مشي نحو الشبح الجالس وقلبه يتواثب في ضلوعه
لكن شيئا كان يخبره أن العجوز لن تؤذيه.. لن تفعل.. كانت تحبه فعلا، وعلى الأرجح لن تفعل سوى أن تشكو له، أو تصارحه بشيء يعذّبها
وقف على بُعد خطوات منها ونبضه يتسارع
لا تفكر في الموقف الآن.. لا تحاول تبيّن أبعاد الواقعة الغريبة.. لو أدركت فجأة أنك تقف أمام شبح فسوف تُجن، كما يحدث في أفلام الرسوم المتحركة.. توم يمشي فوق الهاوية في ثقة ويسر، فإذا نظر لأسفل واكتشف فجأة أنه يمشي فوق الهاوية صرخ وسقط من علٍ
وقف على بُعد خطوات منها ونبضه يتسارع ـ (رسوم: فواز) ـ |
أنت لا تخاطب شبحا.. هذا الواقف أمامك ليس شبحا.. لا تعتقد هذا
كانت تنظر إليه، وإن ظل وجهها في الظل.. هذا التأثير الشهير.. ربما هي تنظر إلى الجهة الأخرى.. لن يتبين الفارق لأن (وضع ثلاثة أرباع) الأمامي والخلفي يتساويان في الظل
فجأة بدأت شجاعته تتخلى عنه.. بدأ يتراجع مبتعدا عن غرفة النوم
وقف في وسط الصالة محاولا ألا يبعد عينه عن الشبح الجالس هناك.. محاولة إبعاد عينه في حد ذاتها جعلت عينه تذهب هنا وهناك
هنا وقعت عينه على اللوحة
لا بد أن هناك شيئا غريبا، أو هو قد تعاطى مخدرا ما.. لقد تغيّرت الصورة أكثر.. الشيء القادم في الأفق صار الآن يملأ اللوحة تقريبا وهو ينظر لأعلى نحو الفتاة الواقفة في البرج، كان شيئا مشعرا غامضا يشبه تلك الصور البلهاء التي يرسمها من يزعمون أنهم رأوا الساسكواش في أمريكا الشمالية.. بالتأكيد هو مخيف.. لا شك في هذا
كان باب البيت مفتوحا في الصورة، وأدرك أن هناك جزءا من منضدة عليها شرشف أحمر تبرز من وراء الباب.. كل شيء في اللوحة يدل على أن الساسكواش سوف يدخل من هذا الباب بعد لحظات
رفع محمود عينه
هنا وجد أن السيدة الجالسة قرب غرفة النوم ليست هناك.. لقد رحلت كما هو واضح.. رحلت أين؟! إلى مكان آخر في نفس المكان؟! إلى موضع آخر في ذات الموضع؟!ـ
أدرك أن باب غرفة النوم موارب.. الضوء الخافت يتسلل إلى هناك.. يرى منضدة عليها شرشف أحمر يبرز طرفها هناك، منضدة في غرفة نوم؟ غريب هذا
اتجه إلى الباب ووقف للحظة عنده يتشمم الهواء.. ثم أزاحه ببطء
هناك مصباح.. أضاءه واستطاع أن يرى الغرفة بشكل أوضح.. هناك فراش تم رفع حاشيته.. حاشية مقلوبة بتلك الطريقة التي تميز أسرّة المستشفيات عندما يموت المرضى.. وهناك منضدة أحضرها أحدهم إلى الغرفة ومن الواضح أنها لم تكن تنتمي إلى هذا المكان.. هناك خزانة ثياب مفتوحة.. ثياب رثّة ملقاة هنا وهناك، منها ثياب لا تخص خالته بالتأكيد.. هذه ثياب شاب مراهق بالتأكيد.. ثياب حسام
يجب تفتيش خزانة الثياب بعناية.. تلك الأدراج الخفية التي تحوي ثروة من المجوهرات.. هي هناك دوما في الأفلام، فماذا عنها هنا؟
هكذا راح يعبث في الخزانة.. ثم انحنى وراح يفتش تحت الفراش
نهض وجفف العرق عن جبينه و
شيء تحرك في الصالة.. لا شك في هذا
ليس شيئا بالضبط.. بل هو أحد.. له طول وعرض وارتفاع أحد.. هو ليس في الشقة وحده إذن
هناك عصا غليظة يبدو أنها كانت تخص خالته.. وجدها مستندة إلى الكومود فهرع يمسكها.. لا بأس.. لها ثِقَل وطاقة وضع تغري بأن تتحول إلى طاقة حركة.. سلاح لا بأس به
وقف يستجمع شجاعته خلف إطار الباب للحظة، ثم هرع خارجا من الغرفة
لا أحد في الصالة.. هذه الشقة تعبث معه، وعبثها مرهق للأعصاب فعلا
هناك أشياء تتحرك وأشباح ولوحة.. ماذا عن تلك اللوحة اللعينة؟
ألقى نظرة على اللوحة من جديد فأثار ذهوله أنها تغيرت من جديد
هذه المرة كانت الفتاة الحسناء تقف متصلبة خلف باب غرفة، وهي تحبس أنفاسها كما هو واضح، وتحاول أن تلتصق بإطار الباب.. في يدها عصا عملاقة، في الخلفية هناك قاعة خافتة الإضاءة يمشي فيها ذلك الساسكواش.. واضح تماما أنه يفتش عنها وأنه لن يستغرق وقتا طويلا حتى يجدها.. سوف يرى هذا الباب ويدلف منه وعندها
فجأة وقف الشعر على رأسه
ما هذه اللوحة وما قصتها بالضبط؟
منذ قليل رأى أن الوحش يقف أمام غرفة فيها منضدة عليها شرشف أحمر.. نفس ما رآه في غرفة النوم، وفي الوقت ذاته مر شيء ما أمام الغرفة.. فهل كان الوحش؟
مشهد الفتاة التي تقف متصلبة وراء الباب والعصا في يدها.. ألم يكن هو في ذات الوضع منذ خمس دقائق؟
اللوحة اللعينة تعبث به.. هذا واضح
نظر إلى اللوحة من جديد.. ليته يستطيع أن يلاحق التغيير، لكن هذا مستحيل.. لا بد أن يأتي التغيير في لحظة لا يراه فيها أو تبتعد عيناه.. هذه المرة يرى الساسكواش غاضبا وغضبه مجنون.. إنه يمزق ملاءات والدم يتناثر في كل مكان.. لا بد أنه دخل الغرفة ووجد الفتاة.. التنفيذ ساذج واللوحة نفسها بلهاء، لكنها برغم هذا دموية مخيفة توحي بجنون راسمها
هذه المرة يرى الساسكواش غاضبا وغضبه مجنون ـ (رسوم: فواز) ـ |
لن أنتظر لحظة أخرى في هذا البيت المجنون
هرع إلى النافذة الموصدة وعالج الكالون ليفتحها.. يرى الشارع الآن ويرى السيارات ويشم الهواء ويشعر أنه أفضل حالا
ـ"باسيونيه!"ـ
ينادي البواب بسيوني بأعلى صوته.. لكن لا رد
ـ"باسيونيه!"ـ
بنغمة أعلى.. لا جدوى؛ هناك ضوضاء عالية في الشارع تخنق الصياح على كل حال، وجد كوبا متربا على مائدة الطعام فالتقطه وقذفه من النافذة ليتهشم على الإفريز.. لو لم يسمع بسيوني هذا الصوت فهو أصم والمشكلة كبيرة
ثم نظر إلى الخلف فأدرك أن غرفة الصالون الداخلية مضاءة
متى؟!ـ
هو لم يدخلها ولم يلمس مفتاح النور فيها.. خالتي.. لا تعبثي معي أرجوك.. أنا خائف وقلبي ضعيف.. تعلمين هذا جيدا
عندما عبر الصالة ألقى نظرة أخرى على اللوحة فوجد أن ألوانها ذابت لتصنع مشهدا جديدا.. هذه المرة كانت الصورة معكوسة.. الساسكواش يقف وعلى وجهه ضحكة شيطانية والدم يسيل من ركن فمه، وهو يلتصق بإطار باب غرفة بها قطع أثاث مغطى.. ما بدا منه مكسو بالأويما.. في الصالة الخافتة الإضاءة ترى الحسناء تمشي وهي لا تعرف ما ينتظرها وراء باب تلك الغرفة بالذات
أويما؟ صالون؟
لو صدّق محمود اللوحة الظالمة لقال إنها تحذره من دخول الصالون.. الشيء ينتظر هناك يا أحمق
ماذا يفعل؟ سوف يظل هنا وينادي البواب إلى أن يشاء الله
لكن.. كيف يثق بأن يعطي ظهره لهذه الصالة الملغومة ويصرخ باتجاه الشارع؟ لماذا ماتت خالته؟ ما الذي رأته بالضبط وجعلها تلفظ أنفاسها متخشبة؟
.......
يُتبع