قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Wednesday, September 8, 2021

فالوذج - 4 - الأخيرة


منذ طفولتي أعشق كلمة (فالوذج) بما لها من رنين عربي أصيل، وحتى هذه الليلة أشعر بحنين لهذه الكلمة وأنا أرى اللافتة المطفأة في آخر الشارع. أشعلت لفافة تبغ بصعوبة بالغة لأن يدي تجمدتا فعلًا بسبب الصقيع والثلوج والريح الباردة.

مشيت حتى بلغت باب المطعم ثم بدأت أدور حوله بحثًا عن طريقة للدخول.

بالطبع لابد من باب آخر.. باب يخرج العمال منه ويدخلون، وتدخل المؤن ويخرجون القمامة. القمامة التي لو فحصتها جيدًا لفهمت كل شيء. هكذا واصلت المشي. فجأة تصلبت وقد رأيت بابًا مفتوحًا.. أرى رجلًا لعله عامل بالمطعم يخرج صندوق قمامة كبيرًا ثقيلًا مبتعدًا.. طبعًا لا وقت لفحص هذه القمامة لأن الباب مفتوح والفرصة سانحة.. تسللت إلى الداخل بسرعة قبل أن يعود، لأجد نفسي في كواليس مطعم (فالوذج) لو اعتبرنا أن خشبة المسرح هي قاعة الطعام.

بالفعل كان هناك مطبخ كبير مظلم. أخرجت الكشاف الصغير الذي أحمله ورحت أتفحَّص عشرات الآنية وأدوات الطعام وصفوفًا متراصة من السكاكين.. لا بأس من أن أنتقي أكبرها على سبيل الاحتياط.

رسوم فواز

ثم الثلاجة! الثلاجة العملاقة الجديرة بمطعم والتي يمكن أن يسجن فيها إنسان. اتجهت وفتحت المقبض.. كانت أكياس اللحم معلقة على خطاطيف.. فتقدمت ومزقت أول كيس وفحصته على ضوء الكشاف.. لا شيء.. هذا
لحم بقري ولا شك في هذا.. أنا لا أخطئ في هذه الأمور.. الكيس الثاني.. هناك رأس وعنق حيوان يشبه الوعل.. هل هذا هو الماعز الجبلي غريب المذاق؟

ربما لو فحصت الأرضية.. لن يعلق أحد أشياء كهذه لتبدو واضحة للعيان.. لا شيء.

كنت منحنيًا أتفحص الأرض عندما شعرت بالمسدس يلتصق برأسي من الخلف، ومن يقول بروسية ثقيلة:
ـ "انهض بلا حركات عصبية"

نهضت وقد أدركت أني أسأت الحكم على مدى ثقل صندوق القمامة. لقد تخلص منه بسرعة جدًا. استدرت ببطء لأجد الوجه التركي الفظ والعينين المحتقنتين.. إنه نفس الرجل.
ـ "ماذا تريد مِنَّا؟"
قلت بثبات وأنا أنظر في عينيه:
ـ "الرجل البدين الذي كان يلبس خاتمًا مليئًا بالمجوهرات.. أين هو؟"
دهش من السؤال.. ثم قال وهو يتراجع للخلف:
ـ "صاحب المطعم؟ ماذا تريد منه؟ هو لا يقيم هنا.. يأتي للأكل وتفقُّد الأمور.. لكن ما شأنك أنت؟"

كنت أشعر بخيبة أمل.. إنه صادق.. لا شك في هذا.. مطعم يقدم لحم الماعز الجبلي المليء بالتوابل لا أكثر.. مطعم صاحبه بدين يفقد مجوهرات خاتمه في أطباق الطعام.. مطعم ينسى بعض الشعر في الأطباق.. (رادا) كانت بريئة إذن.. هي أحبت المطعم ولم تكن تستدرجني له.

خيبة أمل شديدة.. لم يدرك الرجل كم أنا سريع الحركة ولا كم أنا شرس خطر إلا عندما ركلت المسدس الذي يحمله، ثم أغمدت السكين في عنقه.. فظل ينظر لي في شيء من الدهشة واللوم قبل أن يسقط على الأرض.

رسوم فواز

لشد ما أنا حزين.. حسبت أن هذا المطعم قد حل مشكلتي وأنني سوف أجد فيه نوع اللحم الذي أريده والذي اعتدت أكله، والذي هربت من مصر كلها لأبحث عنه في مكان لا يعرفني... لكنه مجرد مطعم بريء آخر.

لقد دفع (ديمتري) صديقي الوحيد حياته؛ لأنني لم أرد أن يبلغ الشرطة ويفسد عليّ هذا الاكتشاف الجميل.. والآن أكتشف أنني قتلته بلا داع.. يا للعار!

لكني لن أخرج خالي الوفاض.. النادل التركي يرقد على الأرض والمطبخ تحت أمري حتى الصباح. لدي ما يلزم كي أشبع حاجتي وكي أقاوم نفسي لفترة أخرى.. أيام.. أسابيع.. و(رادا)؟ على الأرجح ستكون الضحية القادمة ما لم تقطع علاقتها بي لسبب أو لآخر.

منذ طفولتي أعشق كلمة (فالوذج) بما لها من رنين عربي أصيل، لكن كلمة (فالوذج) سوف تكتسب مذاقًا خاصًا هذه الليلة بالذات.