د. أحمد خالد توفيق |
المقال الأول (غرور):
مهما اعتقدت في نفسك الموضوعية، وأنك أبرع وأذكى من أن يصيبك الغرور، فثمة لحظة لا شك فيها تفقد فيها تلك الدفة وتعتقد أن ما تقوم به هو الشيء الصحيح فقط. الآخرون مضللون لا يفهمون.
جربت هذا الشعور المقيت ذات مرة، عندما حضرت إحدى حفلات التكريم في مكتبة مشهورة، وكما يوضح العنوان فهو حفل تكريم، فلا مجال للمناقشة أو الانتقاد، وإنما هو حشد من ذكر المآثر والنقاط الإيجابية. ظللت جالسًا لمدة ساعة أصغي لعبارات الإطراء التي لا أستحق ربعها. صدق أو لا تصدق: شعرت بروحي تضيق وأفقي يضيق، ورأيت صورة وهمية لنفسي أكبر بمراحل من صورتي الحقيقية.
بدأت أعتقد أنني معصوم وأن من يجادلني مغيب لا يعي ما يقول. لقد ضاق صدري بأي انتقاد أو لوم مهما كان بسيطًا واهيًا، مع أنني دخلت المكان أقرب للتواضع والميل لتقليل شأن الذات. لهذا – وقد شعرت بأن نفسيتي تتغير فعلاً – بدأت أشكر الحضور ثم أتحدث عن النقاط السلبية التي لا تروق لي في شخصي وفي كتاباتي. تذكرت هنا ما يفعله بعض المتصوفين عندما يعمدون إلى تقبيل أيدي الفقراء على سبيل كسر كبرياء النفس. والنقطة الأخطر هي أن غرورًا من نوع آخر بدأ يتكون في ذاتي: الغرور لأنني متواضع ولأنني أفعل هذا كله!.
عندما عدت لبيتي خطر لي أن الأمر كان شبيهًا بالسحر.. هذا التغيير أحدثته في نفسي بعض عبارات الإطراء لمدة ساعة فقط، فأي اضطراب وتشويه يحدث لمسئول كبير عندما يتلقى المديح طيلة حياته، وهذا المديح قد يرتفع جدًا ليدنو من العبادة؟. لا شك أن لدينا – معشر المصريين والعرب عامة – استعدادًا فطريًا لإفساد كل مسئول بهذا المدح الزائد.. كل أفكاره عبقرية.. كل أعماله إنجازات.. كل خصومه مغيبون أو عملاء.. في النهاية أنت تخلق صنمًا لا يقبل النقاش ولا يعترف بالخطأ. لا شك في أن نقطة البدء الصحيحة تكمن في اعتبار الوزير أو الرئيس شخصًا عاديًا يرتكب أخطاء، ولابد من مصارحته بها.
في أعوامه العشرة الأولى كان حسني مبارك قابلاً للنقاش وكان يصغي لمعارضيه، ويعرف ما تقوله صحف المعارضة، ثم نال منه السحر المصري الشهير فلم يفلت من عقدة (كلي القدرة والحكمة) هذه.
المقال الثاني (صفحة غير شخصية):
لا أملك صفحة على فيسبوك، وإنما هي صفحة أو صفحتان أنشأها لي بعض الأصدقاء. يسبب هذا بعض المشاكل لأن أصدقاء كثيرين يكلمون مدير الصفحة باعتباره أنا. أحيانًا أدخل الصفحة فأجد عبارات مختارة من بعض قصصي.. المشكلة هي أن توقيت هذه العبارات لا يكون مناسبًا على الأرجح. في إحدى قصصي قال بطل القصة إنه يحب أيدي الفتيات الباردة لأنها تشعره بالحساسية والرهافة، بينما الأيدي الدافئة توحي بالكسل والدعة. عبارة قد تكون مقبولة في سياق قصة، لكن نشرها بينما مصر كلها تبكي بعد مذبحة بورسعيد أو بعد عملية إرهابية كبرى في سيناء مثلاً، أمر غير مقبول على الإطلاق. دعك من هواية لدى مديري الصفحات ألا ينشروا اسم قائل العبارة ولا متى قالها. هكذا تُنشر هذه العبارة على أنها رأيي الخاص وليست رأي بطل القصة، ولا يذكر أحد التوقيت ليخبر القراء أن هذه جملة من قصة نشرت منذ عشرة أعوام!.
الآن يمكنك أن تتخيل كم الشتائم التي تنهمر على رأسي من جراء تعليق كهذا (أصل البيه مايع). ولأسباب كهذه كففت عن قراءة التعليقات نهائيًا منذ زمن بعيد. أحيانًا يتكلم بطل القصة بغرور أو وقاحة أو يكون ملحدًا.. يقوم الأدمن بنقل الجملة كما هي من على لسان البطل ويكتب اسمي جوارها!.. هكذا تجد لي عبارات خالدة مثل: «يجب قهر الضعفاء – أحمد خالد» أو «إنني أقدم للأجيال القادمة قطوف الحكمة التي لن يجدوها في أي موضع آخر – أحمد خالد» أو «من الواضح تمامًا أن الكون أوجد نفسه بلا حاجة لخالق – أحمد خالد».
قلت للأصدقاء محرري الصفحات مرارًا إن عليهم كتابة مصدر الاقتباس وقائله بدقة، أو لا يكتبوا شيئًا على الإطلاق. ينطبق الأمر نفسه على التويتات.. أنا لا أتعامل مع تويتر ولا أعرف ما هو بدقة، لكني أجد تويتات مستفزة حقًا تحمل اسمي.. لقد كتبتها فعلاً لكن على لسان أبطال قصصي؛ ومنهم الوغد والمغرور والزاني والكذوب والملحد.. أما أن تجد تويتة تحمل اسمي تقول: «أنا أكره الربيع والأزهار والأطفال» فأنت تشك في عقل من كتب هذا الكلام.
المقال الثالث (رد على الجميع):
تذكرت هذه القصة مع دنو عيد الفطر وكل عام وأنتم بخير. التعامل مع الإيميل وواتسآب يحتاج لحذر كبير لأنك قد ترتكب خطأً فادحًا، وقد جربت مع برنامج الواتسآب أن تكتب في مجموعة أخرى ولا تفطن إلى مكانك إلا بعد نشر الكلمات التي قد تكون خاصة جدًا، كما أن للبرنامج خاصية شيطانية هي أن ينسخ مقاطع كاملة من حواراتك السابقة، فإذا ضغطت على زر الإرسال على أنه زر المسح القهقري فقد نشرت للجميع محادثات شخصية جدًا.
ذات مرة أرسلت معايدة جماعية بمناسبة العيد لمجموعة هائلة من الأصدقاء، منهم رؤساء تحرير صحف قومية ومعدي برامج وأقاربي وإخوة زوجتي ومجلات خليجية ورئيس الجامعة وأكثر من عميد كلية والأستاذ أسامة غريب وبلال فضل وإبراهيم عيسى.. و… من ضمن الأسماء كانت صديقة قاهرية قابلتها في القاهرة مرتين مع زوجها، وكان اللقاء على كوب شاي في مقهى قريب من التحرير. المهم أن الخطاب وصلها فردت عليه قائلة:
ـ«شكرًا يا باشا.. مستنيينك في القاهرة عشان نروقك زي كل مرة!».
وأرسلتْ الخطاب.. لم تضغط على زر الإجابة ولكن على زر الإجابة للجميع؛ أي أن هذه الصيغة وصلت لستين اسمًا على الأقل!. بالطبع كان (روقان كل مرة) السابق لا يتجاوز كوب شاي معها وزوجها، ولكن قل هذا لإخوة زوجتي.. قله للسادة في دار الشروق والمؤسسة العربية الحديثة ورئيس الجامعة وعدة عمداء كليات.. قله لهيئة تحرير مجلات دنيا الاتحاد وباسم وماجد وصدى. فيما بعد اعتذرتْ لي كثيرًا لكن الأذى قد تم على كل حال.
منذ ذلك الحين صرت أتوجس خيفة كلما أرسلت خطابًا لعدة عناوين. في كل مرة أفترض أن كل هذه العناوين ستقرأ الرد..
للواتسآب قصص مرعبة أخرى، لكن لربما أحكيها في مقال آخر.