تحكي القصة الشهيرة عن أربعة من الأشخاص المحترمين كانوا يأكلون البفتيك في مطعم. أخذ كل منهم نصيبه ولم تبق سوى قطعة بفتيك واحدة في الطبق.. وهكذا مرت بهم لحظة من التردد بصدد ما يجب عمله.. لحظات بقية القسمة هذه التي تسبب مشكلة في حياتنا. هنا انقطع التيار الكهربي.. ساد الظلام.. ودوت صرخة رهيبة.
لما عاد الضوء الكهربي، رأوا ثلاث شوك مغروسة.. لكنها ليست مغروسة في البفتيك بل في يد أحدهم! كل واحد أراد أن يسرق قطعة البفتيك في الظلام، لكن أحدهم وجد أن سرقتها باليد أسهل.. وهكذا عندما عاد النور افتضحت النفوس وظهر للعيان الشيطان الكامن في الأعماق.
إن اللحظات التي يعود فيها التيار الكهربي أو تتضح حقيقتنا للملأ تكون قاسية جداً، وموقع «يوتيوب» يعج باللقطات لمذيعين يتكلمون براحتهم قبل أو بعد البث. وهي لقطات فاضحة أعتقد أنهم مستعدون لدفع مال كي لا تعرض. أحد المذيعين الوقورين ظهر، وهو يعبث في أنفه بنشاط ونهم، وهناك من يشتم الجمهور بشتائم بذيئة جداً، ثم تدور الكاميرا فيرسم على وجهه أكثر الابتسامات لطفا وإشراقا ويتحول بلمسة سحرية إلى ملاك.
هناك أنواع أخرى من الفضائح تأتي من حيث لا تتوقع.
مر بي هذا الموقف بشكل قاس عندما كنت في الجامعة. كانت هناك انتخابات.. وكنت أقابل طيلة اليوم أشخاصا لا أعرفهم ولا أذكرهم ينتزعون مني الوعود بأن أنتخبهم: «لا تنس.. أنت تعرف إنجازاتنا.. يمكنك بسهولة أن تعرف الطالب النشط من الطالب عديم النفع»، فأبتسم في لطف وأعد بأن أنتخبه وأنسى اسمه وشكله بعد دقيقة.
جاء صديقي يطلب مني أن أنتخبه للجنة الثقافية بالكلية. صديقي هذا لا يعرف حرفا عن معنى كلمة «ثقافة»، وعلى الأرجح يكتبها «سقافة». كما أنني أشك في قدرته على أن يقرأ الجريدة أو يكتب اسمه «حسن» من دون أربعة أخطاء قاتلة. لكنه صديقي لذا وعدته بأن أنتخبه.
عندما جاء وقت الانتخابات نسيت كل شيء عن الوعود التي قطعتها وانتخبت الشخص الذي بدا لي مناسبا.
ظهرت نتيجة الانتخابات، هنا فوجئت بهذا الصديق يقابلني بوجه متجهم، ويلقي علي موعظة عن الصداقة والأمانة والوفاء بالعهد.. لقد حصل على صوت واحد.
قلت له في حماسة:
«هذا أنا.. هذا صوتي أنا»
قال وهو يبتعد:
«بل هو صوتي.. أنا الأحمق الوحيد الذي انتخبني»
يحكون عن ذلك المرشح للانتخابات من أميركا الجنوبية الذي ظهرت نتيجة الانتخابات، فطلبت زوجته الطلاق.. السبب؟ لأنه حصل على ثلاثة أصوات.. كان تفكيرها منطقيا.. صوته وصوتها فمن صاحب الصوت الثالث؟ بالطبع هو يعرف امرأة أخرى غيرها.
برغم كل شيء أعتقد أن موقفي أنا كان أكثر إحراجا وسوءا. فقط لو حصل ذلك الأحمق على صوتين لأمكنني أن أتوارى وراء الصوت الثاني، لكنه لم يترك لي سوى الحقيقة العارية.