====================================
راق الكلام لـ (ثروت) برغم أنه لم يفهم معظمه، وعاد يسألها
"تاريخ العالم؟.. هل تعنين أنك تتوقعين أن أصير رئيس الجمهورية؟.. أنال جائزة نوبل؟.. أشتري أرض (الششماوي)؟"
قالت وهي تكور أنفها الأقنى الجميل
ـ"لا أستطيع التفسير.. نحن ممنوعون من التفسير وإلا تصرفت بطريقة تغيّر التاريخ. لاحظ أنك بالنسبة لنا ماض يحرم علينا تغييره.. فقط أكتفي بقول إن كل طفل في الرابعة في عالمنا يحفظ اسمك جيدًا، وربما لديه صورتك"ـ
لم يصدق حرفًا لكن.. ربما كان هذا هو التفسير الوحيد لظهورهم في غرفته والباب مغلق. لو كان كلامهم صحيحًا؛ فمعنى هذا أنه محق بصدد نفسه.. إنه شخص مهم جدًا.. مهم لدرجة أن يعكف خمسة أفراد على التقاط الصور له وجمع أقلامه ومناديله.. مهم لدرجة أن يتسللوا لغرفته ليصوروه وهو نائم ليلاً
لقد كان على حق
لكن.. لن يندفع للجنون بتصديق هذا الكلام الفارغ، إنهم يعبثون به
سألها
"أنتم مصريون طبعًا؟"
ابتلعت ريقها وهزت رأسها أن نعم
"وهذه الأسماء الغريبة؟"
"هكذا ستكون أسماؤنا في الغد.. إن الأسماء تتغير مع الزمن.."
أمسك بيدها بشيء من العنف، لكنها لم تجفل وقال
ـ"اسمعي يا كتكوتة.. أنا لا أصدق حرفًا من هذا السخف.. هذه (اشتغالة) لا أبتلعها.. سوف تأتين معي لمكتب المدير، وهناك تحكين هذه القصة من جديد.."ـ
"لا أستطيع.."
هنا وجد أن الباقين يقفون حولهما.. يبدو أن وقت العراك قد جاء.. لكنه سوف يصرخ.. سوف يأتي عمال المستشفى ليمزقوهم
فتح فمه ليتكلم
لكن......
هل هذه اللطخة الكبيرة من الدم جاءت منه هو؟
المعطف ملوث بالدم.. الدم يتساقط من منخريه بلا توقف.. ماذا حدث؟
رفع عينيه نحوهم في جزع فوجدهم يلتقطون الصور.. وقال أدونيس وهو يبعد الآخرين
ـ"هذا هو.. البداية.. لقد انتقل له الوباء من أنبوب الاختبار الذي تحطم.. لا تخافوا يا شباب فنحن جميعًا تلقينا اللقاح لكن لا تلمسوا شيئًا منذ هذه اللحظة"ـ
"لا.. لا.. أفهم.."
قالت (دافني) وهي تنهض
ـ"نحن طلبة طب جئنا من المستقبل كما قلت لك.. مهمتنا أن نقابلك ونعرف كيف بدأ كل شيء، وأن نلتقط الكثير من الصور.. أنت أول حالة من الوباء الذي أباد ثلاثة أرباع البشر والذي بدأ اليوم حسب كتب التاريخ.. الوباء الذي أطلق عليه العلماء اسم (بربريا) نسبة لأول من مات به، لهذا قلت لك إنك مهم جدًا في تاريخ البشرية، وقد احتجنا لأعوام طويلة كي نعيد الحضارة ونبدأ من جديد.. اليوم نحن نرى مولد الوباء"ـ
قال (أدونيس)ـ
"الغريب أن صاحب الدم الأصلي لم يصب بالوباء.. "
صاح (ثروت) وهو يحاول النهوض
"أنتم مجانين.. مجا...."
ثم سقط على ركبتيه فقال (أدونيس) وهو يلتقط المزيد من الصور
ـ"فعلاً.. الأعراض هي نزف من كل فتحات الجسد ويبدأ فور العدوى.. هل ترون هذا الدم المتدفق من العينين يا شباب؟.. إنها علامة (ثروت) الشهيرة التي تميز هذا الوباء عن سواه من الحميات النزفية"ـ
"أنتم تمزحون"
قالت (دافني) في برود علمي
ـ"لا فارق.. صدقت أم لم تصدق؛ لكني أشكرك على الساعات التي قضيناها معك.. بالفعل أنت أهم شخص في تاريخ البشرية على مدى ثلاثمائة سنة.. كل طفل في عالمنا يعرف اسم (ثروت البربري).. أول من مات بالوباء الرهيب"ـ
قالت نيتوكريس
"أعتقد أن علينا الرحيل يا شباب"
صاح (ثروت) والدم يسيل بلا توقف من أذنيه هذه المرة
"انتظروا.. متى ينتهي هذا؟"
"خلال يومين.. لا أحد يعيش أكثر من يومين!...والآن سوف نعود لعالمنا"
وسرعان ما كانوا يغادرون المختبر في مزيج من الرعب والحماسة والفوضى.. لابد أنهم يمزحون.. لابد أن هذا مقلب
لم يكن (ثروت) يعرف أنني سأزوره غدًا في المستشفى، وأنني سأنال نصيبي من العدوى مع كل من تعامل معه؛ هذا قد يغفر لي بقع الدم المتناثرة على هذه الأوراق
فتح فمه ليصرخ فشرق بالدم.. لكنه استطاع أن يخرج الصيحة
"دافني!.. هل تتزوجينني؟؟؟"-
تمت