الثلاثاء 18 إبريل سوف يبقى طويلا في ذاكرة من رأوه
كان هذا في النادي الرياضي الذي لن أذكر اسمه بالطبع.. ما حدث هو أن عددا زائدا من المتسللين ظهر فجأة.. أشخاصا ليسوا أعضاء بالنادي ظهروا، وبدا كل منهم كأن له هدفا واحدا محددا
كان حراس البوابة أميَل إلى التراخي، خصوصا في هذه الساعة من مساء الثلاثاء، حيث بدت الحياة ناعسة سهلة، ولا يمكن أن تتوقع أن ينهار الكون لو أن بعض المتسللين دخلوا النادي.. وهكذا دخل النادي نحو عشرة أشخاص.. عشرين شخصا
لو أنك رأيت الواحد منهم لشعرت برجفة قشعريرة تزحف على عمودك الفقري حتى يكسوه الثلج على طريقة أفلام توم وجيري، النظرة الجامدة والخطوات الثابتة.. ثم السلاح.. السلاح الذي كان مخفيا في كيس ورقي أو في الجيوب لحظة اجتياز البوابة، ثم ظهر للأعين
ماذا تفعل عندما ترى هذا التمثال الآدمي يمشي في خطوات ثابتة نحو ملعب كرة القدم المترامي، وفي يده مسدس لا يوحي بالثقة، أو سكين شريرة أو سيف خبيث؟ سوف تخطر لك أفكار كثيرة، لكن لن يكون من بينها الضحك أو الاسترخاء
هناك كان الملعب يسبح في ضوء الكشافات الليلية الباردة.. الطقس بارد لكنك تسمع بعض الحشرات الليلية التي صممت على أن موعد الربيع حان منذ شهر، فيما بعد قال الشهود إن القتل تم بترتيب غريب
هناك ذلك الشاب الرياضي الذي قيل إنه لاعب كرة يدعى "عماد".. لقد هوى ببلطة صغيرة على رجل مسن.. سقط الرجل أرضا والبلطة في رأسه، هنا انقضت الطبيبة التي قيل إن اسمها هند على الشاب الرياضي لتغرس في مؤخرة عنقه مبضعا طويلا.. لم ينتظر أو يصرخ أو يبد أي انفعالات؛ سقط كجوال مثقوب
هوى عماد ببلطة صغيرة على رأس رجل مسن ـ (رسوم: فواز) ـ |
هنا أطلق أحدهم الرصاص على رأس الطبيبة.. سقطت أرضا بدورها، وعرفوا فيما بعد أن القاتل مدرس يدعى "أستاذ كمال".. كان هذا عندما أفرغ الشاب المدعو "مصطفى" مسدسا آخر في رأس المدرس
وقبل أن يفهم الناس ما يحدث هوى رجل ضخم الجثة عرفوا فيما بعد أنه ميكانيكي.. هوى بعصا ثقيلة على رأس الشاب.. سلسلة مريعة من القتل والطعن والتهشيم.. أعتقد أن الغربيين يُطلقون على هذا المشهد مصطلح
Melee
لقد كانت لحظات قاسية بحق
Melee
لقد كانت لحظات قاسية بحق
وفي النهاية كانت هناك امرأة ظلت حية بعدما أطلقت آخر رصاصة على رأس رجل بدين.. وقفت للحظة تحت الكشافات كأنها تحلم أو تنتظر شيئا ما، ثم بلا تردد رفعت الفوهة نحو رأسها وأطلقت الرصاص
فقط الذين امتلكوا أعصابا قوية ثابتة تمكّنوا من رؤية المشهد كاملا، لأن الغالبية هربوا أو رقدوا على العشب وأخفوا الرءوس.. هؤلاء الذين تحملوا رؤية عشرين جثة تتكدس خلال عشر دقائق، هم الذين استطاعوا أن يصفوا للشرطة ما حدث بالضبط، وقد وقف رجال المباحث غير مصدقين، يلتقطون عشرات الصور ويضربون كفا بكف
واضح تماما أن القتلى من عينات متباينة من البشر.. رجال ونساء.. طبقات اجتماعية مختلفة.. لا توجد قصة واحدة تربط هؤلاء.. ليسوا طلبة مدرسة مثلا تشاجروا من أجل فتاة، وليسوا مهربين تشاجروا على البضاعة، وليسوا أبناء حي شعبي دخلوا في خناقة بسبب مياه قذرة ألقيت على غسيل إحداهن.. هذا تصرف غير مفهوم ويبدو مبرمجا
هل ترون هذا الضابط الوسيم الذي يبدو كممثلي السينما؟ إنه الرائد "حمدي" الذي يتولى التحقيق في هذه القضية وسوف يلاقي الأمرّين بالطبع.. يدخّن بشراهة.. يدخّن بلا توقف.. ليس الوقت مناسبا لتوجيه النصح له على كل حال، لأن صحته هي آخر شيء يفكر فيه الآن.. إنه يركع جوار جثة ذلك الفتى الذي سيعرف بعد حين أنه "عماد"ـ
هذا الضابط الوسيم الذي يبدو كممثلي السينما ـ (رسوم: فواز) ـ |
يتفحّص الجثة ولا يجرؤ على انتزاع المبضع المغروس في مؤخرة عنقه طبعا.. البصمات.. يمد يده ليعبث في جيبه.. يجد ورقة مطوية.. لف يده بمنديل ثم عاد يعبث في الجيب.. أخرج ورقة مطوية.. كتب عليها بخط أنيق:ـ
ـ"الثلاثاء 18 إبريل.. استعد لقتل رجل في الثامنة مساء.. مع فائق الاحترام"ـ
نظر الضابط إلى ساعته.. هذا غريب.. الثامنة مساء هي فعلا الوقت الذي حدثت فيه هذه المجزرة.. هل هذا الرجل قاتل مأجور؟ لو كان كذلك فلماذا قُتل؟ لماذا لم يفعل فعلته ويفر؟ وهل سمع أحد عن اجتماع القتلة المأجورين في ملعب كرة قدم ليقتل بعضهم بعضا؟ هل هو مهرجان؟
عاد يعبث في جيب قتيل آخر.. نفس الورقة ونفس الرسالة واللهجة المهذبة.. اللهجة المهذبة المخيفة.. أحيانا يكون التهذيب مرعبا أو يسبب التوتر أكثر من قلة الأدب بمراحل.. في بريطانيا أيام الإعدام القديمة كانوا يرسلون إلى السجين رسالة تقول: "تقرر إعدامكم مع فائق الاحترام"، لا يا سيدي، اشتمني واتركني حيا؛ لا أريد تهذيبك هذا.. رفع حمدي رأسه وقال وهو يتنهد:ـ
الأمر مُحيّر.. كل هؤلاء تلقوا دعوة للحضور هنا.. بعضهم تلقى دعوة للقتل والبعض تلقى دعوة للموت.. ومن الواضح أنهم جميعا قَتلوا وقُتلوا
ثم قال لرجل المختبر الجنائي:ـ
حافظوا على هذه الأوراق.. إنها الدليل الوحيد معنا
*****************************
قال د. فكرون:ـ
يا سادة.. أطالبكم بالانتباه والصمت من فضلكم.. أطفئ النور من فضلك
ثم أشعل عود ثقاب وانتظر لحظة حتى يتوهج.. وأمسك بورقة من نوع فاخر
لامس العود الورق.. وبدأ هذا الأخير يشتعل ويتوهج
هنا أطلق الجالسون شهقات الرعب
الظلام شديد على المنصة، لكني أعتقد أن هناك امرأة فقدت وعيها من الذعر.. هذا ما قيل لي على كل حال
هل هذا الذي نراه حقيقي؟
.......
يُتبع