قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Tuesday, June 21, 2022

بعد الثانية صباحا - 4 - الأخيرة

من كتاب "الآن أفهم" - رسوم فواز

مرحبًا يا أستاذ مراد.

جئت سريعًا كما أرى.. إنها الثالثة والنصف صباحًا.. جميل أنك أحضرت معك الرفش.


لا يوجد شيء يتحرك الآن لكنك تلاحظ أن كل التماثيل غيّرت مكانها. بالطبع لا تعتقد أنني نقلت كل تمثال من مكانه، دعك من أن الشريط موجود.. لقد سجلت المشهد كاملًا.

أنت محق بصدد الطاقة النفسية ومحق بصدد التماثيل.. هذه الطاقة النفسية الكاسحة حركت كل شيء هنا، وكان مصدرها تلك البقعة الضوئية أسفل الدرج.

هل تعرف ما يوجد هناك؟

هات الرفش.. سوف أحفر هنا.. عملية شاقة طبعًا لكني سأفعلها بسرعة.. سوف أبدأ بتحطيم طبقة السيراميك هذه ثم أنتزع الملاط من تحتها.. أرجوك أن تتركني أفعل هذا.. لو اتضح أنني مخطئ فلسوف أصلح كل شيء على نفقتي الخاصة.
 
تلك الفتاة البائسة لقيت حتفها بطريقة شنيعة.. لقد هوى قاتلها على رأسها بجسم ثقيل عدة مرات، فلما سقطت أرضًا وجد نفسه في مأزق.. كانت عملية استكمال الدرج جارية، وكانت هناك حفرة مليئة بالرمال لذا ألقى بجثتها هناك وواراها بالرمال.. كانت هناك أجولة بها أسمنت.. هكذا قرر أن ينتهز الفرصة ولعله استعان بمعونة واحد آخر، وهكذا دفن الجثة وفوقها طبقة من الرمال ثم صب فوقها طبقة من الأسمنت فالمزيد من الرمال.. وفي الصباح أشرف بنفسه على تركيب السيراميك في الموضع ذاته لتدفن الجثة إلى الأبد.

لهذا يبدأ ذلك الضوء الغامض عند أسفل الدرج.. هذا هو المكان.. الفتاة تعلن عن موضع قبرها.

كيف حدث هذا؟ من الفاعل؟ القصة هي البساطة ذاتها.. صاحب العمل الذي يفترض أن أية فتاة تعمل عنده هي جارية ملك يمينه، خاصة إذا ما كان مثلك لا يترك امرأة في حالها. الفتاة كانت جميلة فقيرة شريفة، وفي ذلك اليوم طلبتَ منها أن تبقى بعد انصراف الجميع لتساعدك.. إن الافتتاح قريب ولا بد من العمل الشاق.

هنا كشفْتَ عن وجهك القبيح.. لكن الفتاة كانت باسلة وقاومتك بعنف وأطلقت صرخات كفيلة بإيقاظ الموتى.. هكذا بحثت حولك عن شيء يخرسها.. وجدت ذلك الفأس الذي تركه العمال قبل انصرافهم فهويت به على رأسها.. مرة.. ومرة.. ومرة.

نعم يا سيدي.. أنتَ القاتل.. وهذه هي الجثة.. إنني أزيل الملاط فأرى معالم جسد متحلل اختلط بالرمال والأسمنت لكنه لم يصر هيكلاً عظميًا بعد.

لا بد أنك أبديت دهشة صادقة أمام رجال الشرطة وتساءلت عن سبب اختفائها.. حسبت أنك نجوت بفعلتك لولا أن العمال لفتوا نظرك إلى هذه الظاهرة.

ها هي ذي الجمجمة.. ما زالت بعض معالم الوجه البشري موجودة.. تلك حقيبتها ولا شك.. كان عليك أن تدفنها معها طبعًا.

أنت تنكر يا أستاذ مراد.. هذا حق.. ليس هناك ما يثبت أنك أنت القاتل سوى كلامي.. يمكنك أن تنجو بفعلتك..
لكنك تنسى أشياء مهمة.. عندما جئت أنا لهذه الغرفة كنت "كمال جودة" مصمم الجرافيكس.. لكني خرجت لأرى ما يحدث بالخارج وتركتك على سماعة الهاتف.. الآن صرت أعرف كل شيء وأذكر تفاصيل المشهد.. والسبب؟

إن الطاقة الروحية تفعل أشياء كثيرة، لكنها تحتاج أحيانًا إلى جسد ينفِّذ لها ما تريد.. الإضاءة ضعيفة وأنت مرتبك تركز عينيك على هذا القبر الذي يتسع، فلا تلاحظ هذا الجرح البليغ الذي ظهر فجأة في رأسي.. لا تلاحظ عظام جمجمتي المهشمة.. لا تلاحظ التغير الذي طرأ على ملامح وجهي حتى لم تعد تمتّ للبشر بصلة.. لو أردت الدقة لقلت إنني أبدو كفتاة متحللة تحطمت جمجمتها.


نعم.. الآن ترى كل شيء في الضوء الخافت.. لا تنس أننا وحيدان فلا جدوى من صراخك يا أستاذ "مراد".. لا جدوى من صراخك أبدًا.