الدستور - 2006
السينما.كوم |
تمتاز قناة (آرت سينما) بمزية مهمة هي أنها تعيد الفيلم 363746 مرة تقريبًا، حتى أن ابنتي مريم ذات سبع السنوات صارت تحفظ بالحرف الحوار الصيني الذي يقال في فيلم (فول الصين العظيم)، لهذا يقوم سارقو الكابل - الذين لا أتعامل معهم والحمدلله - بتقسيم الوقت بينها وقناة ديسكافري. وهذا يتيح لك أن تشرح الفيلم ألف مرة تقريبًا وبالتدريج يصير رأيك راسخًا فيه.
مثلًا كلما شاهدت فيلم (اللمبي) ازددت إعجابًا بالشخصية (لا القصة).. وأوافق بشدة الزميل (مؤمن المحمدي) على إعجابه بها.. تذكرت كلمات د. وليد سيف الرائعة (آفاق السينما – 29) إذ قال: "اللمبي موجود فعلًا يا سادة.. إنكم ترونه لكن تشيحون بوجوهكم كي لا تروه.. أنتم تغلقون زجاج نوافذ سياراتكم عندما يقبل نحوكم ليبيع الفل.. تتركون خدمكم يتعاملون معه عندما يعرض بضاعته في حقيبة يجول بها في عز الحر.. اللمبي في كل مكان.. يمكن رسم خريطة وجوده على العاصمة لنجد أنه يمثل نسبة كبرى من شباب العشوائيات. اللمبي يلقي بعقب سيجارته في وجوهكم ساخرًا من مشاريعكم العملاقة وفنونكم التي لا يفهمها.
مشكلة اللمبي أنه لم يكذب بما يكفي.. ولم يكن مبتذلًا بما يكفي. لا ينكر أحد أن أفلام الموجة الجديدة لا تلجأ لما عرفناه من قبل من عري فاضح وقبلات ساخنة محشورة وحوار مليء بالتلميحات الجنسية. إن اللمبيين قادمون شئنا أم أبينا". هذه الكلمات تفهمها أكثر كلما رأيت فيلم اللمبي أو اللي بالي بالك.
نفس الدراسة المدققة تكشف لك أن رأيك في فيلم عادل إمام (التجربة الدنماركية) لا يتغير.. هذا فيلم لا يخرج عن نكتة جنسية بالغة الطول، ومحوره هو أن الشعب المصري عدم المؤاخذة تعبان ويمكن أن يفقد عقله لرؤية فتاة شبه عارية شعرها أصفر. هذا فيلم تم بناؤه بالكامل فوق جسد فتاة تروق لصانعيه فعملوا لها فيلمًا، مثلما صنع عباس كامل فيلم دستة مناديل للتعبير عن إعجابه بمشية ممثلة إيطالية اسمها سيلفانا.
أين الخيط الدرامي؟ أربع فتوات يضربون خلق الله ثم يصير أبوهم وزيرًا.. وفجأة يكتشف الأب - بلا أي إنذار سابق - أن ابنه الفتوة الذي يضرب الناس صحفي معارض يهاجمه باسم مستعار، فقط لينسى الفيلم هذا الخيط ويتفرغ لمهمة الانبهار بالممثلة الشقراء، وفكرة أنها تدرس الجنس للشباب. والفيلم يتظاهر بأنه سياسي خطير (تخيل دخول راقصة لمجلس الوزراء أو عرض فيلم بورنو فيه) أو ارتداء وزير لثياب مطربي الراب، أو ضابط الشرطة الذي يولول كالكلاب: حاحا حاحا.. أو ابن الوزير الذي يسجن كل قسم الشرطة بمن فيه من ضباط يؤدون عملهم، وهي إهانات تمر مر الكرام على وزارة الداخلية لأن صاحبها هو عادل إمام. دعك من مظاهرات الشعب المصري خارج المكتبة صائحين: عاوزين نقرا.. لمجرد أن الشقراء تقف على سلم المكتبة.. ومظاهرات الأمن المركزي التي تفرق المتظاهرين الذين فقدوا عقلهم لرؤية فتاة بالمايوه.
دعني أسألك بصراحة: أين استجوابات مجلس الشعب التي تلقاها فيلم اللمبي وأين الغضبات العنترية؟ لماذا لم يتكلم أحد عن تشويه صورة الشعب المصري في الخارج كما هي العادة؟ هذه المرة التهمة ثابتة حينما تظهر المصريين مجموعة من البلهاء الذين يريدون دخول المكتبة لرؤية ساقي امرأة.. صحيفة شهيرة مستقلة كتبت تهاجم الفيلم ثلاثة أسابيع ثم تفرغت للكتابة عن الزعيم وكيف أن (الدهن في العتاقي) وكيف أن هنيدي وأمثاله فقاقيع طفت على سطح الفن المصري وسرعان ما تنفجر.. فجأة صار هذا أهم فيلم في التاريخ وذروة الكوميديا التي جاءت لتوقف كل مدع ناقص الموهبة عند حده.
طبعًا عادل إمام هو عادل إمام.. هناك لحظات في الفيلم تجعلك تضحك حتى تنقطع أنفاسك.. لكنك تضحك بسبب موهبة عادل إمام المخيفة.. لا أكثر ولا أقل.. وهنا تجد علامة الاستفهام من جديد: عادل إمام ويوسف شاهين تحولا إلى تابو وقدس الأقداس.. لا يمكن مناقشتهما مهما فعلا.
اللمبي أبسط من هذا ولم يدّع شيئًا.. مجرد ولد غلبان لا يريد سوى فرصة للحياة (ماشي يا بني آدمين).. مطواته في جيبه لكنه لم يفتحها إلا مرة واحدة ليضمن وجود معزين في صوان والد صديقه.. ولا تجد في الفيلمين أي أثر للجنس ولا لفظة واحدة مشينة.. فقط صُنّاعه ليسوا بقوة عادل إمام الذي كلما جاءت سيرته تذكرت وجوهًا أخرى لا تخلو منها صفحات الجرائد والمجلات.. ربما كنت مخطئًا لكني أشعر أنه مرادف لكلمة (حكومة) مثلما شعر الناس تجاه محمد ثروت يومًا ما.
عزيزي عادل إمام.. نحن نحبك فعلًا فصدقنا.. الفيلم رديء جدًا ولا يحوي واحدًا في المائة من الفن الراقي الذي صنعته مع وحيد حامد وشريف عرفة. هذا هو ما أستطيع قوله بعد المشاهدة الألف.