ما دامت مصر ولادة ... وفيها الطلق والعادة
حتفضل شمسها طالعة ... برغم القلعة والزنازين
أحمد فؤاد نجم
***************************
كنت دائمًا سيئ الحظ مع آلة التصوير الذاتي تلك.. تعرف بالطبع تلك الآلات التي تدخل فيها أنت قمرة صغيرة، وتسدل الستار، ثم تلتقط صورة لنفسك. في كل مرة كانت الصور تظهر قبيحة جدًا ومرعبة، من ثم أستشيط غضبًا من تلك الآلة الكذوب الملفقة.. وبدأت أشك في أنها آلة عميلة تتلقى تمويلاً من الخارج، حتى قال لي صديق: لماذا لا تقبل حقيقة أنك قبيح أصلاً؟
هذه هي النقطة.. نحن لا نطيق المرايا التي تظهر لنا دمامتنا؛ ولهذا اعتبر كثير من الناس قناة الجزيرة قناة عميلة لها أجندة خاصة، بينما كانت الحقيقة هي أن الوضع في مصر صار غاية في السوء والانهيار، بحيث لم يعد ممكنًا الكلام عن مصر إلا بطريقة الإعلام الرسمي: نيلها وهرمها وناسها وزعيمها.. إلخ... إلخ. تبقى أكيد في مصر.. أية محاولة للكلام عن مصر بصدق كان معناه الشتيمة..

مع بدء انتفاضة الشباب، أعترف أن دور الجزيرة تغيّر كثيرًا. صحيح أنها ما زالت مرآة ترينا كل شيء، لكن لا ننكر كذلك أنها تعاملت مع الحدث بأكبر قدر من التشفي غير المهني، كأنما الفرصة قد واتتها لتصفية حساباتها مع مصر، وفي لحظات كثيرة صارت طرفًا فاعلاً في الأحداث ولا تكتفي بالتعليق. إذن أنت بين نارين.. نار أنس الفقي التي تحاول إقناعك بأن المتظاهرين لا يتجاوز عددهم ألفًا، وقلة مندسة تتلقى وجبات كنتاكي من إيران! ونار الجزيرة المتشفية.. طبعًا لا شك في أنك ستختار الجزيرة، فهي تهيج لكنها لا تسخر من ذكائك، ولا تحاول إطعامك السريلاك. نحن ذهبنا إلى الجزيرة عندما لم نجد من يحترمنا في إعلامنا، وعندما أفردت قناة يفترض أنها خاصة ساعة كاملة لفتاة تعترف باكية بأنها تدرّبت على الشغب في الموساد لتهيّج المظاهرات، ثم عرفها الصحفيون جميعًا كما عرفوا أنها كاذبة تهوى التلفيق.. كيف تثق بهم وهذا أثر فأسهم؟ وعلى كل حال في bbc والعربية و cnn لم تكن صورتنا أقل سوءًا.