قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, November 19, 2012

بحر البقر ـ 2012



سجل أيها التاريخ أن العدو الغاشم الذى لا يرحم طفلا ولا امرأة قام فى الثامنة صباح يوم السبت 17 نوفمبر بعمل اهتز له العالم، وهو يكرر ما قامت به إسرائيل منذ 42 سنة بالضبط عندما قامت بقصف مدرسة بحر البقر الابتدائية.. هذه المرة بلا طائرات فانتوم وبإمكانيات بيتية بسيطة جدا

سجل أيها التاريخ أنه فى ذلك اليوم الذى لم تشرق له شمس، قام العدو الكافر الظالم بمهاجمة حافلة فيها 47 طفلا بريئا ذاهبين للمدرسة ففتك بهم ومدرستين وسائق الحافلة. اختار العدو مزلقان المندرة بمدينة منفلوط بمحافظة أسيوط لتنفيذ العملية النوعية المشينة

مدرسة بحر البقر الجديدة هى مدرسة (دار حراء). العدو لا يرحم ولم يرأف بطفل واحد. هكذا فقدنا خمسين ضحية بريئة فى ثوان

كنت أنوى الكتابة عن غزة.. ثم سمعت الخبر اللعين قبل أن أرسل مقالى، فخطر لى أن هذه العملية الشنيعة أكثر بشاعة. إسرائيل بكل جبروتها وحقدها وآلتها الحربية تقصف غزة فى عملية عمود السحاب العسكرية.. النتيجة 39 شهيدا وأكثر من 330 جريحا. أما نحن فمحترفون.. نقتل خمسين طفلا فى ثوان معدودات لأننا بارعون جدا ونجيد عملنا

كان عامل المزلقان نائما فى وقت مرور القطار، وفر هاربا بعد معرفته بالحادث. والآن يمكنك أن تضغط على أسنانك وأن تسد أذنيك حتى لا تسمع صراخ الأطفال المذعور وبكاءهم، وحتى لا تسمع صوت القطار وهو يسحق اللحم الهش الذى وقع بين الحديد والحديد، وعليك أن تغمض عينيك حتى لا ترى صور الكراسات التى تحمل رسوم بطة وقطة والأحذية الكوتشى الملوثة بالدم المتناثرة على القضيب وسط المازوت… عليك أن تنزع عقلك أو تتناول طنا من الحشيش حتى لا تفكر فى الطفلة الجميلة التى قبلت أمها وهى تضع الشطيرة فى حقيبتها قبل اللحاق بحافلة المدرسة.. لم تعرف الأم أنها آخر قبلة.. القبلة التالية فى مشرحة المستشفى لو بقى لدى الطفلة وجه

محافظتى أسيوط.. ومدرستى دار حراء الابتدائية.. يا بلادى أنا بحبك يا بلادى. الدرس انتهى لموا الكراريس. إن أقسى عدو حاربناه فعلا هو العدو المصرى.. وهو الخطر الداهم الذى يوشك على الفتك بنا. المصريون أعتى أعداء المصريين وأكثرهم قسوة وكفاءة فى القتل، هذا الدرس يتكرر كل بضعة أيام

حقا ما هذا الذى نفعله بأنفسنا ولماذا نقتل مواطنينا بلا توقف ؟.. إسرائيل لم تستطع عمل هذا لكننا استطعنا، وظفرنا بحادثين مروعين خلال أسبوع واحد والبقية تأتى

سوف تلوم رئيس الهيئة والوزير ورئيس الجمهورية.. كلهم ملومون، لكن كيف تمنع (سيد حبارة) التالى من النوم أثناء مرور القطار؟.. يمكنك أن تطير الكثير من الرءوس ويمكنك أن تعدم الجميع فى ميدان عام، لكن كيف تفرض الشعور بالمسئولية والتحضر على الناس؟

والسؤال للدعاة.. ما دام شعبنا متدينا لهذا الحد ولا يصغى إلا لكم، فلماذا لا تغسلون عقول الناس وتعلمونهم قيمة أداء الواجب والإخلاص فيه؟.. لماذا لا تعلمونهم إماطة الأذى عن الطريق وحرمانية قطع الطرق؟.. لماذا لا تعلمونهم آداب المرور وأن خرق الإشارات ليس (جدعنة)؟.. لماذا لا تعلمونهم الرفق بالحيوان وأن فقء عيون الحمير وإغراق القطط حرام؟.. جميل أن تتكلموا عن أهمية النقاب والحجاب وإطالة اللحية وتقصير الجلباب وأهمية الزواج من أربع، ولكن هذا ليس كل شيء.. لابد من البدء فى سن مبكرة مثل سن هؤلاء الكتاكيت الذين مزقهم القطار كى تغسلوا عقل الأمة. الأمة التى صدأت واعتادت التكاسل والأونطة وترك كل شيء للأقدار.. ليرحمهم الله وليمنح أهلهم الصبر والسلوان وإن كانت كل عبارات التعزية وأى انتقام من المسئولين غير كاف

يوم الأربعاء الماضى كنت متوجها للقاهرة، عندما عرفت أن عمال المترو قد أضربوا.. عند شبرا فهمت أبعاد الموقف.. بدت العاصمة كأنها فى حالة حرب فعلا وكأن إسرائيل ألقت فوقها قنبلة ذرية. شلل فى كل مكان وتحولت الشوارع إلى موقف سيارات كبير.. لم يذهب أحد لعمله ولم يذهب الطلبة لكلياتهم وتأجلت معظم الامتحانات.. قلت لك إن العدو المصرى يعمل بكفاءة تامة ويعرف أين يوجه ضرباته بالضبط.. المشكلة أن العدو المصرى يضرب المصريين !… تتذكر على الفور الدعابة القديمة: «ليت حسنى مبارك ضربنا نحن الضربة الجوية الأولى، وحكم إسرائيل ثلاثين عاما !»ـ

فى نفس الوقت كانت غزة تشتعل. وكنت قلقا بشدة على أهل غزة وعلى أصدقائنا من الوفد المصرى الذى ذهب هناك فى هذا الوقت بالذات. تلقيت الدعوة لهذه الزيارة منذ شهر ونصف – والأحوال هادئة – لكن خطر لى أن رحلة الحافلة الطويلة لن تناسب حالتى الصحية، واعتذرت عن عدم الذهاب. فجأة اشتعل كل شيء. وفى الشارع رأيت أخيرا مظاهرات تدين العدوان على غزة.. أخيرا مظاهرات غير فئوية.. ليست من طراز (البت اللى لسه متخرجة بتاخد خمسين جنيه أكتر مني)ـ

تمنيت بشدة ألا أكون فى موقف الرئيس مرسى، فهو مطالب باتخاذ رد فعل حازم.. لكن ما حجم هذا الرد؟.. سحب السفراء خطوة حتمية، وبالتأكيد كان التحرك الدبلوماسى جيدا وفعالا.. أفضل من أيام مبارك على كل حال. لكن مرسى يتلقى بالتأكيد ضغوطا تدفعه نحو ما هو أكثر.. شهدت خطاب خالد مشعل فى قناة الجزيرة فشعرت أنه يهنئ الأمة بأن مصر ستلغى كامب ديفيد قريبا !. تذكرت منظر القاهرة يوم إضراب عمال المترو عندما صارت بطة مشلولة تنتظر الذبح.. البلد فى وضع هش جدا ويمكن تدميره بطائرة واحدة تضرب المترو أو السد العالى أو خطوط الغاز… بالتأكيد هذا أسوأ وقت ممكن لاتخاذ ردود فعل غير مدروسة. معنى أى حرب اليوم مع تشرذمنا واقتصادنا المتهالك وحالة الترنح هذه أن ننهزم فورا، ونبرهن على أننا لم نتعلم أى شيء من الفخ الذى قادوا له عبدالناصر فى 1967. وهكذا سوف يضطر الإخوان للعب بمنطق الممكن لا منطق العواطف المشتعلة

هذا بالمناسبة سوف يزيد من توحش الهجوم على مرسي: الرجل تخاذل عن نصرة غزة برغم كل الخطب العصماء التى كان الإخوان يلقونها قديما.. مقابل: الرجل تهور واندفع من أجل إرضاء الإسلاميين وأضاع البلد فى (شربة مية)ـ

بالطبع بدأت إشاعات عربات البنزين المحملة الذاهبة إلى غزة، وهى إشاعات تفتقر إلى أى دليل لكن رجل الشارع يصدقها.. هذا يحرك عواطف متناقضة.. بالفعل لا يمكن ترك أهل غزة يموتون.. ولكن طوابير البنزين الغاضبة تملأ مصر والسيارات تقف بالساعات.. هل ترسل البنزين للبيت أم الجامع؟

وسط هذا كله يقوم المصريون بقتل خمسين طفلا مصريا بعد أسبوع من تصادم قطارين.. إن العدو الأول فى الداخل.. إنه نحن.. فقط عندما نهزم هذا العدو يمكننا أن نواجه العدو الآخر. أما إن لم نفعل فلا تقلقى يا إسرائيل.. المصريون يبيدون أنفسهم بكفاءة تامة