قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Wednesday, June 30, 2010

كراهية - 2


كراهية - 1

=============================

بص و طل - 30 يونيو 2010

الموت لكل من يتكلم معي

لم أحب كثيراً هذا العالم من نظرات الكراهية. مهما بلغ استغناؤنا عن الآخرين؛ فنحن أطفال نحتاج للقبول الاجتماعي، وأن تطلب المعلمة من الفصل أن يصفق لنا..

لكني كنت مستعداً لقبول ذلك لو فهمت سببه، على كل حال قدّرت أن هناك أياماً نكون فيها ثقيلي الظل على الآخرين.. هناك أيام تلقي فيها التحية فلا يردّ عليك أحد، هذا شيء مفروغ منه.


عدت لداري فتناولت طعام الغداء الذي هو العشاء كذلك، وتبادلت بعض كلمات مع أبي وأمي المسنّين قليلي الحركة.. في الحمام أعدت تأمّل وجهي في المرآة عدة مرات.. لا يوجد شيء غريب، ثم دخلت فراشي المريح.. أجمل مكان في العالم في رأيي.. هناك رحت أقرأ لمدة ساعتين.. ساعة إعداد لدروس الغد وساعة في أدب كويليو، ثم أخلدت للنوم.

أنا مكروه.. أنا مكروه.. الناس لا تحبني.. أنا.......

خ خ خ خ خ خ!


في الصباح هرعت أثب في المواصلات إلى الكلية كعادتي.. على باب الكلية كان رجل الأمن "بسيوني" يقف ويدخّن لفافة تبغ.. مددت يدي لأُخرج الكارنيه ورفعته في وجهه؛ لكني فوجئت بنظراته المتصلبة.. كانت عيناه شاخصتين إلى وجهي وقد بدا عليه مزيج فريد من الذعر والكراهية.. لو أنه رأى ثعباناً في فراشه لما بدت في عينيه هذه النظرة.

وقبل أن أسأله عن شيء قال وهو يشير للداخل:

"يالله.. مع السلامة..".

هل هو يوم آخر من أيام الكراهية؟

في درس الحيوان الذي بدأنا به اليوم، تلقّيت المزيد من نظريات الكراهية من "لمياء".. من "جاكلين".. من "محمود"..

هناك فتى مذعور اسمه "صلاح" ظلّ يحملق فيّ للحظات، ثم طلب أن يتكلم معي.. جميل.. ماذا تريد؟

قال وهو يحاول ألا تلتقي عينانا:

"أنت.. تعرف.. أن.. هذه الأمور.. لا أعرف كيف أشرح..".

ثم ابتلع ريقه وقال:

"أرجو أن تكفّ عن هذا..".

"أكف عن ماذا؟".

عاد يكرر وهو يلوّح بإصبعه محذراً:

"كف عنه.. لن أشرح أكثر.. أنت تفهم!".

فجأة صارت الحياة ذات طابع "كافكاوي" لا شك فيه.. لن أندهش لو جاء اثنان مكلّفان بإعدامي، وهما لا يعرفان السبب ولا أنا.. فقط يأخذاني إلى الفناء الخلفي ويذبحاني.

استمرّ هذا الوضع الغريب أسبوعاً، ثم دخلت الكلية ذات صباح لأجد جواً عاماً من الوجوم في مجموعتي الدراسية.. الورقة المعلّقة هناك تقول:

"توفي الزميل "صلاح شوقي" اليوم، والجنازة بعد صلاة الظهر في............".

أصابني الذهول؛ فاستدرت لزميل واقف هناك وسألته عما حدث، فقال دامع العينين:

"لم يصحُ من نومه.. ليرحمه الله.. ليتنا نتّعظ بأن الموت يأتي فجأة وبلا إنذار".

وتعالت بعض نهنهات البكاء، وبدت بعض الفتيات وقد سال الكحل من عيونهن واحمرت الأنوف؛ كأنهن مهرجو السيرك. إنه محظوظ.. أنا أضمن أن أحداً لن يبكي عليّ.. مع كل هذه الكراهية سوف يفجّرون الصواريخ ومفرقعات العيد يوم تعلّق ورقتي الخاصة.

صحيح أن الموت يأتي فجأة؛ لكن هذا التفسير لا يُرضي أي وكيل نيابة أو رجل شرطة.. لا بد من أسباب منطقية واضحة لوفاة طالب ما زالت أجهزة جسده كلها براقة جديدة نشطة.

عادت الحياة إلى طابعها المعتاد ببطء شديد، وهو الطابع العام للوفاة على كل حال.. في أول يوم أهل المتوفى مصدومون هدّتهم اللوعة.. في ثاني يوم هناك جو من الهدوء الراضي بالنصيب مع ابتسامات حذرة حزينة.. في ثالث يوم هم يتشاجرون على الميراث وقد نسوا كل شيء عن الفقيد العزيز.


كنت جالساً في الحديقة المزدحمة ألتهم شطيرة وأعيد نسخ بعض المحاضرات، عندما ظهرت تلك الفتاة "جاكلين".. إنها جميلة؛ لكنها من الطراز العصبي المتشكك وعيناها تتوقعان مصيبة طيلة الوقت.. جاءت لتقف جواري.. وظلّت صامتة للحظات، وإن بدا أنها تريد أن تقول شيئاً.. ثم استجمعت شجاعتها وجاءت لي لتقول:

"أرجوك ألا تفعل!!".

رفعت عيني نحوها وفمي مليء بالطعام وتساءلت:

"لا أفعل ماذا؟".

قالت في عناد:

"هذا الذي تفعله.. إن لي أخاً ضابطاً وسوف.. سوف.. سوف يلقّنك درساً..".

ثم انطلقت تركض مبتعدة.. وأنا في أغبى حالاتي.

ماذا يحدث هنا؟

بما أنك تعرف أن "جاكلين" ماتت في فراشها صبيحة اليوم التالي؛ فأنت تدرك مدى دهشتي وذهولي.. وعلى كل حال كانت هذه هي البداية.

.......

يتبع