====================================
بالفعل سمع صوت الكلام وأن هناك من يتحرك في الغرفة، وأن هناك من يقف جوار الفراش. هذه المرة لم ينهض بل فتح جفنيه ملليمترًا واحدًا
في الضوء الخافت القادم من الممر رآهم.. كانوا هم.. نفس مجموعة الصباح التركية، وكانوا يقفون في الغرفة.. فجأة رأى واحدة تدنو منه مصوبة الكاميرا وتلتقط له عدة صور، فحاول جاهدًا ألا يفتح عينه
ما معنى هذا؟.. كيف دخلوا هنا؟
لو تحرك لفتكوا به على الأرجح لأنهم أكثر منه عددًا.. لا سبيل للنجاة سوى أن يتظاهر بالنوم
سمع صوت (أدونيس) يقول
"دافني.. هذا كاف"
قالت وهي تفتح خزانة الثياب
"لا أصدق أن هذه ثيابه.. هذا حذاؤه.. هذه جواربه.. شيء مذهل فعلاً"
كان (ثروت) ضيق الأفق كما قلنا؛ فلم يعلق أهمية على كونهم يتكلمون العربية فيما بينهم، كما يحدث في الأفلام عندما يتكلم القادة النازيون الإنجليزية حتى في اجتماعاتهم المغلقة.. كان التفسير سهلاً عنده.. يتكلمون العربية لأنها أسهل في الفهم
قالت (نيتوكريس)ـ
"هل أنتم واثقون من أنه لا خطأ هنا؟"
قال (أياد) بصوته الغليظ المميز
"طبيب يدعى (ثروت البربري) في مستشفى (........) التعليمي، وفي العام 2010.. هل هناك احتمال خطأ؟"
(قالت (نيتوكريس
"لا يبدو لي شخصًا مهمًا"
قال (أدونيس) بلهجة قاطعة
ـ"كل الأشخاص المهمين في التاريخ لم يبدوا كذلك في البداية.. لم يكن أحدهم يطير أو يخرج نارًا من فمه.. (أنور السادات) كان مجرد سائق لوري يضع على رأسه طاقية صوفية.. (بنيامين فرانكلين) كان رث الثياب مضحكًا فسخرت منه فتاة في الشارع، والغريب أنها تزوجته بعد ذلك!.. هيا بنا!"ـ
وسرعان ما ساد الصمت، وفتح (ثروت) المذهول عينيه ليجد أنهم رحلوا
ما معنى هذا الكلام؟
هل هم مجانين؟.. هل هم لصوص؟
تذكر طريقتهم في الاستماع له والتقاط الصور في كل لحظة، وبدأ يشعر بتوتر.. يتصرفون لا كطلبة يبغون العلم بل كسياح في موقع أثري!.. نعم.. هذا هو الشيء الذي لم يعرف كيف يعبر عنه من قبل... لكن لماذا؟
هو عظيم.. يعرف هذا جيدًا، لكن من قال لهم؟.. لم يجد الوقت ليفعل شيئًا يكشف هذه العظمة؛ فما سر هؤلاء؟.. كيف دخلوا الغرفة وكيف خرجوا منها؟
في الصباح كان متوترًا محمر العينين، وظهر هذا في طريقة تعامله معهم. كان عصبيًا لدرجة أنه هشم أنبوب اختبار به مصل واخترق الزجاج يده.. إنه عاجز اليوم عن القيام بعمله بشكل صحيح.. برغم هذا التقطوا ليده عدة صور كأنهم يصورون إحدى البرديات
في النهاية لف يده بالشاش وانفرد بـ (دافني) في ركن المختبر جوار جهاز (إليزا)، فقال لها
"الآن أريد تفسيرًا"
نظرت له في دهشة، فقال ضاغطًا على كلماته
"لن تخدعيني.. أنتم تتسللون لغرفتي ليلاً"
"من الذي.....؟"
"أنا أقول.. لو لم تفسري فسوف أحكي كل شيء للمدير وأطلب إعفائي من تعليمكم"
هتفت في جزع
"أرجوك.. لا"
ثم ساد صمت ثقيل.. ظلت تنظر للأرض ثم رفعت عينها وقالت
ـ"يصعب أن أشرح كل شيء.. أنت لا تفهم معنى السياحة التاريخية. لو أنك منحت الفرصة للعودة إلى زمن كليوباترا والحديث معها والتقاط الصور فهل تفعل؟"ـ
"لا.."
اندهشت من الرد الأحمق، فعادت تقول
ـ"ليكن.. بعض الناس يرغبون في ذلك.. فلنقل إنني ومن معي لسنا من هذا الزمن أصلاً.. جئنا لهذه الفترة كي نلتقي بك ونصور كل شيء.. حياتك.. طريقة تفكيرك.. عملك.. ألم تلحظ اختفاء أقلامك ومناديلك وسماعتك الطبية؟.. إننا نجمع هذه الأشياء.. سوف تساوي ثقلها ذهبًا في عالم الغد.. العالم الذي جئنا منه"ـ
لم يفهم شيئًا على الإطلاق سوى أنهم لصوص.. عاد يسأل
"والورقة التي كلفنا بها السيد وكيل الوزارة؟"
"مزورة.. "
"ولماذا؟.. لماذا أنا بالذات؟"
اتسعت عيناها وقالت
"لأنك. لأنك مهم جدًا.. سوف يتغير تاريخ العالم بسببك"
.......
يتبع
يتبع