مؤخرًا انتشر كليب لمذيعة من قناة الحدث اليوم تتحدث عن أنها تلقت مكالمة استغاثة من صديقة لها في فلوريدا، خائفة من الإعصار الذي سيجتاح البلاد، وقالت:
صديقة ليا كانت ساكنة فى فلوريدا، طلبت مننا قبل الإعصار إننا نساعدها، وكانت خايفة جدا هي وولادها، لأن الإعصار كان ضارب فيهم حسب الخط المناخي، وكان هيشيل البلد اللي قاعدة فيها مع ولادها وإخواتها.. قدرنا إن احنا نحول مسار الإعصار ونوطي الطاقة بتاعته بنسبة أخف، وحاولنا نحدفه شوية تجاه خليج المكسيك ما فيش بشر فيه.
تتكلم بجدية شديدة ولهجة عملية احترافية، ودون أن يرمش لها جفن.
هذا الجنون الذي صار ينصب علينا من الفضائيات ومن كل شيء صار أقوى من السيطرة، وعلى كل حال ما زال هذا يخضع لقانون الرنجة الحمراء. أعط الناس أشياء يتكلمون عنها كي لا يلاحظوا أشياء أدهى مثل قانون نزع الجنسية على سبيل المثال. من أمثلة الرنجة الحمراء راية قوس القزح وانزلاق لسان أحمد الفيشاوي وفتاوى مضاجعة البهيمة والموتى.. إلخ.
من يريد أن يلقي الرنجة الحمراء يجد الكثير في وسط مجتمع قرر أن يجن، ولهذا اسمح لي أن أذكرك بمقال قديم لي يتحدث عن ظاهرة الخبال هذه باعتبارها نتيجة لفيروس الباذنجان (إجبلانت):
هذا بلاغ لمنظمة الصحة العالمية، وأعتقد أنه سيلاقي الاهتمام الملائم له، وهذا يتعلق بتفسير حالة الجنون العجيبة التي تجتاح المجتمع المصري حاليًا.. أعتقد أن هناك فيروسًا من نوعية RNA قد تسرب إلى مصر من الفضاء الخارجي. ثمة احتمال أن يكون جزءًا من حرب بيولوجية يشنها مجلس إدارة العالم علينا، لكن لا أعتقد أنهم قادرون على تصميم فيروس بهذه الكفاءة.
أقترح أن يتم إطلاق اسم (فيروس إجبلانت-1) أو Eggplant Virus 1 على الفيروس للدلالة على الباذنجان الذي تحولت له عقولنا مؤخرًا.
من الواضح أن الفيروس سريع الانتشار وينتقل بكل الطرق الممكنة، بدءًا بالكلام أو السلام، لكن أقدر طريقة لانتشاره هي مشاهدة الفضائيات.
يكمن الفيروس لفترة حول العصب البصري أو السمعي أو الشمي، ثم يبدأ مهاجمة الجهاز العصبي المصري فيصيب المرء بجنون تام.
إن الدلائل على وجود الفيروس في الجو بكثافة واضحة تمامًا، وقد لمحنا علامات مقلقة مثل حالة الإيوفوريا التي تدفع النساء إلى الرقص أمام لجان الاستفتاء على الدستور بلا سبب. وكما قال الساخر أسامة غريب وقتها: «المرأة المصرية التي لا تؤدي وصلة رقص شرقي أمام لجنة الانتخاب لا تمثل هذا الوطن!». تكرر المشهد مرارًا ولا أعرف سبب الفرحة الغامرة التي تذهب بالعقل لهذا الحد لدى التصويت على الدستور. كان تفسيري الوحيد وقتها هو الإيوفوريا.. نوع من التنفيس عن الضغط العصبي والخوف من الغد، وهو يتخذ شكل وطنية مبالغًا فيه. لكني الآن عرفت أنني كنت أحمق.. الفيروس إجبلانت-1 هو السبب.
كان اقتناع الناس بالدستور عظيمًا، وأقوى من اقتناع المؤمن بقدسية كتابه المقدس، وقد قبلنا هذه الحقيقة. ثم بدأ المتحمسون مؤخرًا يكتشفون أن الدستور لم يكن جيدًا جدًا وأنه يخدم الإخوان.. وتعالت نغمة أنه يجب تغييره. تتكرر قصة الرقيب أخميلوف رائعة تشيكوف.. هذا كلب الجنرال. إذن هو كلب نبيل وقد تحرش به الوغد.. لا.. هو ليس كلب الجنرال.. إذن هذا كلب متشرد يجب رميه بالرصاص.
يبدو أن الفيروس يفضل المرأة بالذات لتحويل مخها إلى باذنجان، وقد رأينا حملة الغضب ضد تلك المذيعة التي تاجرت بسمعة وشرف وخصوصية ضيفة برنامجها، ورأيناها تتهم يسري فودة النبيل بأنه يحاول نيل بعض الشهرة على حسابها. رأينا كذلك تلك السيدة التي تكلم أوباما بلغة إنجليزية مذهلة، لتقول له ليسين أوباما شات يور ماوس… ضحك الكل على المرأة البائسة الطيبة، وعرفنا أنهم جالوا بها في العالم العربي كله ليرى الناس ما تحولت له المرأة المصرية حفيدة نبوية موسى أو هدى شعراوي. باختصار حولوها لفقرة سيرك.
يمكن ابتلاع هذا كله، لكنك إذ تدخل شبكة الإعلام تجد شواهد عجيبة على أن الفيروس تسلل لكل شيء. لم أستطع أن أجد وصلة حلقة (أبلة فاهيتا) التي أذيعت يوم الخميس 22 أكتوبر/تشرين الأول 2015، لكني أرجو أن تشاهدها. بذل مُعد الحلقة مجهودًا رائعًا مذهلاً في توصيف حالة الجنون العامة التي اجتاحت البرامج والضيوف والخبراء الإستراتيجيين وكل شيء.
هناك عكاشة الذي غير تفكير المصريين لمدة عشرين سنة قادمة، وجعلهم يفكرون مثله بالضبط. فحشا عقولهم بالقش والماسونية وبروتوكولات حكماء صهيون والمؤامرة الدولية..
رأينا من يعلق على الإعلام المصري الحكومي الذي وصف حالة اللجان الخاوية.. وصفه بأنه إعلام إخوان!! ورأينا رجل القانون الذي يظهر في كل البرامج ليشتم أمهات الناس ويلعنهم في شرفهم – لدرجة أنه يشتم القضاة بلا عقاب – مثيرًا الرعب لدى المذيعين الذين استضافوه أنفسهم..
هل تابعت المكالمة العجيبة بين لميس الحديدي والمشاهد الذي يقول لها إن الناس قاطعت الانتخابات لأن البرلمان سيعوق عمل السيسي؟ وافقته على رأيه. قال لها بعد ذلك إنه سينزل للانتخابات في المرحلة الثانية مع أسرته بكل حماسة فوافقته بنفس الحماسة.! إنه الفيروس إجبلانت-1 يا سادة..
ثم ما هو البرلمان الذي يعوق أي واحد، وهو يضم حساسين شخصيًا؟
لم أصدق تفشي الفيروس حتى وجدت رئيس لجنة يعلن حصول القوائم على 37 ألف صوت بدائرة عدد ناخبيها 4 آلاف!!.. ووجدت صحفيًا دخل البرلمان مؤخرًا يعلن أننا نريد تكوين تحالف يمرر القوانين في البرلمان بلا عرقلة!!!. الخارجية المصرية تنتقد وسائل الإعلام العالمية بلغة شديدة لأنها أظهرت لجان الانتخابات خالية، ويعلق قارئ ظريف في الإنترنت على الخبر على طريقة هنيدي: إزاي تتهجموا على حرمة «بيوت الدعارة»؟
فيروس إجبلانت-1 يزحف بسرعة مذهلة. ومن خواصه المهمة أنه يقضي على أي شعور بالخجل لدى المصاب به. يعني لو افتضح كذبه فإن شعاره هو وإيه يعني؟ فليغضب من يغضب.. الأبطال يُقذفون بالحجارة بينما الأزهار للموتى.. لأنني في المقدمة يطعنوني في ظهري.. إلى آخر هذا الهراء الحمضان. مكاسب هؤلاء القوم توحي لهم بـأنهم يفعلون الشيء الصحيح. قال روكفلر يومًا: «حسابي في المصرف يؤكد أن الله راض عما أعمله!».
كان لدينا أمل في البروفسور عبعاطي وعلاجه المذهل كي يستأصل لنا فيروس إجبلانت-1، وهو علاج تحمس له أساتذة جامعة وأطباء وفي فترة من الفترات كان المقياس الوحيد لوطنيتك هو أن تؤمن به. تبين أن الجهاز وهم كبير، لكن الفيروس إجبلانت-1 أصاب العاملين عليه وجعلهم لا يخجلون من خداع الشعب المصري كله، وهذا هو قمة الإعجاز.
من ضمن خواصه أيضًا أنه يصيب الشرفاء بالإحباط ويجعلهم يعتزلون العالم في كهوف يأسهم.
لو لم تتدخل منظمة الصحة العالمية لتحديد الخارطة الجينية للفيروس، والبحث عن لقاح له في عصر الهندسة الجينية، فلسوف يقضي علينا جميعًا.. عما قريب سيتم بناء سور عملاق حول مصر ويتم توزيع جرعات المهدئات والليثيوم والصدمات الكهربية، ولربما يمكن السماح للسياح بزيارتنا يوم الجمعة ليتسلوا بمشاهدتنا ويلقوا لنا الفول السوداني وساندوتشات المسامير.