صدقنى يا صاحبى أنا لا أهتم بالسياسة ولا أفهمها، ولا أهتم كثيرًا بكل هذا الجدل الدائر.. فى رأيى أنه لا بد لنار الإعلام المضطرمة ليل نهار من حطب.. من جثث تلقى فيها لتظل مشتعلة. فى بداية الثورة كانت الأمور واضحة جدًا والأسود والأبيض واضحين.. نحن وهُم.. نحن الأخيار أبطال الفيلم وهم الأشرار. هناك مشهد إجبارى فى النهاية لو لم يأت فلسوف ينصرف المشاهد ساخطًا.. يجب أن نلقّنهم درسًا وننتصر. لا تسمح بموت البطل أبوس إيدك. ليس هذا فيلمًا لجودار تموت فيه البطلة فى أول الفيلم. المشاهد المصرى لم يعتد هذا
مع الوقت اختلط الأسود والأبيض وصارت هناك منطقة رمادية مبهمة، وصار الكل يتهم الكل بأى شىء، وظهر عكاشة ليقول كلامًا عجيبًا، والأغرب أن تكتشف أن هناك مَن يصغون له، والأعجب أنهم يصدقون
صدقنى يا صاحبى، أنا لا أهتم بهذه التعقيدات، ولا أنوى الدخول فى جدل بلا نهاية.. أنا لم أنتخب مرسى ولا شفيق فى انتخابات الإعادة، والكل يعرف أن صوتى كان لحمدين صباحى فى الانتخابات الأولى.. بعد قليل بدأت أطالب بعدم حفر الخنادق فى طريق مرسى. أتمنى له النجاح بالتأكيد، بينما كثيرون يتمنون له الفشل
ما يعنينى هو أنت
رأيتك فى تلك الليلة المدلهمة التى لم يطلع لها شمس، وأنت واقف وحدك أمام ذئاب العادلى المسربلين بالسواد، وأنت تفتح لهم ذراعيك كاشفًا عن صدرك، فى حركة أريحية يبدو كأنها جاءت من إحدى قصص مكسيم جوركى.. يبدو أنك توقعت أن تصيح: «أنا الشعب» فيبكون ويرتمون على صدرك، لكن تبيّن أنهم -ولاد ستين كلب-غير مولعين بمكسيم جوركى ويفضلون شولوخوف.. وهكذا رأيتهم يطلقون الرصاص عليك بلا تردد كما يفعل شرطى الدورية مع كلب مسعور، وسمعت الأختين السكندريتين الرقيقتين تصرخان: الحيوان ده عمل إيه؟
لم تتصورا وجود كل هذه القسوة فى العالم وهما تصوران ما يحدث
قلت لنفسى عندما رأيت الفيلم فى «يوتيوب» أول مرة: هذه قضية منتهية. ما أسهل تحديد شخصيات الجنود الذين كانوا فى تلك الساعة فى هذا الشارع، وسوف يسهل تحديد شخصية الفاعل.. هذه جريمة قتل أمام العدسات نرى فيها وجه القاتل بوضوح.. لا يمكن أن يضيع الحق
صدقنى يا صاحبى، أنا لا أهتم بالتفاصيل، ولا بالسؤال عما إذا كانت هذه مسؤولية النائب العام أم قضاة التحقيق.. ربما هى مسؤوليتى أنا أو مسؤولية زوج خالتى. ما أعرفه هو أن القصاص لم يتم لك
صدقنى يا صاحبى، أنا لا أهتم بالصراع الدستورى ومقاعد البرلمان، لكنى مهتم بمشهدك وأنت تسقط تحت عجلات تلك السيارة المندفعة التى تخص السفارة الأمريكية.. سيارة سفارة والجريمة مسجلة بالكاميرا
عندما يريد هؤلاء القوم أن يمارسوا عملهم فهم يفعلون ذلك.. يكبّرون وجهًا صغيرًا شاحبًا فى صورة، أو يتتبعون الهاتف المحمول لنائب فى مجلس الشعب.. هم قادرون على أشياء كثيرة إذا أرادوا، لكنهم رغم هذا عجزوا عن تقديم أوراق واضحة تدين مَن فعلوا بك هذا
صدقنى يا صاحبى، أنا لا أهتم بالانتقام من المجلس العسكرى لهذا الحد، قدر ما أنا مهتم بالانتقام ممن ذبحوك فى موقعة الجمل.. الاتصالات التى كانت تنهمر على هاتفى من الميدان من شباب زى الورد تقول لى: إنهم يذبحوننا.. الصور على شاشة قناة «الجزيرة» تؤكد ذلك، وقد رأيتك وأنت تسقط تحت خف الجمل وسنابك الخيول. كل هذا لم يفض لشىء وتمت تبرئة الجميع.. ربما أعدموا الجمل نفسه، لكنى لست متأكدًا
صدقنى يا صاحبى، أنا لست مهتمًا بخلط الأوراق، ولا خلط التظاهر فى ميدان التحرير من أجل الأحكام المخجلة فى قضايا قتل المتظاهرين، مع كراهية مرسى المتأصلة لدى البعض مهما فعل، مع انتهاء المئة يوم الخاصة بمرسى قبل أن ينجز كل وعوده.. البعض يرى أنه لم ينجز سوى 40%، ومن يرى أنه لم ينجز أى شىء.. صدقنى لا أفهم.. هل خرج الإخوان يوم الجمعة لقمع مَن يعارض الإخوان؟ أم هم ثائرون على حكم المحكمة؟ وكما يقول د.رفعت السعيد: «إذا كان رئيس الجمهورية إخوانيًّا ورئيس الحكومة إخوانيًّا، فضد مَن يتظاهر الإخوان اليوم؟»ـ
ما سر المظاهرات؟ لماذا خرجت بالضبط؟ هناك خلط أوراق كثير جدًا
صدقنى يا صاحبى، لست مهتمًا بتضارب الأخبار والجهل الواضح لدى كثيرين. من قبل سمعنا مَن ينصح مرسى بالتنازل ليدخل حمدين صباحى الانتخابات ضد شفيق.. وعرفنا أن هذا كلام فارغ وأن تنازل مرسى يعنى فوز شفيق. هكذا تكتشف أن أهم شىء يميز رجال السياسة والخبراء الاستراتيجيين هو أنهم فى جهل مطبق. اليوم جاء مَن يؤكد أن إقالة النائب العام تمت ثم تم نقله سفيرًا فى الفاتيكان، وبعدها قال النائب إن هذه الأخبار خطأ تمامًا وليس من حق أحد أن يقيله. كالعادة لا أحد يعرف أى شىء وكل الأخبار خطأ.. ربما كان النائب العام يؤدى عمله جيدًا كما يرى البعض، لكن من المؤكد أن قضاة التحقيق لا يؤدون شيئًا على الإطلاق.. والدليل أن مرتكب كل جريمة يخرج بريئًا. هل تذكرون الحكم العجيب على مبارك والعادلى؟ هل قام مبارك بقتل المتظاهرين وحده؟ أى أنه حمل بندقية قناصة واعتلى سطح الجامعة الأمريكية؟ لو كان هذا قد تم فأنا موافق على الحكم وعلى تبرئة كل الضباط الآخرين
ذكّرونى أن أطلب الصحافة ووسائل الإعلام، وأقتل رجلًا بالرصاص أمام العدسات كلها.. أؤكد لك بهذا المنطق أننى سأفلت ولن تمس شعرة من رأسى.. سوف أدخل إجراءات التقاضى المعقدة وألعاب المحامين، وفى النهاية سوف أخرب بيت القتيل وأهله وأتقاضى تعويضًا ضخمًا
صدقنى يا صاحبى، أنا لا أطمع فى الحكم ولا أحلم بمقاعد فى مجلس الشعب، وليست لدىَّ خلافات أيديولوجية جسيمة مع أى طرف.. فقط أحلم بالطرف الذى يضع مصلحة مصر فوق مصلحته الشخصية، ولا يكذب ويزيّف الحقيقة
صدقنى يا صاحبى، أنا أريد حقك كاملًا، لكنى لست مستعدًا لبيع لحمك فى السوق والمتاجرة بك دون أن أهتم بك كما يفعل آخرون. يضايقنى أن بطل الفيلم مات فى وقت مبكر ولم ينتقم له أحد.. فيلم زبالة على رأى تهامى بك
صدقنى يا صاحبى، لا أريد سوى الانتقام ممن قتلوك. لو لم يتم هذا فلسوف تظل الحمم تغلى تحت أقدامنا، ولسوف يظل الصديد يحتشد تحت الجلد مهددا بتكوين ناسور خطير. هل قمنا بهذه الثورة كى نصاب بناسور؟