======================================
الحديث مستمر عن إنفلونزا الخنازير، لكنني اضطررت للتوقف كي أعبر عن صدمتي من قرار السلطة الفلسطينية بتأجيل النظر في تقرير القاضي الدولي (جولدستون) الخاص بالحرب علي غزة إلي مارس القادم، برغم أن القضية كانت مكتملة الجوانب وهناك حشد دولي لا بأس به، مع آليات تسمح بتحاشي الفيتو الأمريكى والذهاب مباشرة إلي محكمة جرائم الحرب. أي أن الجميع تأهبوا لمحاكمة من قتل ابنك، فإذا بك أول من يرفض المحاكمة. فجأة قررت السلطة الفلسطينية أنها لم تستعد بما يكفي وأنها ستواجه الفيتو لا محالة .. والسؤال هنا: هل لا يوجد فيتو في مارس؟ ممنوع ؟.. طبعًا هذا موقف مفضوح تمامًا ولا يمكن تبريره، وقد سمعنا تفسيرات كثيرة له بين ضغوط أمريكية، ووعود بالسماح بشركة اتصالات لو تنازلت السلطة .. اتصالات إيه بس ؟
الحقيقة القاسية هي أن الحركة الفلسطينية تحمل عوامل هزيمتها في داخلها منذ ولدت، وليست إسرائيل بأكثر خطرًا عليها من السلطة ذاتها. فقط تطاردني صورة ذلك الطفل الجميل في غزة، الذي نام للأبد مع إخوته بسبب الثقب البشع الذي توسط صدره .. نم يا بني ولا تطلب الثأر .. هؤلاء القوم انتفخوا بالجشع وأكاذيب السياسة والخنوع والمال الحرام، حتي لم تعد ملامحهم تشبه البشر بل هم للخنازير البرية أقرب.. لن ينتقم أحد لدمك المهدور .. لقد خانوك وتخلوا عنك وباعوك، ونحن كذلك بعناك عندما صمتنا، وعليك أن تفهم هذه الحقيقة القاسية
نعود إذن إلي المواضيع المرحة المحببة للنفس علي غرار إنفلونزا الخنازير..
تنهمر المقترحات علي بريدي طيلة اليوم، وخاصة ذلك الخطاب الشهير الذي يحذر من اللقاح بأي صورة لأن فيه سمًا قاتلاً. هناك خطابات تؤكد أن الوقاية تتلخص في سبع تمرات من تمر المدينة والحبة السوداء والعسل .. ومن جديد أكرر أن هذه الطريقة في التعامل مع الدين خطرة جدًا، وإلا فبماذا سترد علي من واظب علي نصائحك هذه وأصيب بإنفلونزا الخنازير برغم ذلك ؟.. يقول أحد المنتديات: « إن الأطباء والباحثين لم يتركوا مرضاً من الأمراض إلا وجربوا العسل في الشفاء منه وقد أسفرت تجاربهم وأبحاثهم في مجال علاج الأمراض أن العسل يشفي من جميع الأمراض بإذن الله...... ورغم كل المميزات التي يتمتع بها العسل وقيمته الغذائية فمازال قليل الاستعمال في المستشفيات. ويعتبر ذلك تقصيرًا من الأطباء الذين يركضون وراء كل اكتشافات كيميائية وأمامهم وتحت أنظارهم حقيقة ساطعة لا لبس فيها ولا غموض بأن العسل شفاء للناس». قمت بتصحيح الأخطاء اللغوية علي غرار (ذالك) و(كميائة) و(يعتبر تقصير). العسل مفيد قطعًا وفيه شفاء للناس؛ لكنه ليس شافيا لكل الأمراض كما تقول بهذه الثقة، ولا يوجد شيء يشفي كل الأمراض علي وجه البسيطة، ومن جديد أكرر أنه لا يجب إقحام الدين في مجال علوم دنيوية تتبدل وتتغير، وما فعله الجراح الذي كان يصب العسل في شرج المريض المصاب بسرطان المستقيم هو أنه التزم حرفيا بهذا الكلام حتي مات المريض، لكن الإجابة جاهزة لديه: «العسل مغشوش مش قطف أول». وفي النهاية تترك هذه الطريقة علامات استفهام لدى من لم يشف
أما عن خطاب اللقاح الذي وصلني ألف مرة من ألف واحد تقريبًا فله وقفة. هذه حملة إرعاب ناجحة جدًا وقد أحدثت مردودًا هائلاً يفوق أي خطاب تم تبادله من قبل منذ اختراع الإنترنت، ومن الواضح أن أحدًا لن يتعاطي هذا اللقاح بالتأكيد، فلو كنت أؤمن بنظرية المؤامرة لقلت إنها خطة محكمة ذكية للتقليل من المطالبين بأخذ اللقاح .. بهذه الطريقة يصعب أن تجد من يقبل التطعيم
يبدو لي أن معظم هذه الخطابات قادمة من مصدر واحد، وهناك فيلم فيديو علي موقع (يوتيوب) يقول الكلام نفسه. مشكلة الحيرة (الهاملتية) هذه عالمية وليست مقصورة علي الدول العربية. الحقيقة التي لا يجب أن ننكرها هي أن أحدًا لا يعرف الكثير عن هذه اللقاحات .. لا نعرف الكثير عن نفعها ولا ضررها، لهذا لا أصدق كثيرًا من يقول إن اللقاح (ما حصلش) ومن يقول إنه قاتل. الأخطاء تحدث طبعًا وحتي كوخ العظيم نفسه ابتكر لقاحًا قتل آلاف الأطفال وكانت كارثة (الحادثة موثقة في كتاب صائدي الميكروبات)، لكن التقدم العلمي والهندسة البيولوجية جعلا هذه الأخطاء قليلة جدًا، لكن لابد للشركات أن تحمي نفسها من تعويضات قد تبلغ المليارات .. هكذا تضطر إلي أخذ ضمانات قانونية تخلي مسئوليتها عن أي آثار جانبية، وهذا يزيد الطين بلة .. فلا أحد يوقع علي إقرار بعدم مسئولية الشركة ثم يحقن ابنه بلقاحها
هناك المقال الشهير الذي كتبته من تدعي (سارة ستون) مع صحفيين علميين، وفيه تتحدث عن مؤامرة نازية مخبولة جديرة بأفلام جيمس بوند، تهدف لتقسيم البشرية إلي متخلفين عقليا وأذكياء. هي تؤمن أن الفيروس تم تركيبه في المختبر لأنه خليط من الفيروس الوبائي الذي انتشر عام 1918م بالإضافة إلي جينات من فيروس إنفلونزا الطيور
H5N1
وأخرى من سلالتين جديدتين لفيرو س
H3N2
لا أعرف أي دليل في هذا ؟.. منذ ظهور إنفلونزا الطيور ونحن نتحدث عن خلط جيني سيتم داخل الخنزير، وتوقع كل علماء الوبائيات أن ساعة الوباء تدق وقد حان وقت الجائحة
pandemic
.. فما الجديد إذن ؟. احتمال التخليق معمليا وارد طبعًا ، لكن لماذا لم يصمموا فيروسًا أشد فتكًا إذن ؟ هناك قائمة طويلة من الأسماء المتهمة علي رأسها شركة باكستر التي تلعب دور شرير الفيلم هنا
اكتشفت سارة أن اللقاح يحتوي علي مادة السكوالين كعامل مساعد
Adjuvant
كل اللقاحات تحتوي علي عامل مساعد يسهل تقديم المستضد للخلايا المناعية . سوف يكون الجسم أجسامًا مضادة ضد السكوالين، من ثم يدمر نفسه بنفسه. « وعندما تتم برمجة الجهاز المناعي لمهاجمة السكوالين فإن ذلك يسفر عن العديد من الأمراض العصبية والعضلية المستعصية والمزمنة التي يمكن أن تتراوح بين تدني مستوي الفكر والعقل ومرض التوحد واضطرابات أكثر خطورة مثل متلازمة لو جيريج
Lou Gehrig's
وأمراض المناعة الذاتية العامة». لو جيريج لاعب بيسبول أمريكي أصيب بتدهور غامض، وشخصته مايو كلينيك كنوع متقدم من التصلب الجانبي. الأدهي أن هذه الأعراض تظهر بعد عام (يعني أنت لن تستفيد شيئا لو جربت اللقاح في زوجتك أولاً)، وتؤكد سارة أن جزءًا كبيرًا مما يسمي (متلازمة حرب الخليج) يعود للقاح الجمرة الخبيثة الذي احتوي هذه المادة. إذن اللقاح سوف يشل نصف البشرية ويصيب نصفها الآخر بتخلف عقلي وسيصاب 80% بالعقم. هناك كذلك الكثير من الزئبق الذي يؤدي إلي مرض التوحد
Autism
أثار إعجابي أنها لم تضف السرطان للقائمة كما يفعل الجميع. ثم تقول سارة :«إن ما يثير الريبة هو تهويل المنظمة من شأن الفيروس الذي قتل قرابة 500 شخص فقط في العالم منذ إطلاقه من قبل مصنعيه». ما هذه الأرقام الغريبة ؟.. المرض قتل 4100 في العالم حتي 3 أكتوبر 2009. هل كتب هذا المقال في يونيو إذن ؟. إذن كان اللقاح في علم الغيب وقتها. ثم لو كان الفيروس مخلقًا في المختبر وبه كل هذه الجينات كما تقولين، فلماذا هو لطيف مسالم لهذا الحد ؟... كلام متناقض. ثم الإنذار الأهم «إذا رأيت شريط فيديو لشخصيات كبري يأخذون تطعيماتهم ، ضع في الاعتبار أنه ليست كل الجرعات مماثلة»
هذا ما قالته سارة ستون، وهو يقول إن اللقاح أخطر شيء عرفته البشرية منذ القنبلة الذرية.. هناك كذلك الصحفية النمساوية يان بيرجرمايستر التي أعلنت أن ما يعرف بفيروس إنفلونزا الخنازير ما هو إلا مؤامرة يقودها سياسيون ورجال مال وشركات لصناعة الأدوية في الولايات المتحدة الأمريكية. واتهمت منظمة الصحة العالمية، وهيئة الأمم المتحدة، والرئيس الأمريكي باراك أوباما، ومجموعة اللوبي اليهودي المسيطر علي أكبر البنوك العالمية بالتحضير لارتكاب إبادة جماعية وذلك في شكوي أودعتها لدي مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف بي آي). تعودت علي كل حال أن من يتهم الجميع بهذه الطريقة غير متزن علي الأرجح. وهذا يشبه المريض الذي يشكو من المفاصل والقلب وسوء الهضم والصداع وآلام العينين وصعوبة البلع معًا .. غالبًا تترجم هذه الأعراض الكثيرة بأن عقله ليس علي ما يرام
المساحة الكريهة قد انتهت وأنا لم أبدأ بعد !.. يبدو أنني سأعود للموضوع مرة أخري في المقال القادم إن شاء الله