قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Tuesday, August 2, 2011

عن المحاكمة الضرورية



وسط هذا الطوفان من الأخبار المتناقضة الملفقة التى صنع بعضها فلول النظام السابق، وصنع بعضها صحفيون يريدون تلفيق أى خبر ليملأ مساحات الصحف، وصنع بعضها من يتظاهرون بالعلم ببواطن الأمور، أصدق بالفعل ما يتم تناقله عن صحة مبارك، فلا أتصور أنه هانئ وادع البال، يلعب التنس فى شرم الشيخ، ويرسم المخططات بالمعنى الحرفى للكلمة، خصوصا إذا ما تبنينا نظرية (الراجل البركة) الذى يضخون فيه الفيتامينات، ليظهر أمام الناس، بينما السيطرة الحقيقية هى لسوزان، وجمال، وعزمى، والشريف.. مبارك تلقى العلاج مع أكبر خبير عالمى فى سرطان القنوات المرارية، فلماذا يعالج المرء لدى خبير فى سرطان القنوات المرارية؟ أمن أجل إصابته بالزكام؟ ومن الطبيعى أن يكون مصابا باكتئاب شديد بعد فقدان هذا الهيلمان.. نعم هو مريض، حتى إن نحينا الكلام الفارغ على غرار حكايات الطبيب الشرعى الذى أنقذ مبارك من أخطاء أساتذة القلب الذين يعالجونه، والذين لم يعرفوا أنه مصاب برجفة أوزونية (اسمه تذبذب أذينى يا دكتور)ـ

المشكلة مع مبارك هى أنه لا بد أن يحاكم وأن نراه فى القفص، ولن ينقذ مصر فى رأيى سوى هذه الصورة.. الشىء الوحيد الذى سيقنع الناس بأنه كانت هناك ثورة، وأنها جادة.. أما أن ننتظر هذه اللحظة ستة أشهر تقريبا، فهذا يدل على مماطلة واضحة من أطراف عديدة، ويبرر كل هذه الشكوك العصبية لدى الثوار.. إطالة فى إطالة فى تأجيل فى مماطلة.. والشرخ بين القوى الوطنية يتزايد، والاستقطاب يتضح أكثر بين فريق المطالبين بالدولة المدنية والدستور أولا، والذين يرون أنهم من بدؤوا بالثورة، بينما ظل الإسلاميون فى بيوتهم حتى بدا أنها ستنتصر، وفريق من يطالبون بالدولة الدينية ويؤيدون المجلس العسكرى بالكامل، ويرون أنهم كانوا أصحاب الفضل فى تحول الانتفاضة إلى ثورة كاملة، ولولاهم لكسب صفوت بيه «موقعة الجمل».. كل طرف يحاول أن يثبت أنه الأقوى، أو على الأقل أنه حاضر ليس غائبا، ولا بد أن يأخذ نصيبه من التورتة التى هى نحن.. والنتيجة هذه المليونيات التى لا تتوقف.. إنها نوع من استعراض القوة والقدرة على الحشد لا أكثر

أنتم جهلة ولا تعرفون معنى (سلفية) فليتكم تبحثون وتقرؤون.. وأنتم لا تعرفون معنى (علمانية).. فلتبحثوا عن معناها قبل أن تتهموا بها

الاستقطاب يتضح ويتزايد، فلن تهدأ الأمور إلا بأن تتم المحاكمات، وتتحرك العملية السياسية شبه الراكدة

قد تتجاوز الرغبة فى القصاص حدود المعقول، لأن المطالبة تتخذ أحيانا صيغة (حاكموه واعدموه).. وهو ذلك الموقف الساخر الذى عبر عنه عبد الناصر لأعضاء مجلس قيادة الثورة، الذين طالبوا بمحاكمة فاروق وإعدامه، فقال عبد الناصر «لو كنا نريد إعدامه منذ البداية فلماذا نحاكمه؟».. يجب أن يحاكم مبارك محاكمة عادلة لا تبرئه مما فعله فعلا، ولا تلفق له ما لم يفعله.. إن رغبة الانتقام تبلغ أحيانا درجات تفتقر للموضوعية، وعلى سبيل المثال أنا لا أعتقد بتاتا أن صفوت الشريف قتل سعاد حسنى، كما يحاول ألف مقال أن يقنعنا، ولا أن جمال مبارك هو المسؤول عن انفجارات شرم الشيخ، ولا أن العادلى هو من دبر انفجار كنيسة القديسين (لاحظ أن الناس نسيت هذا الموضوع ولم يثر ثانية).. أعتقد أن هذا ضمن رغبة الانتقام التى تلصق كل ما يحدث فى مصر بحفنة من الأشخاص، كثرة الجرائم التى ألصقت بالعادلى تذكرنى بما كانوا ينتقدونه فى عصره، عندما كان يجد متخلفا عقليا لكل جريمة غامضة.. اليوم العادلى نفسه صار متهما بكل جريمة غامضة.. لا يعنى هذا أن هؤلاء السادة ملائكة، لقد ارتكبوا جرائم كثيرة جدا، لكن علينا أن نكون موضوعيين وننتظر ما تسفر عنه المحاكمات

محاكمة مبارك خطوة عظيمة ومهمة جدا، وبالتأكيد تمثل اللحظة الأخطر منذ قيام ثورة يناير.. لنفس السبب سوف تكون هناك قوى عاتية وضغوط داخلية وخارجية تحاول منع هذه المحاكمة، لن تكون محاكمة لمبارك فقط بل للنظام العربى كله، وهو النظام الذى عرفنا أنه يضم أكبر مجموعة من المجانين والسفاحين والمتخلفين عقليا.. رؤساء يفضحون فعلا، وتخجل من أن تأخذهم لأى مكان عام.. تأمل القذافى وفقراته الفكاهية وزنجة زنجة.. إنه ظريف جدا كالمهرجين، وفى الوقت ذاته هو خطير دموى ولا يرحم.. وعبد الله صالح الذى يصر على (عمل دستور جديد)، وبرغم احتراق وجهه فإنه يعود مصرا على أن يجثم على شعبه حتى النهاية، وبشار الأسد الذى يتسلى رجاله بتمزيق الأعضاء التناسلية لغلام فى الثالثة عشرة من عمره.. عرفنا كم هم ساديون متخلفون عقليا، وكم هم مستعدون لذبح آخر طفل فى شعوبهم، حتى يبقوا يوما آخر فى الحكم.. كل حكام الأرض خلقهم الله ليرعوا مصالح قومهم، بينما حكامنا نحن يتصرفون كأنهم حكام عسكريون لدى جيش احتلال.. محاكمة مبارك سوف تكون سابقة وسوف تفتح الجسر لتدفق المياه فى كل مكان، هم يعرفون هذا، لهذا يحاولون منعها بكل وسيلة ممكنة

ما زالت مصر تقود العالم العربى بالدور لا بالوظيفة، وتعثر ثورتها يعنى تعثر الثورات فى باقى الدول

إذن ستكون هناك ضغوط خارجية لمنع المحاكمة.. الضغوط الداخلية سوف تكون ممن يهمهم أن لا يتكلم مبارك أكثر من اللازم، فهو يعرف كثيرا، لذا نطالب بحماية مشددة على حياة الرجل، حتى لا يتكرر سيناريو سليمان خاطر، وسيناريو سلوبودان ميلوسيفيتش الرئيس اليوغوسلافى، الذى كان ينتظر الحكم عليه فى محكمة لاهاى لجرائم الحرب، ووجدوه ميتا فى الحادى عشر من مارس عام 2006، وقيل إنها جلطة بالقلب، وقيل إن هناك من دس له السم

وفاة مبارك سوف تنقذ أطرافا كثيرة، لكنها لن تنقذ الوطن، لأن أحدا من الثائرين ذوى الدم الفائر لن يصدق أنها وفاة طبيعية.. الحل الوحيد هو أن تبدأ المحاكمات فعلا والآن.. فلا تختبروا صبر الثائرين أكثر من هذا