تعالوا تعالوا يا أولاد ويا بنات
تعالوا لتضحكوا وتمرحوا وأنتم تشاهدون السيرك العظيم. راقبوا الألعاب الخطرة التى يؤديها اللاعبون فتتقطع الأنفاس وتحتبس فى الصدور
تعالوا.. تعالوا
الفرجة مجانية ولا توجد تذاكر.. فقط هات معك قطعة رخام مكسورة. أى قطعة.. لو وجدت مدية أو سنجة، ولو كنت تعرف كيف تعبّئ زجاجة مولوتوف فهى فرصتك.. ستدخل السيرك مجانًا وتكون لك فقرتك الخاصة
إن محمد أبو حامد الساحر العظيم يقدم لنا فقرته المذهلة.. يعدنا بأن يشعل الثقاب ثم يضعه جوار فوهة زجاجة تتصاعد منها أبخرة البنزين، ورغم هذا يعدنا أنه لن يحدث حريق.. لماذا؟.. لأنه الساحر العظيم رجل النار والكهرباء
أبو حامد كذلك يحذر.. يتوقع أن يقوم الإخوان بإحراق مقارهم وإلصاق التهمة بأعوانه. صديقى المسيحى الذى لا يحمل للإخوان مودة قال لى: «واضح أن الرجل ينوى فعلًا حرق مقار الإخوان، لكنه يمارس نوعًا من اللؤم!»ـ
كنت طبيب امتياز أتدرب عندما علمنى طبيب أطفال أكبر سنًّا حيلة ظريفة.. عندما تفحص طفلًا ارتفعت درجة حرارته، وقبل أن تظهر أى علامات تبين نوع الحمى، يمكنك أن تقول للأم: «لو ظهر طفح على جلده خلال أيام فلا تقلقى.. إنها الحصبة». هذه طريقة خبيثة لأن الطفح قد لا يظهر.. ولن تلومك الأم على ذلك.. أما لو ظهر الطفح فلسوف تعتبرك عبقريًّا يرى الغيب. نفس الشىء يحدث هنا.. لو احترقت مقار الإخوان فلأنهم هم الذين أحرقوها.. يا سلام! هل تضمن أنه ليس فى صفوفك بلطجية أو مخربون أو مندسون؟.. وماذا عن اللعبة المفضلة لدى الداخلية؟.. هذه فرصة ممتازة للتخريب وإشعال الحرائق، ولو لم يغتنمها هؤلاء فنحن فى المدينة الفاضلة إذن
إذن، لماذا ترى الغيوم فى الأفق والأمواج تتعالى والكهرباء الاستاتيكية تتراكم فى الجو وتلسع بصيلات شعرك، ورغم هذا تصر على هذه الرحلة المشؤومة بقارب متداع أصلا؟ سوف تغرق السفينة بك ومن معك ولا أبالى بذلك، لكنها كذلك ستحدث دوامات تجر معها الجميع
تتقدم بقائمة مطالب طويلة معقدة وهذا معناه الفشل.. لا تنجح إلا المظاهرات ذات الهدف المحدد الواضح، أما أنت فتريد كل شىء فى آن واحد.. ومن جديد أعود إلى الطب.. المريض الذى يصف آلاف الأعراض من الإرهاق إلى المغص والإسهال وضيق التنفس والصداع والدوخة والتنميل.. إلخ.. غالبا يصف مرضا فى عقله لا فى جسده. الاحتجاج الذى يلوح بهذه القائمة الطويلة لن يفضى إلى شىء على الإطلاق.. لا شىء سوى الفوضى
والسؤال هنا: لماذا ابتلعت أضعاف ذلك أيام العسكر ولم تتكلم؟.. فجأة صار الكل ملتهبى العواطف والكبرياء منذ تولى مرسى الرئاسة. قرأت لكاتبة شهيرة جريئة تلوم مرسى لأنه يخطب فى مسجد ولم يخطب فى كنيسة، والموضوع كان يتعلق بعيد الفطر لا أكثر.. لكنها تقول له (انت زوّدتها قوى يا مرسى!)ـ
حتى غرض ما تقوم به يا سيد أبو حامد غير واضح.. تارة تتكلم عن التظاهر كحق مشروع -وهذا صحيح- لكن من معك تكلموا كثيرا جدا وبصراحة، وقالوا إن الغرض هو الإطاحة بالرئيس المنتخب مرسى. هذا واضح وجلى تماما.. المطلب الأول والوحيد لك هو أن تحكموا أنتم وليرحل مرسى.. مرسى الذى لم يستكمل مئة يوم بعد ولم يجد الفرصة ليرتكب أخطاء بعد.. لكنك بهذا تدشن قاعدة خطيرة وتلغى الديمقراطية من جذورها. كل رئيس لا يروق لفئة معينة من المواطنين، سوف يخرجون لإسقاطه.. وغدا يطالبون بإسقاط رئيس يضع إصبعه فى أنفه أو دمه ثقيل أو إصبع قدمه متضخم
تارة تتكلم عن مظاهرات تبدى الاحتجاج لا أكثر، وتارة تتحدث عن ثورة.. يعنى أنت ستبدأ وربنا يسهل.. لو صار الأمر ثورة كان بها
أتمنى قبل أن أموت أن أجد رجلا واحدا يحب مصر مثلما يحب نفسه أو أكثر، لكنكم جميعا لا تبالون بهذا الوطن. فليذهب فى ستين داهية. حتى الحلم الوردى الذى تمثل فى حمدين صباحى وأبى الفتوح هوى من حالق عندما رأيتهما يخرجان فى مظاهرات ترفض نتيجة الانتخابات، لمجرد أنهما لم يفوزا.. كان الموقف أصغر منهما بكثير جدا
نعود إلى الساحر العظيم محمد أبو حامد الذى يصر على ضم المسيحيين معه فى مظاهرته، ليضفى إلى مواجهة الإخوان طابعًا طائفيًّا أكيدًا ويحول الموضوع إلى حرب دينية
لحسن الحظ تتصرف حركات وطنية كثيرة بحكمة وذكاء، ومنها حركة 6 إبريل التى أعلنت عدم المشاركة.. وقال طارق الخولى المتحدّث الإعلامى للجبهة، فى بيان لها: «لن يكون من المقبول التعامل الأمنى مع التظاهرات كما كان نظام مبارك يفعل، لكن أما آن لهؤلاء المشاركين فى تظاهرات 24 أغسطس أن يُراعوا الله فى مصلحة الوطن، ويقرّوا بفساد نظام مبارك -أبيهم- ويستخدموا جهودهم لبناء الوطن حتى إن ظلّوا رافضين لنظام جاء فى أعقاب ثورة أطاحت بنظام مبارك، ويعمل على تطهير البلاد من أذنابهم»ـ
تعالوا تعالوا وشاهدوا الرقص على الحبل، واعلموا أن لكل فعل رد فعل.. فى كل أنحاء مصر تم حشد الإسلاميين ورفع ضغط دمهم استعدادا لهذا اليوم.. كلنا نعلم فتوى الذبح ومن أيّد فتوى الذبح.. وبدأت حرب الشائعات المضادة على صفحة الحرية والعدالة: «الفريق شفيق قام بترتيب اجتماع موسع حضره عدد من ضباط أمن الدولة المفصولين وعدد من رموز الإعلام، ومحمد أبو حامد، وعدد من الشخصيات المحسوبة على التيار الليبرالى واليسارى، كما تم الترتيب لتفاصيل اليومين». يقول الخبر إن شفيق رصد 30 مليونا وآلاف البلطجية من أجل هذا اليوم. طبعا كلام فارغ.. لكن لا يفل السخف إلا السخف ولا يواجه الهراء إلا الهراء
الخلاصة: البعض يكرهون الإخوان ومرسى بعنف وشراسة لدرجة أنهم يريدون حرق مصر كلها.. بعد الحريق لن يكون هناك إخوان باقون. البعض لا يفهم حرفًا عن قواعد الديمقراطية ويحسب معناها أن أحكم أنا وإلا فالويل لكم. سوف يكون يوم الجمعة اختبارًا عسيرًا.. كلنا نؤمن بحق التظاهر لكن التظاهر فى هذا الوقت المبكر وبهذه الطريقة هو وضع نار جوار البنزين، وسوف يحدث الاحتكاك بسهولة جدًا.. أنت مسؤول يا سيد أبو حامد عن أى روح تفقد فى هذا اليوم
أما عن تحدى حكومة منتخبة فعلا -حتى لو كنا نكرهها- فخطأ جسيم. والنتيجة هى أن دعوتك ستفشل.. ولسوف يخرج الإخوان من هذه المعركة وقد أثبتوا من هو الطرف الأقوى ومن الطرف الذى يسيطر على الجماهير بقوة.. أنت تسدى لهم خدمة ما كان أحد سواك يستطيع تقديمها.. تعالوا يا أولاد ويا بنات.. استمتعوا برؤية المشاجرات والدماء التى تسيل والمزيد من التخبط والتعثر وتعطيل المسيرة.. كل هذا مجانًا.. شاهدوا هذا كله وادعوا للساحر العظيم رجل النار والكهرباء