بإطلاق طلقة هواء مضغوط على رأسها كي تفقد الوعي أثناء الذبح.. طبعًا يتعرض العمال طيلة الوقت لاحتمال طعنة قاتلة مع سرعة العمل (175 رأسًا في الساعة) .. ثمة عامل فقد إصبعين من يده لكنه عاد مضطرًا للعمل في الأسبوع التالي ليقول له المشرف: "إن كانت يدك مصابة فاستعمل الأخرى.."ـ

لقد وصف عضو الكونجرس (توم لانتوس) شركة
IBP
 لتعليب اللحم بأنها (أكثر الشركات لا مسئولية وإهمالاً في أمريكا)ـ

قديمًا قال أحد النقاد: "إن أكل الهمبورجر آمن كأكل اللحم من صفيحة زبالة"، ويبدو أن هذه المقولة ما زالت صادقة نوعًا.. إن المؤلف يحكي عن ذلك الداء الرهيب المصاحب لأكل الهمبرجر الذي اكتشف عام 1993، والذي يسبب إسهالاً داميًا وتكسيرًا للدم وفشلاً كلويًا
HUS
 بسبب بكتريا (إشرشيا كولاي).. والذين يظلون أحياء يصابون بالعمى أو التلف الدماغي.. وقد أدت تحقيقات الإدارات الصحية إلى سحب 35 مليون رطل من لحم البقر المفروم من الأسواق. هناك عشر جراثيم عرفها العلم خلال العقدين الأخيرين ارتبطت بهذه الوجبات الجاهزة.. إنها جراثيم من حيوانات تبدو سليمة ظاهريًا؛ ولكن روثها أو محتويات أمعائها لامست اللحم.. إن تلوث أدوات إعداد الطعام مذهل أحيانًا ويقول تشارلز جيربا عالم أحياء في جامعة أريزونا: "من الأكثر نظافة أن تأكل جزرة سقطت في مرحاضك من أن تأكل جزرة سقطت في حوض المطبخ"ـ

أما الكارثة الأخرى؛ فهي ناجمة عن إطعام الحيوانات الميتة للمواشي، وهو ما أدى لظهور جنون البقر في إنجلترا، أو ما يعرف في الإنسان بداء (ياكوب كروتسفلت)ـ
يذكر أبتون سنكلير قصصًا مرعبة عن فئران ميتة نقلها عامل بالمجرفة ضمن اللحم، وذبح حيوانات مريضة، واستخدام البوراكس لإخفاء رائحة اللحم الفاسد، وحديثًا صور فيلم فيديو عمال مطعم (بيرجر كنج) وهم يعطسون في الطعام، وينظفون أنوفهم بأصابعهم، ويلعقون بقايا السلطة، وينفضون السجائر في وجبات على وشك الخروج للزبائن،  بعضهم كان يبصق في الوجبات قبل تقديمها على سبيل الانتقام الطبقي، كما رأينا في قصة (نادي القتال). وعلى كل حال يتهم الكتاب الجمهوريين بأنهم يتعمدون التساهل في إجراءات فحص اللحوم خدمة لأصدقائهم من ملوك اللحوم

باختصار يعتبر المؤلف هذه الشركات (الشيطان الأكبر).. وهذا الكلام ليس من عندي؛ بل هو كلامه حرفيًا.. الكتاب كوكتيل ممتع من السياسة والاقتصاد والتاريخ وعلم المكروبات والسخرية اللاذعة، ومحاولة تلخيصه جريمة حقيقية؛ لهذا أنصحك بقراءته في أول  فرصة

دماغى كده - فى بعض الآراء الفنية - نظرية الأتومبيل و الفريرة



أقرأ الآن كتاب "دماغى كده" و هو كتاب رائع يحوى الكثير من مقالات د أحمد حول مواضيع مختلفة... و سوف نتكلم عنه فى سلسلة "قرأت مؤخرا" بعد أن أنهيه إن شاء الله

و لكن فكرت أن أعرض منه بعض المقالات التى لفتت انتباهى بشكل خاص... لثرائها أو روعتها أو أسلوبها  أو طرافتها أو لأنها لامست بعض الأوتار و تناولت بعض القضايا التى تشغلنى بشكل خاص... برغم قدمها

كفانى حديثا و لنستمتع سويا بكلام الرائع د أحمد خالد

شكر خاص للدكتور أحمد لإرساله نسخة رقمية من الكتاب خصيصا

===========================

عادت ابنتي من عند البقال حاملة زجاجة من العصير، قائلة إن عصيرها حامض .. تفحصت الزجاجة بعناية فوجدت أن تاريخ الصلاحية انتهى منذ شهرين، وهكذا ذهبت بنفسي للبقال متوقعًا أن يعتذر عن هذا الخطأ .. لكن ما أثار دهشتي هو أنه أخذ الزجاجة بلا كلمة واحدة وناولني أخرى حديثة التعبئة.  إذن هو - ذلك النصاب - كان يعرف منذ البداية !.. فقط كان الزبون طفلة في التاسعة لن تلاحظ الفارق وسوف تشرب أي شيء.. إنها ظاهرة الغش المعروفة مع الأطفال، فهم يأخذون دومًا العصير الحامض واللحم المشغت والجبن التالف والجريدة الممزقة والمقاعد المكسورة في السينما، لأن الأمر يمر على خير في 90% من الحالات

كل هذا مفهوم في مصر الحالية برغم أنه عمل لا أخلاقي لا يختلف عن اغتصاب طفل صغير لمجرد أنه لن يفهم ما حدث له .. لكن منطقهم هو: لو لم تخدع الأطفال فمن تخدع إذن ؟.. لكن إذا فهمنا الأمر مع هؤلاء النصابين فلن نقبله مع ثقافة دولة كاملة، أو مع مجلة أطفال محترمة تصدر عن دار عريقة

كنت قد وجدت أن مجلة الأطفال الشهيرة تلك نشرت ترجمة مسلسلة لرواية (المفتاح السري للكون) التي كتبها أعجوبة العصر (ستيفن هوكنج)، عالم الفيزياء البريطاني المشلول الذي يتكلم عن طريق جهاز خاص يضغط على أزراره، والذي اكتشف نظرية (الانفجار الكبير) الذي بدأ الكون، واكتشف أشياء أخرى كثيرة لا أفهمها بالضبط لأسباب ستعرفها حالاً . المهم أن الرجل كتب رواية للأطفال تمنيت أن أقرأها.. كثير من كتاب الخيال العلمي علماء أصلاً ومنهم (إيزاك أزيموف) و(آرثر كلارك) و(يوسف عز الدين عيسى) مثلاً، لكن ماذا عن رواية خيال علمي للأطفال كتبها عالم ؟. هكذا ابتعت المجلة في حماس ممنيًا عقلي بمتعة لا توصف

يا فرحة ما تمت ! .. الترجمة التي نشرت على ثلاث صفحات مستحيلة الفهم، وسوف أنقل لك مقطعًا منها بالحرف الواحد
ـ"الأولاد يسمونه جريبر الزحاف
Greeper the Greeper
وذلك لعادته الخفية بالظهور دون انذار في الأركان القصية بالمدرسة لن يسمع الا صرير خافت لحذاء سميك النعل ورائحة باهتة لتبغ قديم وقبل أن يدرك أحد يكون جريبر قد نال من أي خطة سرية تدبر للأذى. وهو
Creeper
 تعني الزحاف والكلمتان جريبر وكريبر فيهما سبح يفرك في جذل يديه الخشنتين بندوبهما لا يعرف أحد كيف توصل إلى أن يغطي كلتا يديه بآثار قشور حمراء ذات قشور تبدو أليمة وما من أحد لديه الجرأة ليسأله عن ذلك"ـ

قشور حمراء ذات قشور ؟.. يا نهار اسود !..  فاهم حاجة ؟.. إذن أنت عبقري أما العبد لله فمحدود الذكاء، ولا أفهم إلا أن هذه الترجمة تمت بأحد برامج الترجمة مثل (الوافي) وتم لصقها كما هي دون إعادة قراءة النص أو وضع نقطة أو فاصلة توحد الله.  كلنا نعرف عربية برامج الترجمة هذه .. أحدها قام بترجمة
USB
وهو الموصل المتسلسل العام - إلى (الولايات المتحدة ب) وهو ما أثار سخرية مجلة (بي سي) التي حذرتنا من أن الولايات المتحدة(ب) أخطر بمراحل من الولايات المتحدة التي نعرفها

مثال آخر مضحك ذكره الفنان الكبير (محيي الدين اللباد) عندما قرأ – في ذهول – إعلانًا حكوميًا تعلن فيه وزارة الثقافة عن جائزة لأفضل تصميم لشخصية كارتونية عربية للأطفال (ميكي ماوس).. هكذا قال الإعلان .. ويتساءل الأستاذ : ما معنى هذا ؟.. هل الحكومة تطلق اسم (ميكي ماوس) على أية شخصية للأطفال باعتبارها جميعًا (ميكي ماوسات) ؟..وكيف تكون عربية إذا كان الإعلان يفترض أولاً أن تكون الشخصية (ميكي ماوس) ؟.. الخلاصة هي أن من كتب الإعلان لا يفقه حرفًا عن ثقافة الطفل

الاستخفاف بالطفل .. طيلة الوقت .. ذات منطق البقال الذي باع العصير الحامض لابنتي

اعتدت كلما اعتبرني أحد من كتاب الطفل أن أؤكد أنني لم أبلغ بعد درجة الموهبة الكافية للكتابة للأطفال، وهم يعتبرون هذا نوعًا من التواضع الأحمق، لكنني موضوعي لا أقيم نفسي بأكثر أو أقل من حقيقتي أبدًا .  هذه هي الحقيقة .. الأطفال كائنات حساسة ذكية تختلف عنا نحن الذين اعتدنا القبح وانعدام الموهبة وبرنامج (صباح الخير يا مصر) فلم يعد يؤثر فينا شيء .. هذه الكائنات يجب أن تنال أفضل وأرقى وأجمل شيء، ولنذهب نحن للجحيم فقد اعتدنا ذلك على كل حال

اعتاد رجل الشارع أن يبتاع لابنه أوتومبيل بلاستيك و(فريرة) وعصيرًا أحمر لا يعلم إلا الله ما فيه، وهكذا يعتقد أنه قدم للطفل احتياجاته، وهذا هو ما يفعلونه على نطاق أوسع .. المطرب الذي فشل يصير مطربًا دائمًا لبرامج الأطفال .. الملحن معدوم الموهبة يلحن للأطفال .. الرسام (نص الكم) يختارونه ليرسم للأطفال .. املأ الساعات التلفزيونية بأفلام رسوم متحركة (يسمونها كارتون) فيها قط وفأر وبطة .. لا يهم ما تقول ولا يهم أن الفيلم ذاته يتكرر في كل يوم، ولا أن مذيعة البرنامج التي أفرغت زجاجة ماء أكسجين على شعرها لتبدو شقراء، تقطع الفيلم في منتصفه غير مبالية بكون الطفل يتابع القصة أم لا، فهو كائن أقل من البشر ولا رأي له  .. مجرد ملء ساعات وكل شيء بالكيلو، وما هذه البرامج والمجلات إلا صيغة أخرى من الفريرة والشراب الأحمر  أو العصير الحامض الذي أعطاه البقال لابنتي

هذه الترجمة الرديئة لقصة هوكنج ليست سوى نموذج ثالث للفريرة والشراب الأحمر

وما دمنا مع الفنان الكبير (اللباد) فلابد من ذكر سخريته من مجلة أطفال عربية غير مصرية نشرت على غلافها صورة مادونا وهي تمتص إصبعها في إغراء .. هل هذه ثقافة طفل ؟.. والأدهى أن ذات المجلة نشرت على غلافها ذات مرة صورة مبهجة زاهية الألوان لاثنين من معارضي النظام معلقين على المشنقة !.. وهي رسالة واضحة أن الذي لن يسمع كلام بابا الزعيم يا حبايبي حنعلقه في المشنقة ويصرخ: أأ آآآآ ه

على فكرة اللباد من أهم الجادين في موضوع ثقافة الطفل، وأذكر أن مجلة سمير قدمت له في أوائل السبعينات تجارب بصرية بالغة الأهمية ، منها قصة كاملة لجول فيرن رسمها بطريقة (فن البوب) وأسلوب الكولاج الذي كان سائدًا وقتها، وبالتالي ارتقى بالطفل بصريًا خطوة وهو يتابع القصة المثيرة المفيدة .. هل رأيت رسم مصطفى حسين لقصة (خيال الحقل) ؟ أو المرجع البصري الفاخر الذي قدمته دار الهلال مع قصة (الجمال الأسود) التي أطلقت عليها (مذكرات حصان)، حينما ضمت في الكتاب كل لوحة رسمت للحصان منذ فجر التاريخ ؟.. البعض يصر على أن يكون جادًا وأن يقدم الجمال الراقي، بينما يصر الباقون على أن الأطفال يجب أن يشربوا العصير الحامض

النتيجة ؟.. يمكنك أن تراها في الشوارع .. هذا البلطجي وهذا المغتصب وهذا المختلس وهذا الأفاق وهذا الخريج الجاهل .. كلهم تربوا بطريقة الفريرة

حتى أنا كاتب هذا المقال تربيت بطريقة غير بعيدة جدًا عن الفريرة، لهذا أقول لك إنني أعرف أن هوكنج اكتشف شيئًا مهمًا جدًا لكني لا أفهم ما هو بالضبط

الجدية والمزيد من الجدية في ثقافة الطفل .. إنها شيء خطير جدًا يحدد مصائر الأمم .. إذا أردنا أن نحصل على مواطن صالح يفهم ما اكتشفه (هوكنج) فإن علينا أن نبحث عما هو أفضل من صورة مادونا على الغلاف، أو تسمية كل شخصية كارتونية باسم (ميكي ماوس)، أو ترجمة النصوص ببرنامج (الوافي) دون مراجعة، أو استخدام أسفل عينة فنانين على الإطلاق لرسم قصص الأطفال. لعل هذا هو التحدي الأهم في الأعوام القادمة

Tuesday, January 26, 2010

لماذا هاجر محمد - 1




في تعليق علي أحد مقالات د. (علاء الأسواني) المنشورة علي شبكة الإنترنت، كتب أحد القراء الذي اختار لنفسه اسم (محمد) هذا الرد الذي لا علاقة له بالمقال تقريبًا، وهو أقرب إلي قصيدة عامية حارقة الصدق، مفعمة بالشجن، حتي لتوشك أن تري الدموع تتفجر من عيني الشاب وهو يكتب: « ح أهاجر استراليا !!! جاتلي الموافقة خلاص وح آخد فيزا الإقامة !! أخيرا ح أهرب من المعتقل الكبير اللي اسمه مصر وأهرب من أمن الدولة والداخلية وأبعد عن السحابة السودا والتلوث بتاع القاهرة المصنفة رقم 1 عالميا في معدلات التلوث وأروح أعيش حيث الهواء النقي والمياة العذبة، أخيرا ح أهرب من الزحمة والحر والتحرش الجنسي وقلة الأدب وعدم النظام والعشوائية والتدين الزائف والتليفزيون والجرايد اللي تجيب التخلف العقلي..!! وأهو الواحد يبعد عن «جهنم الله في الأرض» اللي بنتعذب فيها من يوم ما إتولدنا علي ذنب لم نقترفه، وعلي فكرة أنا كنت عاشقاً لمصر وعمري ما تخيلت أني ممكن أكرهها، لكن الواضح أنه صعب تحب حد مابيحبكش والبلد دي مابتحبش اللي مش حزب وطني»ـ

هذا التعليق القصير هو شهادة رسوب مليئة (بالكعك) لجيل كامل نجح في أن يحول مصر إلي جهاز طرد مركزي يقذف هذه الثمار اليانعة بعيدًا. هذا هو التعليق الذي راق للبعض لدرجة أنهم سألوا الشاب عن إجراءات الهجرة لأستراليا فرد عليهم .. منذ عشرين عامًا لم يكن أحد يتصور أن يكتب شاب متزن هذه الكلمات، ما لم يكن واقفًا أمام السفارات الأجنبية يعرض خدماته كجاسوس مثلاً. بالعكس، واضح أن كاتب هذا الخطاب شاب وطني تربي جيدًا؛ لكنه لم يتحمل الجهد العصبي اللازم للمقارنة بين ما كان يحق له وما حصل عليه فعلاً.. «أي مكان غير الوطن».. هذا هو ملخص تلك القصيدة الأليمة، وليس من السهل علي أي واحد فينا أن يزعم أنه بلا خطايا فيقذف هذا الطبيب الشاب بحجر

لماذا هاجر (محمد) ؟.. هناك عوامل طرد كثيرة جدًا تفوق عوامل الجذب، كلنا يعرفها لكننا سوف نختلف فقط بصدد الترتيب. بالنسبة لي أعتقد أن العامل الأول هو مناخ الاحتقان الطائفي

في نفس هذه الفترة وقع حادث (نجع حمادي) الأليم، والذي تحوم حوله علامات استفهام كثيرة جدًا. علي بريدي الإلكتروني أرسلت لي صديقة مسيحية صورة شاب وسيم مفعم بالحياة، مع أبيات شعر تفتت الأكباد تصف مصرعه ليلة العيد . هذه الأبيات يتداولها الأقباط ليبقي الجرح مفتوحًا.. ماذا ستقول أنت وماذا ستكتب لو قتل قريبك وهو خارج من صلاة عيد الفطر؟

منذ متي يقتل المسجلون خطرًا المسيحيين لدي خروجهم من الكنيسة؟ ما سر هذه الحماسة الدينية المشبوبة؟ إذن الأرجح أن هؤلاء الفاعلين تم استئجارهم ليفعلوا ما فعلوه. السؤالان الأهم هما (من)؟.. و(لماذا)؟. مما تناثر من كلام ومعلومات يبدو أن الصراع الطائفي جبل من جليد لا نري سوي قمته، بينما هناك فعلاً تحت السطح أشخاص يهمهم أن يحتدم هذا الصراع ويشتعل. الآن نحن فعلاً في نقطة الخطر ويجب أن نراجع كل ما دار وما قمنا به وتحمسنا له طيلة ثلاثين عامًا

كما في السينما تتداعي مشاهد فلاش باك إلي ذاكرتي .. مشاهد لم أدرك حجمها الحقيقي إلا في هذا العقد.. لن أبدأ القصة بالكلام عن أننا إخوة وأن جارتنا المسيحية في طفولتي كانت تساعد أمي في إعداد كعك العيد، وكانت تعتبرني ابنها فعلاً.. كل هذا صحيح ودقيق تمامًا، لكنه قيل كثيرًا حتي بهت لونه وفقد مذاقه فصار كصورة الشيخ جوار القس الشهيرة: لا معني لها. كنا كذلك لكننا بالتأكيد لم نعد. وكما قال لي صديق مسيحي: «لو كانت الأمور طبيعية حقًا لما راحوا يلتقطون الصور.. أنا لم أقتن قط صورة لعناقي مع أخي لأثبت أننا متحابان!». كلما وقع حادث طائفي ظهر المتحمسون علي شاشات التليفزيون، يقولون واللعاب يتطاير من أفواههم: «كلنا إخوة.. عمرنا ما قلنا مسلم ومسيحي ..» . حتي إنك تتساءل: كلهم ملائكة فمن أين يأتي التطرف إذن ؟.. ومن سيكون المسئول عن الحادث التالي؟.. يبدو أنني المتعصب الوحيد في هذا البلد إذن

أراني في الثمانينيات أتنزه مع ابن أختي الطالب في السنة الأولي الابتدائية بمدرسة دينية فائقة الشهرة. معنا صديق مسيحي .. يدور الكلام عن قريبة له اسمها (ماريان). هنا يلتفت ابن أختي في ذهول وقد اتسعت عيناه البريئتان. ثم يتساءل: «اسمها ماريان؟.. يعني مسيحية؟»ـ

أبتسم ويبتسم صديقي ونحاول تخفيف الحرج، فأقول له إنها مسيحية وعمو كذلك مسيحي.. ينظر له غير مصدق ولا يرفع عينيه عنه طيلة الطريق، ثم ينظر لي بإعجاب لأنه لم يكن يعرف أنني أتعامل مع هذه الكائنات الفضائية. يسهل معرفة ما يقال للطفل عن المسيحيين في المدرسة ما دام ينظر بهذا الذهول لصديقي. لا أحتاج لخيال كبير

مشهد آخر لمشاجرة في الكلية بين طالبين .. أحدهما بطل كمال أجسام وجه لكمة عنيفة لعين الآخر فكاد يفقؤها .. ذهب الطالب الضحية وذهبنا معه إلي مكتب حرس الجامعة لنشكو هذا السلوك غير المتحضر. تحمس المقدم وبدأ يحرر محضرًا.. ثم عرف اسم الطالب الذي وجه الضربة.. إنه مسيحي. هنا مزق الورقة وقال لنا في جفاء

«إنتوا تحلوا الموضوع مع بعض.. لو مشيناها رسمي كلكوا حتروحوا في ستين داهية!»

طبعًا كان فهم الموقف مستحيلاً لنا.. هناك طالب ضرب طالبًا آخر في عينه، لكن المضروب لن يأخذ حقه لأن ضاربه من دين مختلف، ولأن أحدًا لا يريد وجع دماغ

أذكر جيدًا صحوة الجماعة الإسلامية في الجامعة في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وكيف سادت قناعة عامة أن مجافاة المسيحيين ركن من أركان الدين.. لن يروق هذا الكلام لكثيرين، لكنني كالعادة أقول ما رأيت وما سمعت فعلاً. كنت أمشي مع ذلك الصديق (مشروع الداعية) يقنعني بأن عليّ ألا أبدأ المسيحيين السلام أو أهنئهم بأعيادهم، وأنا أقنعه بأن تهنئة المسيحيين بعيدهم لا تعني أنني ذاهب لتلقي العماد غدًا، هنا مررنا بذلك الجمع الواقف من أصدقائي المسيحيين .. لحظة من الحرج والارتباك ثم فضلت الصمت وواصلنا المشي. قابلتهم بعد ذلك فهنأتهم بعيدهم، فقال لي صديق مسيحي يدعي (توماس) في لوم حزين لا شك فيه

«شكرًا لك.. لكن لماذا لم تقل هذا عندما مررت بنا صباحًا؟»

كان درسًا قاسيًا تعلمت بعده أن عليك أن تكون شجاعًا وتتصرف حسب قناعاتك.. تعلمت كذلك أنهم يعرفون ما يُقال عنهم جيدًا.. تلك هي المشكلة.. قديمًا قال الخواجة نيوتن إن لكل فعل رد فعل، مساويًا له في المقدار ومضادًا له في الاتجاه، من أنت حتي تتحدي قوانين الطبيعة؟

في الحقيقة كانت ثقافة معاداة الآخر تنمو بلا توقف، جاء بها العائدون من مجتمعات لم تعرف الآخر إلا خادمًا هنديًا أو فني تكييف فليبينيًا.. لم تجرب قط معرفة الآخر الذي تلعب معه في الحارة، ويخطف منك الكرة في فناء المدرسة الابتدائية، ويقف معك في طابور الخبز.. الآخر الذي حارب معك في خط بارليف، واهتزت به الأرض معك يوم الزلزال، ووثب راقصًا عندما أحرز الخطيب هدف الفوز.. إنه ليس آخر.. إنه أنت بطريقة أخري

الطبيبة المسيحية التي تعلق الصليب علي صدرها وتدخل نقابة الأطباء لتسأل عن شيء ما فلا يرد عليها أحد.. الموظف يكلمها دون أن ينظر لها. لكن عندك رد فعل مماثلاً علي الجانب الآخر.. لماذا لا يردون سلامي في المدرسة ذات الإدارة المسيحية التي يدرس فيها ابني؟. الموظفة المسيحية التي تأخرت عن العمل للمرة الثالثة ورفض رئيسها أن يسمح لها بالتوقيع.. إنه بالصدفة ملتح.. بعد دقائق كانت تتجه إلي مباحث أمن الدولة لتحرر محضرًا عن الاضطهاد الديني الذي يمارسه رئيسها المتطرف. وهي تعرف أنهم سيصدقونها

أسلوب غير متجانس ومحير في التعامل مع المسيحيين وهو غير صحي في الحالتين تعصب في الشارع لا شك فيه، وتدليل في الجهات الحكومية لا شك فيه أيضًا

وللكلام بقية

Monday, January 25, 2010

دماغى كده - فى بعض الآراء الفنية - أيها القارئ العربى... أنت غدائى



أقرأ الآن كتاب "دماغى كده" و هو كتاب رائع يحوى الكثير من مقالات د أحمد حول مواضيع مختلفة... و سوف نتكلم عنه فى سلسلة "قرأت مؤخرا" بعد أن أنهيه إن شاء الله

و لكن فكرت أن أعرض منه بعض المقالات التى لفتت انتباهى بشكل خاص... لثرائها أو روعتها أو أسلوبها  أو طرافتها أو لأنها لامست بعض الأوتار و تناولت بعض القضايا التى تشغلنى بشكل خاص... برغم قدمها

كفانى حديثا و لنستمتع سويا بكلام الرائع د أحمد خالد

شكر خاص للدكتور أحمد لإرساله نسخة رقمية من الكتاب خصيصا

===========================

في كل عام بعد الامتحانات، ولأنني أتظاهر بأنني أب متفان، يكون علي أن أصحب الولد ابني إلى سور الأزبكية لأبتاع له بعض القصص المصورة الأمريكية التي يهواها، والتي تُباع وهي طازجة بسعر الذهب وتُباع وهي قديمة بثلاثة جنيهات للمجلة.  برغم هذا أدفع مبلغًا محترمًا، مما يدفعني لمراقبة الولد على أمل أن أكتشف أنه لا يقرأ وإنما يشاهد الصور، من ثم أخرب بيته.. لكني في كل مرة أجده يقرأ فعلاً.. يبدو أن إنجليزيته ليست سيئة إلى الحد الذي ظننته

لا أعرف سر الجاذبية في هذه القصص ولا ما يشد الشباب لها. كتبت ذات مرة أن هذه القصص تنطلق من فرضية أن كل مواطن أمريكي يخفي ثيابًا سرية تحت بذلته .. تتوتر الأمور فيهرع لغرفة سرية ليبدل ثيابه ويطير في الهواء ليمنع الطائرة من السقوط أو الجسر من الانهيار.  ظللت طويلاً أحاول فهم كيف أن سوبرمان يخفي بذلة كاملة وفردتي حذاء في عباءته وبرغم هذا هي ترفرف أثناء الطيران كالعلم. حشد لعين من سوبرمان والوطواط والرجال إكس والعنكبوت وفتى الجحيم والعملاق الأخضر والأربعة المذهلين ..الخ كلهم ضخم كالثيران متفرغ للضرب طيلة الوقت، حتى خطر لصانعي القصص أن يضموهم في تنظيم واحد اسمه
JSA
 أو (رابطة العدل الأمريكية)، وهم يعبرون لبعضهم من مجلة لأخرى .. لا تنس أنهم أمريكيون وأنهم السلاح السري لأمريكا الذي يمكنها أن تحطم به أمثالنا.  ولا تنس أن القصص الأخيرة للرجل الحديدي تدور كلها في العراق، وفيها يوسع المقاومة العراقية ضربًا وقهرًا

كانت هذه القصص تترجم بشكل منتظم في الماضي، وهناك حاليًا محاولات غير منتظمة لترجمتها، بل إن بعض المصريين أصدروا صيغتهم الخاصة من تلك القصص (أبطال العرب الجبابرة). نفس الرسم والأفكار والجو .. فقط صار اسم الأبطال (آية) و(راكان).. الخ

أمسكت بعض هذه المجلات لأقرأها فلم أفهم شيئًا .. إن المجلة التي في يدك دائمًا تتمة لحلقة أخرى سابقة لن تجدها أبدًا، والنهاية ليست نهاية لأن هناك حلقة أخرى قادمة لن تجدها أبدًا. تحاول فهم المجلة التي بين يديك كوحدة مستقلة فلا تفهم شيئًا بسبب طريقة مربعات التعليق القصيرة المتلاحقة في الصفحة الأولى
–  "كان الكمين كاملاً.." – "بعد انهيار جالاكتيكا" – "كل شيء ..." – "لكن الأمر ..." – "إنها تتماسك "–  "ولكن ...."–
كل هذه التعليقات المتلاحقة على صورة كبيرة للبطلة وهي تبكي فوق جرف صخري
تحت قدم البطلة تجد أسماء .. قصة فلان .. رسم بالقلم فلان.. تحبير فلان.. تلوين فلان..حروف فلان..  النشر فلان..  الموضوع لم يعد لعبًا إذن إنما هناك خط تجميع كامل كخطوط تجميع السيارات، لأنهم بحاجة إلى كم هائل ولا يحتاجون إلى عمق أو فن .. لكن لماذا يصر الأخ المسئول عن الحروف على استعمال حروف (كابيتال) دقيقة عسيرة القراءة ؟ .. يبدو أن هذا قانون لا يمكن تغييره

تقلب الصفحة فترى فتوة مثل فتوات أحمد حلمي هو الرجل الأخضر، ينقض على امرأة تشبه البلدوزر الذي تحول لصاروخ، وهو يصيح: "سأحطم رأسك أيتها المرأة الثعبان .." وهي بدورها تنقض عليه وتقول: "سترى أيها الأخضر .."ـ
أين ذهبت المرأة الأخرى التي كانت تبكي على الصفحة الأولى ؟.. لا تعرف ولن تراها ثانية طيلة القصة . هذه مشكلتك أنت

وهكذا يستمر الضرب والركلات على مدى عشرين صفحة مزدحمة بالتفاصيل والحجارة التي تطير في وجهك .. بذخ رهيب في الألوان والطباعة وخامة الورق والفنان يستخدم الصفحات كأنه لا يوجد غد .. يعني ممكن أن تجد قبضة الرجل العنكبوت في صفحة واحدة كلها..  هؤلاء لا يعانون مشاكل الفقر التي تعانيها مجلة سمير التي تحشر 16 كادرًا في الصفحة. ونلاحظ ظاهرة غريبة هي أن قدم أي بلدوزر من هؤلاء لم تمس الأرض طيلة القصة .. كلهم في الهواء منذ أول كادر حتى آخر كادر حتى لو لم يكونوا قادرين على الطيران.  ثم أن هؤلاء الناس عندما يتشاجرون يتبادلون عبارات مزاح سخيفة على غرار: "لقد انتهى أمرك !" فيرد: "وأنت صرت غدائي .!".. عبارات طويلة جدًا بالنسبة لشخص يسقط من السماء أو يضرب بقبضته .. لكنك تقبل هذا

لا تعرف متى ولا كيف انتهت القصة، لكنك تكتشف أن (موردو) يراقب هذا كله على شاشته ويضحك في وحشية ، وتعرف أنه ينوي التدخل .. القصة لم تنته إذن .. تابعوا معنا الجزء الثاني (الجميع ضد موردو)ـ

هذه القصص باختصار لا تنتهي أبدًا ومن المستحيل أن تعرف متى وكيف بدأت

من حق المواطن الأمريكي أن يقرأ ما يريد ويستمع به، حتى لو كانت صفحة الوفيات. وعلى كل حال لقد نجحت السينما مؤخرًا في تحويل فن الستريبس إلى منجم ذهب لصانعيه من أمثال (ستان لي) و(فرانك ميلر) و(مايك مينولا) و(بوب كين).. إن إيمان المنتجين الأمريكيين بفن الستريبس الرديء كمصدر للأفلام بدأ بدينو دي لورنتيس مع فيلم (بارباريلا) واستمر حتى اليوم

لكن ماذا عنا نحن ؟.. ما الذي يروق لنا في هذا الهراء إلى درجة أن نقوم بتقليده وترجمته ومحاكاته الحرفية ؟.. هناك تجارب أكثر نضجًا في الستريبس الأوروبي تستحق المتابعة بحق لكن لا توجد دور نشر تهتم بها أو تتولى ترجمتها، بينما هناك أكثر من مجلة صدرت في العالم العربي تحاول أن تجعل القارئ العربي يتذوق روعة الرجل العنكبوت والوطواط وسوبرمان وثورمان وإكسمان. وما الذي نتوقعه من الطفل المصري الذي تكونت ثقافته من (سأحطم رأسك أيتها المرأة الثعبان) و(أنت غدائي).. ؟

قررت أن أبدأ بنفسي فأخبرت ابني أنني لن أشتري له هذا الهراء ثانية. لم يعلق وراح يسلي نفسه برسم قصص مصورة قريبة جدًا من أسلوب تلك المجلات. أمس وجدت صورة رسمها على مكتبه .. لا أدري لماذا يبدو لي ذلك الرجل ذا النظارة والشعر الأكرت الذي يهشم العملاق الأخضر رأسه مألوفًا؟

ارتجفت وأنا أتخيل رابطة العدل الأمريكية بفتواتها المرعبة تطير في الهواء لتحطم رءوس كل فناني الستريبس عندنا ، ثم تنقض على عقول أطفالنا وهي تصيح: انتهى أمرك أيها القارئ العربي.. أنت غدائي

Sunday, January 24, 2010

لو كان الفأر رجلا


رسوم: فواز

المدير: امسكوه!.. الفار ده يساوي 3 مليون جنيه


Saturday, January 23, 2010

دماغى كده - فى العلم الزائف - هؤلاء النصابون الكبار و ابتكاراتهم العبقرية



أقرأ الآن كتاب "دماغى كده" و هو كتاب رائع يحوى الكثير من مقالات د أحمد حول مواضيع مختلفة... و سوف نتكلم عنه فى سلسلة "قرأت مؤخرا" بعد أن أنهيه إن شاء الله

و لكن فكرت أن أعرض منه بعض المقالات التى لفتت انتباهى بشكل خاص... لثرائها أو روعتها أو أسلوبها  أو طرافتها أو لأنها لامست بعض الأوتار و تناولت بعض القضايا التى تشغلنى بشكل خاص... برغم قدمها

كفانى حديثا و لنستمتع سويا بكلام الرائع د أحمد خالد

شكر خاص للدكتور أحمد لإرساله نسخة رقمية من الكتاب خصيصا

===========================

-1-

أخيرًا شاهدت حلقات البرنامج الأمريكي (هراء) الذي أرسل لي صديقي الكويتي حلقات موسم كامل منه .. (هراء) أو (فضلات ثيران) هي الترجمة المهذبة لاسم البرنامج البذيء، والذي يقدمه اثنان من المشعوذين الظرفاء سليطي اللسان هما (بن) و(ستيلر) اللذان قررا أن يكرسا حياتهما لمحاربة الخرافة والسخف والنصب .. نفس الدور الذي لعبه منذ مائة عام مشعوذ آخر هو (هوديني) على أساس إن (حبل على حبل مايبرمش) كما يقولون عندنا

 الحلقة التي استلفتت نظري تدور عن الطب البديل .. يمكنني اليوم أن أستعمل الكلمة بحرية بعد ما فضل د. (محمد المخزنجي) استعمال لفظة (الطب المكمل).. منذ البداية يقول مقدم الحلقة في استمتاع: "نحن نبحث عن الهراء .. وما دمنا نتكلم عن الطب البديل فالمشكلة هي: من أين نبدأ ؟"ـ

ويأخذك البرنامج في رحلة ممتعة بين هذا النصاب الذي يجوب الولايات المتحدة بشاحنة، ويقوم بتدليك القدمين بجهاز يحدث ذبذبة معينة تدغدغ القدم، ويتقاضى 55 دولارًا في الساعة.. يطلقون على هذا النوع من العلاج اسم
reflexology
 ويقضي بأن كل أعضاء الجسم لها جزء يمثلها في القدم .. ثم يأخذك البرنامج إلى المعالجين بالمغناطيس .. هناك مغناطيس لكل عضو من أعضاء جسدك، والفكرة هي تصحيح مغناطيسية جسمك المختلة .. يؤكد الدكتور المتحمس لهذه الطريقة - وكلهم يحملون لقب دكتور على فكرة -  أن رسم المخ الكهربي أظهر انخفاض معدلات التوتر لدى من عولجوا بهذه الطريقة.. هنا يذكرنا البرنامج بأن رسام المخ الكهربي لا دور له في قياس التوتر .. ويعلق أحد أساتذة الأمراض العصبية أن أجسامنا لا تعمل بهذه الكيفية ولا دور للمغناطيس فيها.. هناك جو علمي مهيب حول الموضوع لكن الحقيقة هي أنه مجرد هراء

بعد هذا نرى الـ
Chiropractor
وهو نصاب آخر يعالج بفلسفة تقوم على أن كل الأمراض تنجم عن ارتخاء الفقرات . لهذا يمارس هذه العملية التي هي أقرب للتدليك العنيف جدًا .. يعترف الرجل الذي يزعم أنه حاصل على الدكتوراة بأنه أجرى هذه العملية العنيفة على طفل عمره شهر واحد ليعالجه من الإكزيما

هكذا ينتقل البرنامج من هراء لآخر، وفي النهاية يلتقي بعالم كتب عن هؤلاء النصابين كتابًا اسمه (الفودوو العلمي). يقول هذا العالم إن  الأمر كله يعتمد على الإيحاء ورغبة الشفاء لدى المريض .. ثم يصف كل هذا الذي يحدث بعبارة قاسية هي : "إنه مجرد استمناء فكري !"ـ

نترك هذا البرنامج الشائق ونثب إلى مصر التي تفشى فيها سرطان الطب البديل .. قد يطيب للنفس أن تتأسى بحقيقة أن هذا النصب يجري في أكثر دول العالم تقدمًا، لكننا نقول إن هناك فارقين مهمين بيننا وبينهم.. الفارق الأول هو أن طريقتهم العلمية صارمة وثابتة .. يستعملون المقاييس التي وضعها كانط وديكارت وليسوا على استعداد للتخلي عنها .. لن تتكلم مجلة طبية محترمة عن العلاج بالمغناطيس، ولو تكلمت لقامت بإجراء دراسة مقارنة مع مجموعة ضابطة تخضعها لعلم الإحصاء الذي لا يكذب .. هكذا يظل الخط واضحًا بين ما هو علم وما هو علم زائف، بينما عندنا يطرد العلم الزائف العلم الحقيقي، ولم يعد من الغريب أن يطلب منك المريض ألا تكتب له علاج السكر لأن معالجه نصحه بعدم تعاطيه !.. هناك أطباء يبيعون الأعشاب في عياداتهم أو خلائط غريبة من مساحيق ركبوها بأنفسهم .. عرفت طبيبًا ظل يعالج سرطان المستقيم بأن يسكب فوقه العسل الأبيض يوميًا، وبعد ما مات المريض كان رأيه هو أن العسل (مش قطفة أولى)ـ

الفارق الثاني هو أنهم لم يربطوا هذا النوع من الطب بالدين، وبهذا لم يضعوا درعًا واقيًا حول ادعاءاتهم يصعب أن تخترقه... عندما يبتكر طبيب مصري نوعًا من قطرات العين مستخلصًا من العرق، ويزعم أنه يعالج المياه البيضاء لأن قميص سيدنا يوسف أعاد البصر لأبيه، فإنه قد ضمن رواج المنتج أولاً، ووضع حول نفسه سياجًا منيعًا ثانيًا .. من يخترق هذا السياج ليتشكك، يبدُ أمام الناس كأنه يعارض صحيح الدين، برغم أن ما حدث من عودة بصر الكفيف معجزة إلهية، وإنكار قدرة العرق على شفاء المياه البيضاء لا علاقة له بالدين

برغم الطابع المحلي القوي للعلم  البديل، فإن رأيي الخاص هو أن ما حدث في الأعوام الأخيرة نصر آخر للعولمة .. ربما تم هذا شعوريًا أو لا شعوريًا، لكن هناك من الأذكياء من درس تجارب نصابي الغرب وعرف كيف يصنع قرشين منها .. هكذا بدأت ظواهر المعالجين الروحيين تتسرب لنا .. تسرب لنا الكثير من الطب البديل .. برامج مريم نور التي تمزج الشامانية بالمانوية باليوجا في خليط واحد خلاب ... ظاهرة الداعية التلفزيوني الوسيم الأنيق .. أليست تكرارًا لظاهرة الواعظ النجم البروتستانتي في الغرب ؟، بينما تراجعت مكانة رجل الدين العالم الأزهري الذي يعرف ما يتكلم عنه حقًا ..  حتى الطريقة (الكارنيجية) في الوصول للثروة والنجاح في الحياة وجدت من يتلقفها عندنا

ثمة سمة عامة تجمع هؤلاء جميعًا .. من الصعب أن تكون مقنعًا ما لم تكن مقتنعًا .. لهذا هم يجمعون بين الاقتناع والإقناع، فلا أعتقد أن أحدهم ينفرد بنفسه خلف الستار ليضحك قليلاً قبل أن يعود لمواجهة الجمهور .. بالنسبة لهم ما يقومون به جم الفائدة ..  حقيقة تتأكد لدى كل منهم وهو يجتاز مدخل البنك ليصرف الشيك الخامس في شهر واحد ..  هل هناك شيء أكثر فائدة ؟

هم شرسون جدًا في الدفاع عما يزعمون، وهذا قد يصل درجة التوحش أحيانًا ..  هذا طبيعي لأنك في الواقع تحاربهم في صنعتهم ورزقهم الذي جعلهم نجومًا وحقق لهم كل هذه الأرباح ..  جرب أن تطلق الشائعات عن بائع الفول الذي يقف بعربته عند مدخل شارعكم، وسوف يمزقك أو يدلق قدر الفول فوق رأسك.. وكما قال لي سائق سيارة تاكسي ذات مرة: آل يا واخد قوتي يا ناوي على موتي

طيف هذه الألاعيب واسع ممتد يبدأ بعلاج الالتهاب سي بالحمام، وينتهي بنشاطات راقية متحذلقة مثل البرمجة اللغوية العصبية.. إنها دائرة شيطانية أخرى تدور كالتالي: الناس تريد معلومات أكثر عن هذه الألعاب الجديدة .. الفضائيات تقدم للناس ما يريدون .. يولد المزيد من النجوم الذين يصير لهم أتباع أكثر .. هؤلاء الأتباع يطلبون المزيد من الألعاب الجديدة

-2-

تعليقًا على مقال الأسبوع الماضي، وصلتني بعض خطابات تدور حول ذات المنطق تقريبًا، ومنها هذا الخطاب لصديق لن أذكر اسمه لأنني لم أطلب إذنه في النشر : "منذ أيام مرض والدي ودخل المستشفى وأجرى قسطرة في القلب، وعرفت أن ثمن قسطرة القلب عشرين ألف جنيه وآشعة الرنين المغناطيسي تكلف 450 جنيه وهناك أدوية وحقن سعرها 100 جنيه أو أكثر، والإقامة ليلة واحدة في المستشفى تكلف أكثر من 200 جنيه .. هل تعتقد أن من يجرون وراء الأوهام يجرون بخاطرهم ؟! إنهم لم يجدوا شيئًا أفضل وأرخص ليجربوه، أنا مستعد أن أبلبع كل أنواع الأعشاب إذا مرضت ولم أجد لي علاجا أو كنت لا أملك ثمن العلاج !!! ........ الناس معذورة في الجري وراء الطب البديل ، العلاج والدواء والآشعات والعمليات ثمنها غال جدا ، ولا يقدر عليها أكثر الناس ...........من لا يجد العلاج أو من لا يملك ثمن العلاج من حقه أن يجرب كل شيء وأي شيء ما لم يكن حرامًا "ـ

الحقيقة إنني لا أستطيع أن أرغم نفسي على قبول هذا المنطق ..  إذا كان هناك أطباء جشعون بلا رحمة، وإذا كانت هناك أمراض بلا علاج، فليس الحل هو أن أجري في الاتجاه المعاكس لأنفق القليل الذي أملكه عند أباطرة الطب الزائف الذين لا يملكون ما يقدمون .. كأن المال نوع من الطاقة يجب أن تخرج في هذا الاتجاه أو ذاك .. لا تعط الأطباء مالك .. أعطني إياه وضع ثقتك بي

وبرغم هذا فإنني لا أرى شيئًا رخيصًا في هذا كله.. المصابون بداء السكري ينفقون الكثير فعلاً على علاجات الأعشاب عديمة النفع، برغم أن علاج السكر المحترم العلمي ليس باهظًا إلى هذا الحد .. إنهم ينفقون الكثير على العلاج بالحمام والأوزون والآشعة تحت الحمراء .. لكنهم يدفعون هذه الأموال في رضا تام ويمكن أن يتشاجروا معك لو فتحت فمك معترضًا .. هذا في رأيي يعود إلى سلوك إنساني طبيعي، هو أن الإنسان لا يقبل أن يعترف بأنه قابل للخداع أو إنه خُدع فعلاً

يتحدث أباطرة الطب البديل عن الإبر الصينية رابطين بينها وبين ما يروجون له من هراء.. قل لهم إن الإبر الصينية درست دراسة مدققة منذ زيارة نيكسون للصين في أوائل السبعينات، وهناك رسائل دكتوراة عليها في كل مكان بالعالم، ولسوف تجدها في مجلات من وزن (لانست) و(بي إم جي)، وهي جزء مهم من مقرر علم وظائف الأعضاء لدى أي طالب طب.. فقط عندما يقرر بعض الأباطرة أن يزيدوا طيف التكسب ليجعلوها تشفي من سرطان الكبد ومن الالتهاب سي ومن تلف صمامات القلب، مع الهراء المعتاد الذي لا يمكن إثباته: "الإبر الصينية تزيد المناعة عن طريق تنشيط الخلايا المساعدة (ت) وتزيد إفراز مواد معينة منشطة للمقاومة " .. إلخ .. هنا فقط تسمع النغمة المألوفة وتعرف أن العلم قد صمت، بينما تكلم المال

المريض قد يئس من الطب التقليدي ويريد تجربة أي شيء بأي ثمن .. جميل جدًا .. هذا بالضبط هو الصيد الذي خرج هؤلاء القوم للظفر به .. هذا هو مصدر رزقهم، ومن ورائه سيبنون العمارات ويركب أولادهم البي إم دابليو و يقتنون شاليهات الساحل الشمالي.. سوف يعيش كل منهم على الفضائيات، وسوف ينشر كتابًا يبيع مليون نسخة،  وسوف يخصص خطًا هاتفيًا للرد على الاستفسارات .. كل هذا بثمن طبعًا .. ليس هبة ولا تبرعًا

يعتمد هؤلاء كذلك على نقطة نفسية مهمة هي ارتفاع نغمة الشك في الأطباء والتحفز ضدهم في وسائل الإعلام .. لا يمر يوم من دون أن تقرأ عن الطبيب الفلاني الذي نسى الفوطة في بطن المريض، أو سرق كلية مريض، أو أعطى المريض علاجًا خاطئًا .. هكذا يزداد اليقين لدى المريض أن الأطباء مجموعة من الجهلة الجشعين الذين يسرقون مالك وأعضاءك .. هم دائمًا غير موجودين في المستشفيات فإذا تواجدوا ارتكبوا الأخطاء المهنية القاتلة .. إذن أين المفر ؟.. المفر الوحيد هو ذلك الأخ الذي يظهر على الفضائيات ويعالج السرطان بالأعشاب

مثلاً في برنامج تلفزيوني جماهيري منذ عدة أعوام، ظهر الفنان سمير الاسكندراني ليحكي قصته مع نوبة ارتفاع ضغط أصابته، فذهب إلى المستشفى حيث أعطاه الطبيب نوعًا من الكبسولات تحت اللسان، والنتيجة أنه شعر بصداع مروع مع زغللة عينين واحمرار في الوجه .. حكى القصة بطريقة درامية - مع الكاريزما الفائقة التي يتمتع بها - باعتبارها حلقة أخرى من مسلسل  إهمال الأطباء وجهلهم .. كل طبيب يعرف أن هذا أثر جانبي معتاد لعقار (نيفيدبن) الذي وضعوه تحت لسانه لإنقاذ الموقف، وكانت هذه أفضل سياسة طبية (في ذلك الزمن) .. الصداع وزغللة العينين لا معنى لهما سوى أن العقار بدأ يعمل .. لكن البرنامج قد أعد أصلاً لالتهام سمعة الأطباء والشك فيهم، ولا يمكن أن يسمح لطبيب بأن يفسد هذه الوليمة

كل طبيب يعرف ذلك المريض الذي يقصده في المستشفى المجاني طالبًا استشارته، فيفحصه الطبيب ويقضي معه وقتًا طويلاً ثم يكتب له العلاج.. هنا يبرز المريض روشتة أخرى من جيبه ويسأل: "لقد سألت زميلك الفلاني منذ قليل وكتب لي هذا..  فما رأيك ؟" .. هكذا هو يجرب الاستزادة من وقت الأطباء وجهدهم على سبيل (الاستخسار)، ولأنه لا يثق في كليهما، وفي الوقت ذاته يحاول أن يجعل اللصين يختلفان لتظهر البضاعة المسروقة .. نفس المريض يذهب في سعادة وحماس إلى عيادة طبيب يأخذ مائتي جنيه في الكشف، وينفذ كل ما يطلبه الطبيب عن طيب خاطر، لأن ما هو مجاني لا قيمة له

هل المنشفة المنسية في الجرح مسئولية الجراح ؟.. كلنا حضر العمليات الجراحية ورأى كيف تبتل هذه المنشفة بالدم فلا تختلف عن الأنسجة البشرية الدامية في شيء.. هنا يأتي دور ممرضة العمليات المسئولة عن عد المناشف.. يقول الجراح للممرضة في نهاية الجراحة وقبل أن يخيط الجرح: "عدي فوطك .." .. فتعدها لتتيقن من أن العدد الذي معها هو العدد الذي بدأتْ به الجراحة .. هنا فقط يبدأ خياطة الجرح .. عندما تجد منشفة منسية بعد هذا فهل هي مسئولية الجراح الذي يتحمل مائة مسئولية أخرى، أم هي مسئولية ممرضة العمليات ؟.. لماذا نتكلم عن مسلسل إهمال الأطباء، ولا نتكلم عن داء الاستسهال والإهمال لدى الإنسان المصري ؟

لا أعني بهذا أن الأطباء مجموعة من الملائكة .. هم جزء من المجتمع يتلف بتلفه .. جرب أن تتعامل مع موظف في مجلس المدينة أو الكهرباء أو السجل المدني أو التعليم الثانوي، ولتر إن كان يقظ الضمير يقوم بواجبه خير قيام أم لا ؟..  أنت تطالب الطبيب بأن يتقاضى مائتي جنيه في الشهر ويهش لك ويبش، ولا ينشغل بعيادته،  ويتابع أحدث الاكتشافات العلمية، ويكون موجودًا متى أردته .. بأمارة إيه؟.. بأمارة إن الطب مهنة إنسانية طبعًا .. وهل هذا يعني أن الطبيب ليس إنسانًا ذا حاجات ؟

برغم هذا هناك أمثلة إيجابية لا تنتهي .. كلنا يعرفها .. لكن هذه الأخبار غير مثيرة صحفيًا من منطلق أن خبر (عض الرجل الكلب) يبيع أفضل من (عض الكلب الرجل)، وكما يقول (آثر كلارك): "لابد إن جرائد المدينة الفاضلة مملة جدًا بالتأكيد"..  لكن مسلسل الشك هذا يؤدي بالضرورة إلى رواج الطب البديل وثراء أباطرته ، دعك من أن العلم بطبعه كئيب لا يعد إلا بما يستطيع تحقيقه .. لا توجد خوارق ولا معجزات في العلم وهذا بالطبع لا يرضي المرضى

سوف تنتهي هذه الهوجة ويدرك الجميع أنهم كانوا مخدوعين لكنهم لن يعترفوا بهذا .. في الوقت ذاته سيكون هؤلاء النصابون الكبار قد وجدوا طريقة أخرى للحصول على الرزق ..  ربما النمل المطحون أو براز الفئران العرجاء .. فقط لنجلس أمام الفضائيات وننتظر النصاب القادم

-3-

يحكي صديقي أستاذ  جراحة العظام عن قريبه المسن المشلول حبيس الفراش منذ أعوام، وكيف أن ابن الرجل طلب رأي أحد أصدقائه من طلبة الشريعة بصدد عمل حجامة لأبيه , فقال له: ربنا ييسر إن شاء الله، وجاء في اليوم التالي إلى البيت حاملاً موسى وطستًا، وفي الفراش جثم على صدر العجوز المشلول ليجري عدة جروح قطعية سخية على جانبي رأسه، بينما العجوز  يعوي ويطلق ما استطاع من صرخات استغاثة من حنجرته المشلولة .. بالطبع تدهور أمر الجروح وطلبوا رأي صديقي أستاذ العظام

قال لي صديقي وهو غير مصدق: إذن في القرن الواحد والعشرين، ما زال عندنا غير متخصص يمزق عجوزًا مشلولاً بالموسى وهو يجثم على صدره، بدعوى أن هذا هو الدين الصحيح

الحقيقة إن معظم الأطباء لا يسيغون هذه الأنواع من العلاج بحال، ولديهم تحفظات قوية عليها، لكنهم يحتفظون بآرائهم سرًا نظرًا للغابة الكثيفة من التقديس التي تحيط بها . من يجادل يهدد بأن يتحول إلى فولتير أو ماركس، بينما لا أحد يرغب في بطولة من هذا النوع .. أكثر من طبيب قال لي همسًا إن مرضاه تدهوروا لما شربوا بول الإبل، وأكثر من واحد قال همسًا إن الحجامة لم تأت بنتيجة

أصعب شيء في العالم أن تقول ما يستفز الجماهير أو يضايقها .. والشيخ القرضاوي يقول في أحد حواراته إن نفاق العالم للحاكم كريه لكن خطره محدود، بينما الخطر الحقيقي هو نفاق العالم للناس بأن يقول لهم ما يشتهون سماعه

يمكن للمرء ببعض الجهد أن يفند مزاعم المعالجين بالحمام.. عندما يتعلق الأمر بالحجامة وبول الإبل سوف تلقي أسئلة علمية،  لكنك تنزلق إلى المصيدة التي أعدوها لك: لماذا تريد أن تجرب بينما هذه أمور ثابتة في الطب النبوي ولا جدوى من التجربة ؟.. تقول: بس يا جماعة .. فيقاطعونك: "هل تؤمن بالسُنّة أم لا ؟..رُدّ ! ".. هل فهمت الورطة التي يقودونك إليها ؟.. أنت تؤمن بالسُنة لكنك لا تؤمن أن الحجامة من أركان الدين التي لا يكتمل الإيمان إلا بها.. إن هذه الورطة  مصيدة محكمة هي ذات المصيدة التي كانت تبيع صكوك الغفران في القرون الوسطى ، وأنت تعرف أنك لا تملك الثقافة الشرعية الكافية للرد، لكنك بالتأكيد تملك الثقافة الطبية، وهذه الثقافة تقول لك إن هناك خطأ ما .. نحن ننزلق إلى الهاوية بسرعة جنونية

وجدت المخرج المنطقي في مقال للمحارب الشجاع د. خالد منتصر على شبكة الإنترنت ، يقول فيه: " لأن صوت الاجتهاد مغيب فى هذه الأيام فإننا لا نلتفت إلى هذه الآراء الشجاعة،  فمثلاً الشيخ الجليل عبد المنعم النمر فى كتابه العظيم (الاجتهاد)  فى صفحتى 38 و 40 يفرق بين السنة الواجب اتباعها والسنة التى لا تثريب على تركها،  فيقول إن ما صدر عن الرسول  صلى الله عليه وسلم  فى الزراعة والطب والطعام وما يحبه الرسول وما يكرهه وكيف يمشى ونومه ولبسه إلى غير ذلك من الأمور العادية، كل ذلك من النوع الثانى الذى لا يمنع أحداً من الاجتهاد فيه إذا وجد أنه لم يعد يحقق المصلحة التى أرادها الرسول لتغير الناس والأمكنة ... ونفس المعنى يقوله محمد سليمان الأشقر أستاذ الشريعة بجامعة الكويت، والقاضى عياض الذى قال فى ترك العمل بالأحاديث الطبية: ليست فى ذلك محطة ولا نقيصة لأنها أمور اعتيادية يعرفها من جربها وجعلها همه وشغل بها".. باختصار (أنتم أعلم بشئون دنياكم)ـ

ثم يقول د. خالد منتصر: " كيف يعالج دواء أو إجراء جراحى المرض ونقيضه في نفس الوقت ؟!، وكيف تعالج الحجامة السمنة والنحافة، والنزف وإنقطاع الدم ....الخ ؟"ـ

في موقع إسلام أون لاين – وهو الموقع العقلاني الرصين – نقرأ التالي: " فلا يصح إطلاق القول بأن الحجامة علاج كامل ونهائي لكل الأمراض..  هى فقط وسيلة من وسائل العلاج يؤخذ بها عند الحاجة، بل إن تطبيق الحجامة على أيدي غير مختصين يتيح الفرصة لمعارضي الطب النبوي للدعاية لها بشكل سلبي بحيث تظهر على أنها نوع من الدجل والشعوذة. ويمكن للحجامة أن تنقل العديد من أمراض الدم الخطيرة "ـ

في الحقيقة لا أقول هنا إنني ضد الحجامة وأبوال الإبل .. أنا ضد الترويج لهما كعلاج قبل عمل دراسة مدققة أمينة بعيدة عن التحيز وتمويل جهات يهمها أن تكون النتيجة إيجابية .. من الصعب أن ترفض علاجًا لمجرد إنه غريب أو (مقرف)، ودليلي على هذا - وليسمح لي ذوق القارئ -  أكل الصينيين في الماضي لبثور المصابين بالجدري .. طبعًا كان هذا نوعًا من اللقاح كما عرفنا اليوم .. إسهال مرضى الكوليرا في الهند الذي كان الأصحاء يشربونه .. نحن الآن نعرف أنه يحوي كمية كبيرة من لاقمات البكتريا
Bacteriophages
 التي تلتهم بكتريا الكوليرا الواوية

إذن أنا لا أرفض التداوي ببول الإبل .. لكني كذلك لا أقبله قبل أن تُجرى دراسة مدققة أمينة، ويتم مقارنة من يتعاطون العلاج مع من لا يتعاطون، ويتم فصل وتوصيف المادة التي تشفي الفيروس سي إن كان لها وجود.. لكن لا ترفض العلاج قبل التجريب، ولا تقبله قبل التجريب ..  في الحالتين أنت تقع في فخ الانغلاق الفكري والأحكام المسبقة
Prejudices

النقطة الأخرى المهمة هي الحياد العلمي .. هل يمكن أن يُجرى في دولة عربية بحث علمي تكون خلاصته: لم يتبين أن للحجامة دورًا في علاج مرض السكر، أو تبين أن المجموعة التي تعاطت بول الإبل تدهورت ؟.. مستحيل .. أنت تجري التجربة لتثبت كم هي ناجحة، والمجلات الطبية الخليجية تعج بأبحاث من هذا القبيل .. الجهات العلمية الأكثر صدقًا تصمت ولا تعلن نتائجها، وإنني لأذكر هوجة الأعشاب التي سادت في التسعينات لعلاج التهاب الكبد سي، وقيل إن جهات بحثية مهمة تجري دراسة مدققة  تُعلن في يونيو القادم .. يومها قال لنا د. (حلمي أباظة) أستاذ أمراض الكبد الشهير: "أراهن أن يونيو بتاعهم ده مش جاي أبدًا . !" .. والحقيقة أن نتائج الدراسة لم تُعلن منذ يونيو 1995 حتى هذه اللحظة فعلاً

لكن النصابين الكبار لا ينتظرون كلمة العلم .. ها هو ذا بيزنس الحجامة وبيزنس أبوال الإبل يجتاح كل شيء .. كالعادة لا يوجد شيء مجاني .. هناك كتب عن الحجامة وأفلام فيديو تشرح أساليب الحجامة، وهناك أجهزة للحجامة المنزلية .. و ..و

تقرأ عن الحجامة أخبارًا مثل أن 38 ولاية في أمريكا تمارس العلاج بالحجامة بشكل رسمي،  وأن مايو كلينيك تبنتها، وأن هناك مجلات أمريكية وألمانية صدرت مخصصة لها فقط،  وأن الأسرة المالكة في بريطانيا طلبت من فريق طبي سوري معالجة بعض أفرادها من مرض الهيموفليا الوراثي.. ألا تشم رائحة راسبوتين في هذا الخبر ؟.. وحتى لو صح فمن قال إن الطب البديل ليس له زبائن في الغرب؟.. إنهم يثقون في أي شيء يأتي من الشرق باعتباره منبع الحكمة .. دعك من أن الحجامة فعلاً لها تطبيقات مهمة في بعض فروع الطب، لكنها ليست علاجًا لكل شيء كما يزعم هؤلاء، وبالتأكيد هي الطريقة المثلى لقتل مريض الهيموفيليا

من أهم الأخطار استقطاب عدد من الأطباء بل أساتذة الطب الذي لا يهتمون بالطريقة العلمية، لكنهم يعملون كفقهاء السلطان لتحليل هذه الأنماط غير العلمية من العلاج، وعندما يقول طبيب إن مجلة أمريكية تصدر للحجامة فأنت تجد صعوبة في التكذيب .. لكني جربت البحث المضني في شبكة الإنترنت والمجلات الطبية الكبرى عن رأي الغرب في الحجامة، فلم أجد لها ذكرًا إلا في موسوعة ويكيبيديا .. الموسوعة نشرت المقال بعنوان
Hejama
 لأن هناك من أرسله لها، وصنفته ضمن المقالات الضعيفة التي تحتاج إلى أسانيد ومراجع !.. إذن أين مايو كلينيك وأين المجلات المخصصة للحجامة و ..و … ؟

ينقسم هؤلاء الأطباء المحللين إلى المنتفعين وحسني النية والمرضى النفسيين لكنهم جميعا تكاتفوا لمحاربة عقل هذه الأمة .. النوع الأخير معروف جدًا .. تعرفه من تعصبه وضيق خلقه والنظرات المجنونة التي يطلقها من وراء نظارته ، واللعاب الذي يتطاير من فمه عندما يناقشه أحد.. هذا مزيج عبقري من النصب والجنون، وأفضل أنواع النصب هو ما جاء من مجنون لأنه يشع طاقة نفسية هائلة تقنع العامة

من بين هؤلاء الأطباء الذين يلقون الكلام على عواهنه هذا الطبيب الذي التقت به جريدة معارضة مهمة، وأفردت له صفحتين يلقي فيهما قنبلته: الإيدز لا وجود له . أمريكا هي التي اخترعت هذه الأكذوبة لتنشر الشذوذ الجنسي !  ومنهم من يقابل كبار الصحفيين ليؤكد أنه لا وجود للفيروس سي .. هذه مؤامرة من شركات الأدوية، لكنه مستعد ليغير كلامه على الفور ليروج لأعشاب تعالج ذات الداء الذي لا وجود له .. هل تلوم العامة إذا صدقوا هذا  بعد ما قاله طبيب ؟

هؤلاء القوم جميعًا هم أعداء الإسلام وأخطر عليه ألف مرة من جيوش المغول .. لا يبالون بحيرة الأجيال القادمة، ولا التضليل والشك، ولا يهمهم أن يقول أحد في نفسه: لقد جربت الطب النبوي ففشل .. يفضلون أن يقول الناس هذا ما دامت حساباتهم في المصارف تتكوم

وبينما العالم ينهض ويمشي حثيثًا ويعدو ويثب، يجلسون جوار جدار ويقولون في عناد كالأطفال: وإيه يعني ؟.. نحن كنا نعرف هذه الأمور منذ 1400 عام

 أمس صارت ماليزيا أفضل منا واليوم صارت إيران أفضل منا .. غدا تصير الكونغو أفضل منا وسندعو الله أن نلحق بها، ونقيم المؤتمرات لفهم كيف حدث هذا  .. اتقوا الله في هذه الأمة قليلاً

Friday, January 22, 2010

دماغى كده - فى العلم الزائف - إنهم مستمرون



أقرأ الآن كتاب "دماغى كده" و هو كتاب رائع يحوى الكثير من مقالات د أحمد حول مواضيع مختلفة... و سوف نتكلم عنه فى سلسلة "قرأت مؤخرا" بعد أن أنهيه إن شاء الله

و لكن فكرت أن أعرض منه بعض المقالات التى لفتت انتباهى بشكل خاص... لثرائها أو روعتها أو أسلوبها  أو طرافتها أو لأنها لامست بعض الأوتار و تناولت بعض القضايا التى تشغلنى بشكل خاص... برغم قدمها

كفانى حديثا و لنستمتع سويا بكلام الرائع د أحمد خالد

شكر خاص للدكتور أحمد لإرساله نسخة رقمية من الكتاب خصيصا

===========================

إنهم مستمرون!... أكتب هذه الكلمات في غرفة مغلقة، وبرغم هذا يتسلل دخان قش الأرز اللعين إلى كل ركن فلو خرجت إلى الشرفة لأصابك الهلع. نعم يا سادة .. محافظة الغربية أيضًا تعاني من حرق قش الأرز لكن أحدًا لا يتكلم عنها، فهي مجرد محطة استعداد وتدريب كي يصير محافظها محافظ الجيزة لا أكثر.. عندها تبدأ مشاكله مع تلك المحافظة عالية الصوت.  أحمد الله على أنني لست مصابًا بالربو وإلإ لقضيت نحبي منذ أسبوع. أما مرضى الربو فلهم الله .. إن المستشفيات تعج بهم. في أوائل السبعينات ظهرت تقليعة في طوكيو - حيث معدلات التلوث الأعلى -  هي زجاجة بها أكسجين نقي تشتريها من البائع لتشم الهواء بضع دقائق. أي أنك تقف هناك مع أصدقائك وترش رشة أكسجين جريئة. يبدو أن هذه الظاهرة ستبدأ عندنا وعندها تكون مصر أول دولة تبيع الهواء في زجاجات فعلاً، ولسوف يصير شراء الهواء من البقال جزءًا من نشاطك اليومي. في عصر الاهتمام بالبيئة وكل هذه المؤتمرات واللافتات في كل مكان تنذرني بخراب بيتي لو أشعلت لفافة تبغ، يتساءل المرء عما إذا كان دخان حرق الأرز هذا أكثر أمنًا وتحضرًا من السجائر فعلاً

في الكتب التي تتكلم عن علامات الساعة تجد علامة الضباب الأبيض الذي يتسلل للبيوت فيعمي العيون، ويختنق به الكفار والعصاة أما المؤمنون فلا يلاحظونه. سوف تزعم الحكومة إذن أنه لا يوجد ضباب ولا حاجة، وأنها تشك في إيماننا .. لا عجب، فهؤلاء القوم مستمرون للأبد ولن يعوقهم شيء

وسط هذا الجو الخانق الكئيب تشعر بأنه لا لزوم للماضي ولا جدوى من الغد، وأن الموت هو الحل الوحيد أمامك، لكنك تعرف أنهم لن يتركوك في سلام .. سيفتحون القبر ويدفنون فوقك واحدًا من قيادات المجالس المحلية أو الحزب الوطني.. لا غرابة فهم مستمرون

مع كل هذه الكآبة والقرف، تفتح البريد الالكتروني لتجد هذا الخبر العظيم الذي تم توزيعه على 58468 عنوانًا على الأقل: "طبيب سوداني بإنجلترا يكتشف علاجاً لمرض السكري وداء الصرع ! العقار الجديد يقضي على السكري نهائياً خلال 2- 6  أشهر فقط!! "ـ

السكري والصرع معًا ؟..نهائيًا ؟.. مش واسعة شوية ؟..كأن هذا كان ينقصك !..  ثم منذ متى يمكن علاج السكري نهائيًا ؟.. أفضل الحلول الموجودة قائمة على تعويض الهرمون .. يعني العلاج مدى الحياة .. تقرأ الخبر بعناية فتجد أن طبيبًا سودانيًا يدعى (طارق أرباب) بمستشفى همر سميث التابع لكلية الطب جامعة لندن، نجح في اختراع أول عقار في العالم لعلاج مرض السكري بصورة نهائية، وحصل على براءة اختراع من كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية اللتين سجل بهما الاختراع تحت الرقم (4065834)ـ

الحوار مع هذا الطبيب الظاهرة يقول إنه اكتشف أن إنزيم الأميليز يحول النشا إلى سكر ، وهذا يمكن إثباته عن طريق اليود ‍!.. هذه التجربة يعرفها كل طالب ابتدائي على كل حال. استطاع أرباب تحويل الأميليز إلى عقار شاف (نهائيًا) للسكرى .  يقول إن مرضى السكري يعانون من نقص في المادة اللعابية التي تهضم السكر والنشا. لا أريد أن أبدو متعصبًا وغراب بين، لكنني عدت إلى العلامات المؤكدة على العلم الزائف التي وضعها روبرت بارك أستاذ الفيزياء بجامعة ميريلاند صاحب كتاب (علم الفودوو: الطريق من الحماقة إلى الخديعة) وهو كتاب شهير جدًا

العلامة الأولى: المكتشف يقدم إدعاءاته لوسائل الإعلام مباشرة. العلم يعتمد على أن يقدم العالم أفكاره الجديدة لتدقيق العلماء الآخرين؛ إذ يتوقع العلماء أن يقدم زملاؤهم الأفكار لهم أولاً.  بالفعل تجد أن الأخ أرباب يقدم بحثه لمجلة سودانية شهيرة، لكنك لا تجد شيئًا عن أبحاثه في أية مجلة طبية. لقد زعم أن المجلة الطبية البريطانية
BMJ
 قبلت بحثه لكن هذا لم يحدث كما سنرى حالاً

العلامة الثانية: المكتشف يقول إن المؤسسات الكبرى تحاول حجب عمله. هذا الباحث يؤكد أنه سجل اختراعه في الولايات المتحدة خشية من أن تسرقه الشركات الكبرى

العلامة الثالثة: المكتشف أجرى أبحاثه وحده. صورة العالم العبقري الذي يسهر الليل وحده في قبو هي صورة تناسب أفلام هوليوود للخيال العلمي، لكن لا يمكن أن تتحقق في الواقع

العلامة الرابعة: المكتشف مضطر لأن يصمم قوانين طبيعة جديدة يفسر بها الظاهرة. يلقي العالم ذنب انتشار السكري على تغيير المواد الغذائية، وتخزين الغذاء لفترات طويلة في الثلاجات، واستخدام المواد الكيمائية في الحفاظ على المواد الغذائية. ويقول إن الدقيق صعب الهضم، و إذا لم يُهضم يترسب في الأنسجة والشرايين الدقيقة والكبيرة داخل الجسم، فيكون الشخص عرضة لأمراض القلب والفشل الكلوي وأمراض الدماغ بالإضافة إلى السكري. وهذا يمكن حله بإضافة بعض كربونات الصوديوم التي تحلل الدقيق في الجسم لأجزاء صغيرة . ما هذا الكلام ؟.. يبدو مهمًا منطقيًا لكنه ليس كذلك، ولن يرضى أي كيميائي حيوي عن هذا الكلام الفارغ

وبنفس المنطق الغريب يقول أرباب: البحوث المعملية الحديثة أثبتت أن هناك علاقة شبه قوية بين ضيق الشرايين الذي يصيب القلب ومرض الصرع الذي يحدث نتيجة ضيق في شرايين الدماغ ، وليس نتيجة شحنات كهربائية في الدماغ كما كان يعتقد في السابق. ولذلك بعد الاكتشاف الجديد لحقيقة مرض الصرع، ابتكرت عملية جراحية جديدة لمعالجة الصرع تعتمد على توسيع شرايين الدم داخل الدماغ. أي طبيب يعرف أن هذا كلام عجيب

هكذا وجدت أن هذا العالم حقق أربعًا من آيات العلم الزائف من سبع وضعها (بارك). على أنني قررت أن أبحث عن اسمه أكثر في الإنترنت، فوجدت موقعًا سودانيًا محترمًا عقلانيًا يذكر هذه الحقائق
ـ1- اتصلوا بمستشفى هامر سميث يسألون عن (أرباب) هذا فكان الرد أنه لا يوجد أحد بهذا الاسم عندهم !.. ثم تذكروا في خطاب آخر أن هناك واحدًا لكنه يعمل بعقد شرفي وهو على الأرجح ممارس عام
ـ2- رقم براءة الاختراع المذكورة هي لـ (أستيك ساعة) ! لا أعتقد أنها الطريقة المثلى لعلاج السكري والصرع
ـ3- المجلة الطبية البريطانية لم تنشر أي بحث لطبيب اسمه أرباب

أنهيت قراءة هذه المعلومات ، وفتحت النافذة لأستنشق المزيد من السحابة السوداء التي لم تعد بهذا السوء.. هؤلاء القوم مستمرون .. مستمرون .. نفس الأكاذيب والادعاءات والتلفيق.. لا ألوم المجلة لحظة؛ فمن أين يعرف غير المتخصص الحقيقة وسط هذا الكلام الكبير كله؟.. وقد رأينا جريدة الشعب عندنا تقع في ذات الخطأ، ورأينا أخبار اليوم وغيرها .. كنت أعتقد أن الأخوة السودانيين أفلتوا من معظم تلك الأمراض المصرية لكن اتضح أن هذا داء عربي أصيل كما يبدو.  لقاءات صحفية وأمل زائف لمرضى الصرع والسكري ومنطق مغلوط، وهذا الرجل يعرف أنه يكذب .. ولو لم يكن يعرف أنه يكذب فهو مخبول تمامًا. المهم أننا نستحق ما يحدث لنا.. نستحق السحابة السوداء ونستحق حكوماتنا بالتأكيد، فلا أمل في الخلاص ما لم نتغير أولاً