كان الأميركان مذعورين بشدة من اليابانيين، الذين سوف يزحفون على كل شيء ويحتلون كل مكان، وتوقعوا أن تنفتح الأجهزة الكهربية ليلاً ليخرج منها جيش من الأقزام الصفر يستولون على البلاد، اليوم بدأت أعتقد أن اليابانيين أنفسهم خائفون من الزحف الصيني.
كل شيء صار صينياً.. سجادة الصلاة والمسبحة ولعبة الأطفال والخلاط ومشغلي الأقراص والكمبيوتر والسيارة.. ثم بدأ العريس الصيني يظهر في مصر.. نعم.. هي ليست مزحة، فقد كتبت جريدة الأهرام القاهرية عن غزو العرسان الصينيين للقاهرة، ويبدو أن العريس الصيني لا يكلف ومؤدب جداً ومطيع.. الخطر الحقيقي أن تدفعه العروس بيدها فيتفتت إلى ألف قطعة كما يحدث للعب الأطفال الصينية.
هناك حلاقون صينيون يمرون على البيوت ليحلقوا شعرك وأنت مستريح.. صحيح أنك تبدو بعد ذلك كأنك تمثل دور زعيم العصابة في فيلم كونج فو صيني، لكن لا تنكر أنها خدمة ممتازة.
إنهم في كل مكان وتحت كل حجر.. هناك منطقة مقفرة اعتدت أن أوقف فيها سيارتي، وقد اكتشفت أن أحد الباعة الصينيين يجلس هناك ليشرب الشاي مع حارس السيارات، وبرغم أن أحد الرجلين لا يتكلم العربية والآخر لا يتكلم الصينية، وكلاهما لا يتكلم أية لغة أخرى فإن التفاهم ممتاز بينهما.
لا أعرف ما سيحدث بعد هذا.. مثلاً مهنة المسحراتي مهنة أصيلة في مصر، وهو الرجل الذي يوقظ الناس للسحور في رمضان، لكني خائف فعلاً من أن يظهر المسحراتي الصيني.. (وانج - هو) المرعب الذي يحمل سيفاً ويجوب الشوارع عند الفجر.. يدق باب بيتك فإذا لم ترد وجه ضربة كونج فو محكمة له كي يهشمه، ثم يتجه لغرفة النوم ليمسك برب الأسرة من عنقه ويوجه له لكمة وسيف يد.. ويقول: «اسها يا نايم وهد الدايم» بلكنته العربية الكسيحة، ثم يصرخ صرخة مجنونة (كاي ي ي ي!) ويغمد السيف في الباب الخشبي، وينصرف توطئة لأن يكرر هذا كله غداً! نعم.. لست متحمساً لأن أرى المسحراتي الصيني في شوارعنا.
كابوس مرعب آخر يطاردني هو ظهور المؤلف الصيني.. إنه لا يتقاضى سوى ملاليم ويمكنه أن يكتب عشر مقالات ورواية كل يوم.. سوف ترحب به الصحف طبعاً، وتتعاقد معه على الفور وتطرد الكتاب الكسالى من أمثالنا.
سوف يكتب (وانج - هو) في أي موضوع يكلف به: اكتب عن علم السيبرنية والإبستمولوجي.. اكتب عن وقود الصواريخ النووية.. اكتب عن تاريخ غينيا.. اكتب شعراً نبطياً.. اكتب مقالاً سياسياً.. اكتب مقالاً ساخراً.. لا مشكلة.. فقط سوف يكتبه باللغة الصينية والحبر الشيني، لكن هناك من يقوم بالترجمة طبعاً.
ربما يظهر الأب الصيني في السوق.. لو لم يرق للولد أبوه فلربما يستبدل به أباً صينياً مهذباً صموتاً يسمح للولد بالسهر حتى الثانية صباحاً مع رفاقه، ولا يأمره بالاستذكار أبداً، ويشتري له سيارة صينية يلهو بها وهو في السابعة عشرة من عمره، الأم الصينية لا تصدر أوامر أبداً، لكنها تطبخ للفتى كل ما يشتهيه من طعام، وتظل في المطبخ إلى أن تتلف الرطوبة مفصلاتها فيبتاع أماً أخرى، ومن يدري؟ ربما يظهر (أنا) صيني أيضاً.. (أنا) أفضل مني بكثير يجيد السباحة والملاكمة وإصلاح الصنابير التالفة، وهو أسود الشعر لا يشيب أبداً، ومزاجه طيب طيلة الوقت.. متفاهم ظريف.. إنه رائع في الحفلات لأنه يملك دعابات ظريفة جداً، ويعرف عشرات الألعاب التي تعجب الأطفال، كما أنه لا يكلف مليماً، ولا يكف عن إعطاء زوجته المال وإطراء جمالها.
نعم.. إن المستقبل مرعب ما لم يتوقف المد الصيني لحظة أو يتراجع، لكني سأظل مطمئناً، على الأقل، مادمت أنظر للمرآة فأرى وجهي المرعب ولا أرى (وانج - هو)، وما دمت أبحث عن مقالي في هذه الجريدة الغراء فأجد اسمي.. يوم أجد اسم (وانج - هو) سأعرف أنها النهاية.