قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, November 26, 2012

سبتمبر الخاص به



الأحداث في مصر تتدفق كالسيل، وفي كل لحظة تجد أحداثًا جديدة توحي لك بأنه لم يكن لدينا سواها منذ البداية. كنا نتكلم عن القطارين اللذين تصادما فإذا بقطار أسيوط يفتت التلاميذ .. وقبل أن نتكلم بما يكفي عن هذه الحادثة هاجمت إسرائيل غزة، ثم هبت أحداث محمد محمود 2 .. وقبل أن نتكلم جاءت قرارات مرسي .. إلخ ... كل حادثة تأتي فتنسينا ما قبلها كأنه لم يكن .. قديمًا قال شارلي شابلن إنه لابد من ترك ثلاث دقائق بين المشهد المضحك والتالي له، وإلا أفسدت النكتتان بعضهما .. هنا نتكلم عن مآس لا عن نكات، لكن القاعدة صالحة . سرعة الأحداث لا تعطي وقتًا للتمهل والتفكر.. عبارة (في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها مصر) صارت شبه يومية وتقال في كل المناسبات

أما عن رأيي أنا في أحداث محمد محمود 2 فسوف أخبرك به في أحداث محمد محمود 3 ، التي ستخرج مطالبة بالثأر لمن ماتوا وجرحوا في أحداث محمد محمود 2.. لن أخبرك برأيي لأنك لن تقبله في جميع الحالات سواء كنت أؤيد أم أرفض، وهو جدل لا يجدي على كل حال 

ترك محمد مرسي خصومه يقودونه إلى الفخ الذي نصب له بعناية وإحكام، وهكذا بدأ سبتمبر 1981 الخاص به مبكرًا جدًا .. سبتمبر السادات جاء بعد عشر سنوات من الحكم، أما الرئيس مرسي فتورط في هذا الفخ بعد أشهر معدودة

يذكرني الأمر برجل تستفزه زوجته كل دقيقة مرددة: "أصل انت لو راجل تطلقني".. "لو راجل بصحيح تطلقني".. في النهاية يفقد أعصابه ويطلقها .. تنطلق لتردد: "مش قلت لكم إنه همجي؟". أخطأت الزوجة كثيرًا لكن الزوج أخطأ كذلك عندما انصاع لضغوطها، وبالتالي منح مصداقية بأثر رجعي لكل ما اتهمته به سابقًا. لقد قادته إلى الفخ والنتيجة ماثلة أمامنا.. كل معارضي مرسي توحدوا .. ومشى حمدين صباحي يشبك ذراعه في ذراع البرادعي، بينما هبت الصحف المستقلة هبة رجل واحد تدين الإعلان، وبدا العالم الخارجي متحفظًا أو قلقًا بصدده .. إن محمد مرسي يمر بخريف الغضب الخاص به، وإن كان يختلف عن السادات في أنه يقف في جانب الإسلاميين وليس الجانب الآخر 

ما يعنيني هنا أن أعداء مرسي كثيرون جدًا جدًا وبصورة غير مسبوقة. أشد ما ضايقني عندما تولى السلطة أنني لمحت لدى خصومه ذلك الرفض التام لنتائج صناديق الاقتراع ورفض تام للديمقراطية، كما بدا في المظاهرات التي قادها بعض المرشحين بعد الهزيمة، وهذه المظاهرات مقبولة في حالة واحدة، هي أن تكون لديهم أدلة دامغة على تزوير الانتخابات. لكن لا أحد في مصر يقبل سوى الديمقراطية التي تأتي به هو للحكم. أما من أنصفوا فاعترفوا بأن مرسي فاز، فقط اتهموه بأنه فاز (على الحركرك).. لا أعرف أي دولة تتكلم عن الهامش الضعيف أو (الحركرك) سوانا .. الفائز هو الفائز وهو رئيس الجميع في أي دولة في العالم. هكذا توالى الرفض والغضب والاتهامات ضد الرجل .. وكلنا نذكر كيف كانت المظاهرات تخرج للمطالبة بإقالة النائب العام، فلما قرر مرسي أن يقيله تحول النائب إلى شهيد . هناك الآن غليان بين الجيش والشرطة، وغليان في محمد محمود .. وهناك معركة شرسة بين مرسي والقضاء

وفي لحظة وجد الرجل أنه مضطر للمقامرة بكل شيء محاولاً السيطرة على البلد الذي يهدد بالتفتت في كل لحظة. الإعلان الدستوري الذي أصدره الرجل كان وسيلة لاحتواء أحداث محمد محمود 2 قبل أن تتصاعد (وقيل إنه لقطع الطريق على حكم قضائي يعيد المجلس العسكري). والنتيجة هي أنه وقع في فخ الدكتاتورية الذي نصب له .. وقراره الخاص بالشهداء والخاص بالنائب العام لا غبار عليه، لكن قراره بأن يتحول إلى إله لا يمكن محاسبته هو قرار كارثي بالمعنى الحرفي للكلمة

من التويتات الظريفة التي قرأتها تويتة لصديقي د. رائف وصفي يقول فيها: "هذه قرارات قوية شجاعة من رئيس قوي شجاع، نزع عن القبيلة ثوب الدولة الذي ترتديه ولا يناسبها ...". بالفعل يبدو أن مرسي قرر أن يعيد لمصر تاريخها القبلي المشرق

وعلى شبكة الإنترنت توحش الجميع وتناثرت الاتهامات ، ومنها من يتهم عمرو موسى بالتنسيق مع ليفني لإرباك الشارع المصري..!... أرخص شيء في مصر هو الاتهامات التي تباع بقرش للكيلو 

وفي الشوارع احتقنت النفوس وبدا أن التصادم قريب جدًا. ثم ظهرت الصحف تحمل صورة المرشح السابق للرئاسة (أبو العز الحريري) – وهو شخصية وطنية بالغة الاحترام – وقد حولوا وجهه في الأسكندرية إلى عجين. اتهم هو شباب الإخوان بذلك، لكن اللجان الإلكترونية – التي يصرون على أنها غير موجودة – بطريقة المراوغة المعهودة شككت في كلامه (إزاي رايح تفض مظاهرة والمدام معاك؟) بنفس منطق الفتاة التي تلبس عباءة بكباسين على اللحم. على الجانب الآخر احترقت مقار كثيرة لحزب الحرية والعدالة ... فعل ورد فعل ألعن 

مشكلة العداء مع الإخوان عسيرة وخطرة .. مشكلة استقطاب البلد إلى إخوان وأعداء للإخوان كارثية. عندما كنا نعادي حسني مبارك والحزب الوطني كان عدونا كتلة واحدة سوداء محددة يمكن اقتلاعها بشيء من الجهد والدم. أما الإخوان فهم جزء من نسيج الأمة لا يمكن فصله أو التعامل معه على حدة.. إنه ذلك الفتى الذي يعبر الشارع هناك، وذلك الطالب الذي يجلس في مسجد الكلية، وتلك الفتاة ذات الخمار الذاهبة لدرس تحفيظ القرآن، وهؤلاء الفلاحون في القرى والكفور والنجوع ... باختصار الخلاف مع الإخوان سيكون عسيرًا وداميًا، ولا يختلف كثيرًا عن تعريف الحرب الأهلية

سيدي الرئيس .. يعلم الله أننا نحاول أن نكون منصفين معك، ولسنا ذوي أطماع سياسية من أي نوع، لذا نخلص لك القول: هذا الإعلان كان خطأ قاتلاً. ثم إنه يدشن لسياسة جديدة هي سياسة الفرعون الإله، وقد بدا سوء النية واضحًا من اللحظة الأولى .. قبل أن تعلن القرارات بساعات تمت دعوة الإخوان لاحتلال ميدان التحرير والانتظار، وهذا يضع أسس السياسة القادمة التي لمحنا طرفًا منها إبان انتخابات الرئاسة. احتلال التحرير واستعراض القوة ثم إصدار أي قرار .. أي قرار .. فلن يناقشه أحد ، ومن يفتح فمه فالحريري والفخراني ماثلان للعيان. رأس الذئب الطائر يا مولاي

هكذا سوف تتحرك الأحداث ببطء .. تغلق هذه الصحيفة أو تلك وتلقي بهذا الصحفي أو المعارض في السجن .. وفي كل مرة هناك مبررات قوية .. هل تذكر المشهد الأخير في قصة (مزرعة الحيوانات) لأورويل ؟.. عندما راحت الحيوانات تنظر لوجوه نابليون ورفاقه فلا تجد أي فارق بينها ووجوه البشر؟.. أرجو أن تكون قد قرأتها، فلسوف يحزنني جدًا أن أعرف أن رئيس بلادي الأستاذ الجامعي لم يقرأ أهم رواية سياسية في القرن العشرين