عندما اجتمع الرائد حمدي مع رؤسائه كان الدخان ينعقد في سماء الغرفة، حتى لتشعر أن هطول المطر وشيك.. وكانت الوجوه مكفهرّة بما يكفي
ـ"بصمات؟"ـ
ـ"بصماتي أنا فقط يا سيدي"ـ
ـ"المختبر الجنائي؟"ـ
ـ"لا شيء.. لكنها تلك المادة التي يرتابون فيها.."ـ
طريقة وضع الخطاب في تابلوه السيارة.. هذه قدرات غير عادية ما لم يكن السائق متواطئًا.. وهذا احتمال تم استبعاده.. الأمر أقرب لشبح طار ووضع هذا الخطاب
فكّر اللواء جابر بعض الوقت، ورشف رشفة من القهوة التي أمامه ثم قال:ـ
ـ"الخميس 27 إبريل.. هل لديك سبب يجعل هذا التاريخ ذا أهمية؟"ـ
ـ"لا.. ولا الرابعة عصرًا"ـ
تساءل عميد جالس وهو يشعل لفافة تبغ أخرى:ـ
ـ"هل تعرف أين ستكون وقتها؟"ـ
ابتسم حمدي وهز كتفيه.. نحن في مصر.. وفي مصر لا يوجد تخطيط محكم لهذا الحد.. لا يعرف أين سيكون في ذلك اليوم طبعًا
ـ"هل تلقيت دعوة لمكان ما؟"ـ
ـ"لا"ـ
كانت المشكلة هي أن الخطابات تحدد الموعد لا المكان.. هناك أحد الأبعاد غير مذكور كما في كل مرة، ومعنى هذا أن هناك خطابًا آخر في الطريق أو مكالمة هاتفية تحدد هذا المكان.. مما سبق من أحداث يمكن القول إن هذه ليست دعابة، وإن الخطر داهم والإنذار حقيقي فعلاً.. رسائل المحبة تصل لرجال الشرطة أيضًا
قال اللواء:ـ
ـ"برغم خطورة الموقف فإنني مسرور.. واحد من رجالنا متورط في المستنقع، وسوف يحكي لنا كل شيء ونعرف منه التفاصيل أولاً بأول.. ألا ترى هذا معي؟"ـ
ـ"بلى"ـ
كان حمدي يجد نفسه فعلاً وسط رجال الشرطة وجوّ الداخلية.. هذا الجوّ الحاسم العملي، بينما كان يشعر مع العلم والعلماء بأنه ضائع وأنه لا يتجه لأي مكان من أي نوع.. جوّ الشرطة يناسب طبيعته الملول العصبية
قال العميد:ـ
ـ"إن لدينا وقتًا كافيًا كي نضع حولك رقابة محكمة.. وأنت تعرف أن عليك ألا تتهور أو تأتي بأعمال بطولية لا نعرفها.. كم بقي من الزمن؟ ثلاثة أيام؟ سوف نعرف كيف نحميك.."ـ
حمدي كان يعرف أنه قادر على حماية نفسه.. هو ليس أحمق كالآخرين
فقط عليه أن يعرف السر
*****************************
لم تختفِ العلامة من جبيني
هذا غريب.. لقد حدث هذا من قبل لدى احتراق خطاب، لكنها زالت بسرعة.. من الواضح هذه المرة أنها ستبقى
أنا لا أعرف ما دهاني ولا ما حلّ بي.. فقط أعرف أنني ملعون وأحمل وصمة ما
وقفت أمام المرآة أتأمل تلك الدائرة الحمراء.. لقد تفحصها كل شخص صادفته اليوم تقريبًا.. تثير الفضول بشدة والغريب أنها منتظمة كاملة الاستدارة كأنما رُسمت بالبرجل
تناولت مرطبان (علبة) كريم الأساس الذي جلبته، وبدأت أضع طبقة على جبيني
أنا أعرف جيدًا أن لي علاقة بهذه القصة.. لقد وجدت الخطابات قبل إرسالها في خزانة ثيابي.. لا أعرف من أين جاءت ولا ممن أخذتها، لكنها كانت هناك.. لا أعرف كيف قمت بتوزيعها لكن هذا حدث.. فجأة لم تعد عندي، ومن الواضح أنني لم ألمسها بيدي؛ لأنه لا توجد بصمات
أنا لا أفهم التفاصيل.. لكني أعرف يقينًا أنني شيطان أو ممسوس، وعلي أن أتحرك على هذا الأساس
بدأت أضع مسحوقًا بلون البشرة
لا بأس.. أعتقد أنها لم تعد بادية للعيون
لن يعرف أحد أنني موصوم.. على الأقل اليوم
كنت أفكر في دكتور فكرون.. يجب أن أقابله وآخذ رأيه.. ولماذا د. فكرون؟ لأنه الوحيد الذي يبدو على علم ولو واهن بالقصة.. هو الوحيد الذي استنتج أن من يرسل هذه الخطابات هو الشيطان
اتجهت للصالة
هنا فوجئت بشيء غريب
هناك مظروف تحت الباب.. مظروف أنيق من ورق فاخر.. لقد دفعه أحدهم منذ قليل
هل جاء دوري إذن في دائرة خطابات المحبة المشئومة تلك؟
انحنيت وتناولت الخطاب.. ريقي جاف لذا حاولت أن أبلل شفتي بلساني.. كانت أناملي ترتجف.. طريقة القتل هنا تجعل القاتل يموت قتيلاً، وهكذا تموت كل الأسرار، ولربما يحدث هذا مع الخطابات أيضًا.. أنا أرسل الخطابات ولكن هناك لحظة سوف أتلقى فيها خطابي الخاص
فتحت الخطاب وقرأت في رعب:ـ
مهندس محمد شاكر ومهندس عادل الشاذلي
يتشرفان بدعوتكم لحفل زفاف كريمة الأول إلى ابن الثاني، وذلك يوم....... إلخ
الحمد لله.. لم يأتِ موعدي بعد
هناك أناس رائقة البال يتزوّج أبناؤها.. هذا شيء منعش
*****************************
قلب د. فكرون صفحات الكتاب، ثم قال لتلميذه:ـ
ـ"السؤال هو: لماذا اجتمع هؤلاء في نادٍ رياضي؟"ـ
سأل فكرون لماذا اجتمع هؤلاء في نادٍ رياضي؟ ـ (رسوم: فواز) ـ |
كان رامز نحيلاً عصبيًا تحت عينيه ظلال كثيفة، ويبدو أن قراءة علوم الغيبيات قد أورثته كآبة لا شك فيها.. ولم يكن يبدل اللون الأسود أبدًا، مما جعله يبدو كمصاص دماء في فيلم من أفلام هامر
قال رامز:ـ
ـ"هذا سهل.. النادي الرياضي يمنح مساحة لا بأس بها ليجتمع المتحاربون.. ساحة قتال تشبه الحلبة الرومانية.."ـ
قال فكرون وهو يعتصر خده:ـ
ـ"كلا.. أريد إجابة أقوى من هذه"ـ
ـ"مثل؟"ـ
ـ"لا أدري"ـ
خطر لرامز أن أستاذه يتعمد الغموض للغموض.. نوع صبياني من إثارة الاهتمام.. يسأل ولا إجابة عنده.. هذا يثير الغيظ
هنا دق جرس الباب فذهب ليفتحه.. وجد فتاة رقيقة تقف في تردد:ـ
ـ"أستاذ فكرون؟"ـ
ـ"هو هنا.. ومن أنت؟"ـ
ـ"لمياء صالح.. صحفية"ـ
سمع فكرون من وراء ظهره يأمره بأن يسمح لها بالدخول.. تحركت هالة من العطر الساحر قبلها وبعدها مع صوت الكعب الأنثوي الرقيق
وفي النهاية كانت تجلس أمام فكرون
ـ"أنا صحفية.. كنت أريد معلومات أكثر عما ذكرته عن تلك الخطابات. خطابات الشيطان"ـ
ـ"تتكلمين عن الاجتماع العاشر للجمعية الروحانية المصرية.."ـ
ـ"هو كذلك.. كنت هناك لكن لم أستطع جمع معلومات أكثر.."ـ
ثم أخرجت جهاز كاسيت صغيرًا وعادت تسأل:ـ
ـ"هل تعتقد أن للأمر علاقة بانتهاء العالم في 2012؟"ـ
ـ"من قال إنه سينتهي في 2012؟"ـ
ـ"أساطير المايا.."ـ
قال ضاحكًا:ـ
ـ"العالم انتهى ألف مرة من قبل.. شهود يهوه لا يكفون عن انتظار النهاية وفي كل مرة يحددون تاريخًا.. قدوم الشيطان كذلك قُتل بحثًا من قبل. علامة الوحش 666 وغير ذلك.. يدهشني أن هؤلاء القوم لا ينتحرون بسبب الشعور بالحرج.."ـ
ـ"لكنك تحدثت عن خطابات يرسلها الشيطان، ويدعو الناس للموت أو القتل يوم 18 إبريل.."ـ
ابتسم في غموض ثم قال:ـ
ـ"أنت تعرفين تلك التمثيليات البوليسية القديمة.. أنا لم أخنق زوجتي يا سيدي المفتش.. ومن قال إنها ماتت مخنوقة يا سيدي؟ إذن أنت تعرف!"ـ
ـ"لا أفهم"ـ
ـ"أنا لم أذكر حرفًا عن 18 إبريل في محاضرتي.. فكيف عرفت التاريخ؟"ـ
.......
يُتبَع