حالة التحفز ضد محمد مرسى غير مسبوقة ولا أذكر لها مثالًا قريبًا. منذ أيام أرسل لى صديق عزيز خطابا يقول فيه: «اذكر فارقًا واحدًا بين مرسى ومبارك.. مبارك متمسك باتفاقية الكويز ومرسى متمسك باتفاقية الكويز. مبارك يقترض من البنك الدولى ومرسى يقترض من البنك الدولى. مبارك يفض الاعتصامات بالخرطوش ومرسى يفض الاعتصامات بالخرطوش». بصراحة شعرت بنغمة الافتراء والتحفز. هناك جبل من الأزمات والمشكلات، وبالتأكيد لم تحل مشكلة الوقود بعد (هناك تقدم واضح فى مشكلتى القمامة والكهرباء)، لكن لا تقل إنه لا فارق بين مرسى ومبارك.. هذا يفقد الكلام موضوعيته ويكشف أن الموضوع موضوع حقد شخصى أيديولوجى على الرجل، وليس انتقادا لأدائه. مرسى يحتاج إلى عشرين سنة من الفساد حتى يصل إلى مكانة مبارك العظيمة فى تاريخ مصر. لى صديق ظريف رد على صاحب الخطاب الأول فقال:ـ
ـ «مرسى ملتح.. مرسى عين نائبا، ومرسى لم يسرق، ومرسى يتلقى الشتائم قبل أن يفعل أى شىء، ومرسى ما زال يعيش فى شقته الموجودة بالتجمع، ويصلى الفجر فى المسجد، ومرسى يسافر إلى الخارج ليجلب مالا بدلا من السفر لتهريب أموالنا، ثم يزعم أنه لا يملك مليمًا خارج مصر.. مرسى خلال 3 أشهر قلب أكبر مراكز قوى فى البلد، ومرسى أستاذ جامعى مثقف، ومرسى ضُرب ومن ضربوه نالوا البراءة.. أقول كمان؟»ـ
المشكلة هى أن مرسى رئيس الجمهورية، وهكذا فإن محاولة الدفاع عنه تشوبها تهمة النفاق تارة، وتهمة أنك إخوانجى تارة أخرى.. هكذا يجب أن تصمت حتى لا تتلقى الهجوم المسعور.. كل الأطراف فى مصر اليوم لديها لجان إلكترونية قادرة على تمزيقك لو قلت ما لا يروق لها. ومن الغريب أن مرسى يبدو لى كثيرًا هو الطرف المظلوم فى هذا.. الطرف الذى تخاف أن تدافع عنه حتى لا يشتمونك هو غالبا الطرف الذى يستحق أن تدافع عنه فعلا. وانطباعى الخاص هو أن الرجل مخلص وصادق ويريد تحقيق شىء.. ربما يفشل.. لكن أتمنى إذا فشل أن لا يكون هذا بسببنا نحن
عيوب حكومتنا كثيرة وعيوب الإخوان أكثر، وبالتأكيد ليس مرسى عمر بن عبد العزيز، لكن لا تقل من فضلك إن مرسى هو مبارك.. بل إن بعض المقالات ذهبت إلى القول إنه أسوأ من مبارك، وإنه فى غضون أيام فعل ما لم يحققه مبارك فى ثلاثين عاما! والله؟ إذن نحن نمزح ولا نتكلم كلاما منطقيا.. ونحن فى هذا لا نختلف عن توفيق عكاشة وأفلام الذبح التى يزعم أن الإخوان يقومون بها
كما قلت: هناك نوع من التحفز العدوانى الواضح ضد مرسى من أول يوم ومن أول لحظة، مع ظاهرة أخرى جديدة هى أن كثيرين يتمنون له الفشل.. يتمنون أن تشتعل البلد وتخرب ليثبت فشله، وهى العقدة التى لخصها صديقى العزيز بأنها عقدة حسن شحاتة والزمالك. الزملكاوية من كارهى حسن شحاتة يتمنون الفشل للزمالك كى يثبتوا فشل حسن شحاتة. بينما مرسى يقود السفينة التى نركبها وهذا سبب كاف كى نرجو له التوفيق
لو غرق الرجل سنغرق جميعًا… علينا أن نفهم هذا
إذن انتقدوه وعارضوه.. لكن لا تضعوا فى طريقه العراقيل ليفشل
يتعلم الناس على «فيسبوك» و«تويتر» نوعا من النضال الإلكترونى السهل مع الولع بانتقاد كل شىء، وهكذا يكتب المرء عبارة ساخرة أو شتيمة ويلصق وجه (ياو منج) الضاحك إياه، ثم يأكل الطعمية ويذهب لينام شاعرًا بأنه شارك بدوره فى مسيرة الحضارة والتقدم، وكل من على الشط عوام كما هو معروف. لهذا السبب بدأت موقعة المانجو على صفحات «فيسبوك»، وليه وليه يتكلم الرئيس عن المانجو.. مع تهريج البوابين المعتاد عن (منجانية التعليم) والهراء الماثل. أذكرهم فقط أن حسنى مبارك تكلم عن البطيخ كثيرًا جدًا عندما حدثت أزمة واختفى صيفا، وكان هناك خطاب (الكبد والقوانص) الذى ألقاه د.فؤاد محيى الدين عندما كان رئيسًا للوزراء وتكلم عن أسعارها وتوافرها لكل مواطن. لم يقل أحد وقتها إن هذا لا يليق.. لكن الناس لا تقبل من مرسى ما قبلته من أى رئيس أو مسؤول حكومى آخر
مثلا صلاة الرجل فى المساجد صارت مشكلة.. وأنا أشك بشدة فى الأرقام التى يقال إن حراسته تتكلفها عندما يصلى.. كيف يمكن حساب شىء كهذا؟ هل حمل أحدهم ورقة وآلة حاسبة وراح يسأل أفراد الحراسة عن التكلفة؟ طلبوا منه أن يصلى فى قصر الرئاسة، لكنك تشعر فعلا بأنهم يلومونه على الصلاة نفسها.. إن صلاته جريمة لدى كثيرين. بعد هذا جاء من يقول إن من حق مرسى أن يصلى فى المسجد، لكن ليس من حقه توجيه خطابات سياسية بعد الصلاة.. كأن هذا هو التصرف الوحيد الذى يدمر مدنية الدولة.. عليه أن يبحث عن مكان بعيد جدا عن أى مسجد قبل أن يتكلم، ويجب قياس المسافة بالمازورة، وعندما يحاول أن يتعامل بحزم مع الإضرابات والاعتصامات والمطالب الفردية يتصايح الجميع: إنه ديكتاتور أكثر من مبارك
الموضوع ببساطة هو أنهم يكرهونه.. لن يغفروا له أى شىء، ولو كف عن صلاة الجمعة فى المساجد العامة لاتهموه بأنه قد ألحد.. لو صلى ولم يلق خطبة لاتهموه بنفاق العلمانيين.. لو ترك الإضرابات كما هى لقالوا إنه رخو.. من الغريب أن هذا جعلنى أتعاطف مع الرجل أكثر.. وأعتقد أننى أكثر ميلا له مما كنت منذ أشهر مع العلم بأننى لم أنتخبه
لننتقده ونعارضه ونخبره بعيوبه بصراحة.. دعنا لا ننزلق نحو فخ الكراهية، ولا ننزلق نحو فخ التأليه كما فعل بعض الصحف التى استبدلته بمبارك فعلا.. وصارت تتحدث عن خطابه التاريخى وزياراته التاريخية.. إلخ.. نفس النغمة ونفس المدرسة القديمة، كأنهم أوقفوا ماكينات النفاق بعض الوقت أيام الثورة ثم عادت تهدر بأقصى قوة لها
مثلا: من ضمن النقاط التى آخذها على الرئيس مرسى تلك المعركة الكلامية التى نشبت على شبكة الإنترنت بين من يقول إنه ابنه وبين رواد الإنترنت. وقد بدأها الابن بتفجير قنبلة (اسمه الرئيس مرسى يا بغل)، وهذا يعنى أننا جميعا بغال لأننى لم أستعمل لقب الرئيس قط فى هذا المقال.. والآن على مرسى أن ينفى أن هذا الفتى ابنه (وقد انتحل أحدهم شخصية ابنه أحمد على «تويتر» منذ فترة)، أما إن كان هو ابنه فعلا، فالأمر جد خطير، ومعناه أن عقدة أبناء الرؤساء أصيلة لدى المصريين وقصة (أتسبق ابن الأكرمين؟) لم تتغير.. لولا جمال مبارك وأحمد عز لظل مبارك مسيطرًا.. يجب على الجميع الاتعاظ بهذا
يقول البعض إن مرسى سيورث.. لن يورث أبناءه طبعا لكنه سيورث جماعة الإخوان التى سوف تفوز بالانتخابات القادمة حتمًا.. هذه نقطة مهمة، ويجب أن نناقشها فى المقال القادم إن شاء الله