قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, January 25, 2010

دماغى كده - فى بعض الآراء الفنية - أيها القارئ العربى... أنت غدائى



أقرأ الآن كتاب "دماغى كده" و هو كتاب رائع يحوى الكثير من مقالات د أحمد حول مواضيع مختلفة... و سوف نتكلم عنه فى سلسلة "قرأت مؤخرا" بعد أن أنهيه إن شاء الله

و لكن فكرت أن أعرض منه بعض المقالات التى لفتت انتباهى بشكل خاص... لثرائها أو روعتها أو أسلوبها  أو طرافتها أو لأنها لامست بعض الأوتار و تناولت بعض القضايا التى تشغلنى بشكل خاص... برغم قدمها

كفانى حديثا و لنستمتع سويا بكلام الرائع د أحمد خالد

شكر خاص للدكتور أحمد لإرساله نسخة رقمية من الكتاب خصيصا

===========================

في كل عام بعد الامتحانات، ولأنني أتظاهر بأنني أب متفان، يكون علي أن أصحب الولد ابني إلى سور الأزبكية لأبتاع له بعض القصص المصورة الأمريكية التي يهواها، والتي تُباع وهي طازجة بسعر الذهب وتُباع وهي قديمة بثلاثة جنيهات للمجلة.  برغم هذا أدفع مبلغًا محترمًا، مما يدفعني لمراقبة الولد على أمل أن أكتشف أنه لا يقرأ وإنما يشاهد الصور، من ثم أخرب بيته.. لكني في كل مرة أجده يقرأ فعلاً.. يبدو أن إنجليزيته ليست سيئة إلى الحد الذي ظننته

لا أعرف سر الجاذبية في هذه القصص ولا ما يشد الشباب لها. كتبت ذات مرة أن هذه القصص تنطلق من فرضية أن كل مواطن أمريكي يخفي ثيابًا سرية تحت بذلته .. تتوتر الأمور فيهرع لغرفة سرية ليبدل ثيابه ويطير في الهواء ليمنع الطائرة من السقوط أو الجسر من الانهيار.  ظللت طويلاً أحاول فهم كيف أن سوبرمان يخفي بذلة كاملة وفردتي حذاء في عباءته وبرغم هذا هي ترفرف أثناء الطيران كالعلم. حشد لعين من سوبرمان والوطواط والرجال إكس والعنكبوت وفتى الجحيم والعملاق الأخضر والأربعة المذهلين ..الخ كلهم ضخم كالثيران متفرغ للضرب طيلة الوقت، حتى خطر لصانعي القصص أن يضموهم في تنظيم واحد اسمه
JSA
 أو (رابطة العدل الأمريكية)، وهم يعبرون لبعضهم من مجلة لأخرى .. لا تنس أنهم أمريكيون وأنهم السلاح السري لأمريكا الذي يمكنها أن تحطم به أمثالنا.  ولا تنس أن القصص الأخيرة للرجل الحديدي تدور كلها في العراق، وفيها يوسع المقاومة العراقية ضربًا وقهرًا

كانت هذه القصص تترجم بشكل منتظم في الماضي، وهناك حاليًا محاولات غير منتظمة لترجمتها، بل إن بعض المصريين أصدروا صيغتهم الخاصة من تلك القصص (أبطال العرب الجبابرة). نفس الرسم والأفكار والجو .. فقط صار اسم الأبطال (آية) و(راكان).. الخ

أمسكت بعض هذه المجلات لأقرأها فلم أفهم شيئًا .. إن المجلة التي في يدك دائمًا تتمة لحلقة أخرى سابقة لن تجدها أبدًا، والنهاية ليست نهاية لأن هناك حلقة أخرى قادمة لن تجدها أبدًا. تحاول فهم المجلة التي بين يديك كوحدة مستقلة فلا تفهم شيئًا بسبب طريقة مربعات التعليق القصيرة المتلاحقة في الصفحة الأولى
–  "كان الكمين كاملاً.." – "بعد انهيار جالاكتيكا" – "كل شيء ..." – "لكن الأمر ..." – "إنها تتماسك "–  "ولكن ...."–
كل هذه التعليقات المتلاحقة على صورة كبيرة للبطلة وهي تبكي فوق جرف صخري
تحت قدم البطلة تجد أسماء .. قصة فلان .. رسم بالقلم فلان.. تحبير فلان.. تلوين فلان..حروف فلان..  النشر فلان..  الموضوع لم يعد لعبًا إذن إنما هناك خط تجميع كامل كخطوط تجميع السيارات، لأنهم بحاجة إلى كم هائل ولا يحتاجون إلى عمق أو فن .. لكن لماذا يصر الأخ المسئول عن الحروف على استعمال حروف (كابيتال) دقيقة عسيرة القراءة ؟ .. يبدو أن هذا قانون لا يمكن تغييره

تقلب الصفحة فترى فتوة مثل فتوات أحمد حلمي هو الرجل الأخضر، ينقض على امرأة تشبه البلدوزر الذي تحول لصاروخ، وهو يصيح: "سأحطم رأسك أيتها المرأة الثعبان .." وهي بدورها تنقض عليه وتقول: "سترى أيها الأخضر .."ـ
أين ذهبت المرأة الأخرى التي كانت تبكي على الصفحة الأولى ؟.. لا تعرف ولن تراها ثانية طيلة القصة . هذه مشكلتك أنت

وهكذا يستمر الضرب والركلات على مدى عشرين صفحة مزدحمة بالتفاصيل والحجارة التي تطير في وجهك .. بذخ رهيب في الألوان والطباعة وخامة الورق والفنان يستخدم الصفحات كأنه لا يوجد غد .. يعني ممكن أن تجد قبضة الرجل العنكبوت في صفحة واحدة كلها..  هؤلاء لا يعانون مشاكل الفقر التي تعانيها مجلة سمير التي تحشر 16 كادرًا في الصفحة. ونلاحظ ظاهرة غريبة هي أن قدم أي بلدوزر من هؤلاء لم تمس الأرض طيلة القصة .. كلهم في الهواء منذ أول كادر حتى آخر كادر حتى لو لم يكونوا قادرين على الطيران.  ثم أن هؤلاء الناس عندما يتشاجرون يتبادلون عبارات مزاح سخيفة على غرار: "لقد انتهى أمرك !" فيرد: "وأنت صرت غدائي .!".. عبارات طويلة جدًا بالنسبة لشخص يسقط من السماء أو يضرب بقبضته .. لكنك تقبل هذا

لا تعرف متى ولا كيف انتهت القصة، لكنك تكتشف أن (موردو) يراقب هذا كله على شاشته ويضحك في وحشية ، وتعرف أنه ينوي التدخل .. القصة لم تنته إذن .. تابعوا معنا الجزء الثاني (الجميع ضد موردو)ـ

هذه القصص باختصار لا تنتهي أبدًا ومن المستحيل أن تعرف متى وكيف بدأت

من حق المواطن الأمريكي أن يقرأ ما يريد ويستمع به، حتى لو كانت صفحة الوفيات. وعلى كل حال لقد نجحت السينما مؤخرًا في تحويل فن الستريبس إلى منجم ذهب لصانعيه من أمثال (ستان لي) و(فرانك ميلر) و(مايك مينولا) و(بوب كين).. إن إيمان المنتجين الأمريكيين بفن الستريبس الرديء كمصدر للأفلام بدأ بدينو دي لورنتيس مع فيلم (بارباريلا) واستمر حتى اليوم

لكن ماذا عنا نحن ؟.. ما الذي يروق لنا في هذا الهراء إلى درجة أن نقوم بتقليده وترجمته ومحاكاته الحرفية ؟.. هناك تجارب أكثر نضجًا في الستريبس الأوروبي تستحق المتابعة بحق لكن لا توجد دور نشر تهتم بها أو تتولى ترجمتها، بينما هناك أكثر من مجلة صدرت في العالم العربي تحاول أن تجعل القارئ العربي يتذوق روعة الرجل العنكبوت والوطواط وسوبرمان وثورمان وإكسمان. وما الذي نتوقعه من الطفل المصري الذي تكونت ثقافته من (سأحطم رأسك أيتها المرأة الثعبان) و(أنت غدائي).. ؟

قررت أن أبدأ بنفسي فأخبرت ابني أنني لن أشتري له هذا الهراء ثانية. لم يعلق وراح يسلي نفسه برسم قصص مصورة قريبة جدًا من أسلوب تلك المجلات. أمس وجدت صورة رسمها على مكتبه .. لا أدري لماذا يبدو لي ذلك الرجل ذا النظارة والشعر الأكرت الذي يهشم العملاق الأخضر رأسه مألوفًا؟

ارتجفت وأنا أتخيل رابطة العدل الأمريكية بفتواتها المرعبة تطير في الهواء لتحطم رءوس كل فناني الستريبس عندنا ، ثم تنقض على عقول أطفالنا وهي تصيح: انتهى أمرك أيها القارئ العربي.. أنت غدائي