قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Wednesday, November 23, 2011

أنا أتذكر - 4 - شيرين


رسوم فواز

الأغنية تتردد:ـ
لو لم أرك عندما أريد.. فلسوف أراك عندما أستطيع
لو كان حبك خطأ فلا أريد أن أكون على صواب

مَن الغبي الذي ترك جهاز التسجيل يعمل، بينما لم يعد هناك أي شخص في الحفل؟ لم يعد هناك سواي

*************

أشعر ببرد.. برد شديد.. أنهض مترنحًا فأشعر أن الأرض تذوب تحت قدمي.. هناك الكثير من رغوة الصابون في كل مكان.. قدمي تنفتح كلما حاولت أن أقيمها

مددت يدي لشيرين وقلت بصوت كأنه من قاع بئر:ـ
ـ"ساعديني ي ي ي.."ـ

مددت يدي لشيرين وقلت: ساعديني ي ي ي

نهضت وابتعدت بضع خطوات للخلف لتكون نائية عني وقالت:ـ
ـ"اسمع.. بالفعل أنت تحت تأثير مخدر.. أنا دسسته لك في العصير."ـ

ـ"والسبب؟"ـ

ثم فطنت إلى أنه سؤال أبله.. أنا أكره الأسئلة الغبية.. لماذا يدس لي عدوي اللدود مخدرًا في شرابي ويتخلص من كل ضيوف الحفل؟ فلتجب أنت.. لا شك أن ضيوف الحفل قد تلقوا أوامر صارمة بالرحيل أو نقلوهم لمرحلة أخرى من المرح، بينما بقيت أنا
أين الهاتف المحمول؟ جربته من قبل فوجدت أن الشبكة لا تعمل هنا.. ولا شك أنهم يعرفون هذا 

قالت شيرين:ـ
ـ"أنا أكره أن أراك تموت، لكن جلال الشريف قد أعد لك نهاية دامية.. لا أستطيع أن أساعدك فأنا أعمل عنده... هو يسمع كل ما أقوله لك الآن.. في الواقع هناك كاميرا تنقل له المشهد كاملاً.. هو قال لك إن الحياة لعبة وكان يعني ما يقول"ـ

الحياة لعبة.. وطبعًا يسهل أن تقول هذا لو كنت أنت الطرف الرابح.. لو كنت آمنًا تراقب ما يحدث وفي يدك كأس من الشراب

ـ"هل سيطلق النار على رأسي ويدفنني في الحديقة؟"ـ

ـ"لا.. لديه أفكار أفضل.. إنه يريد أن يراك مذعورًا تجاهد من أجل حياتك.. لو استطعت النجاة حتى الفجر فأنت حر، وإن كان يعرف أنك لن تبلغ عما حدث لك، وإن لم تستطع فهذا حظك السيئ.."ـ

كان عقلي ملبّدًا بالغيوم.. أمرّر كل ما يقال ثلاث مرات أو أربع حتى أفهمه، كأنها تلك الأشرطة المشفّرة على السلع التي يمررونها على جهاز قراءة السعر.. أحيانًا يفعلون ذلك ثلاث مرات

كانت تقول:ـ
ـ"سوف أختفي أنا.. بعدها سوف يبدأ حفل الصيد.."ـ
ـ"صيد؟"ـ
ـ"صيدك طبعًا!"ـ

*************

كنت أجري مذعورًا في المقبرة شاعرًا بالذعر.. عارفًا أنني تجاوزت الخطوط الفاصلة بين العالمين، وإنني سأدفع الثمن من كوابيسي ما بقي لي من عمر.. ألمٌ في كتفي حيث كانت تطبق يدها
لقد تغيّرت سديم.. تغيّرت كثيرًا

كنت أسمع صوتها يتردد في ذهني:ـ
ـ"أنا أحببتك.. ولم أحسب أنني سأفقدك بهذه البساطة.. محمود.. محمود"ـ

كنت أردد: من الخير لسديم أن تكون وهمًا.. من الخير أن تكون وهمًا
كنت ألهث وأبكي والدمع يجعل الرؤية مستحيلة.. أتعثر في الحجارة.. في شواهد القبور.. منذ متى يضعون 60 شاهدًا على كل قبر؟ ما كل هذا العدد؟
كنت خائفًا
ثم توقفت 

شعرت بالخجل من نفسي.. أنا لست طفلاً.. لن أتخلى عنها لمجرد هذا التغير البيولوجي في ملامحها.  لقد أحببتها وأنا طفل، ولم تكن مثالاً للفتنة وقتها
منذ صباي كنت أعشق سديم.. ماذا قد تغير؟ أنا أتصرف كمن تصاب حبيبته بحرق في وجهها فيتخلى عنها بكل قسوة

هكذا توقفت وفكرت في أن أرجع. لكني شعرت بشيء غريب أمامي
كان هناك.. لا أعرف ما هو بالضبط لكنه كان يسدّ طريقي.. تبينت أطراف العباءة الرمادية الممزقة المليئة بالبقع.. الوجه الذي لا أريد أن أراه.. القامة العملاقة التي تتجاوز ثلاثة أمتار.. صوت التنفس العالي الشبيه بالخوار 

سمعت عنه كثيرًا لكني لم أره من قبل. الآن وهو يسدّ الطريق أمامي أدركت أنني في مأزق حقيقي.. كان هو الرهبة لو صار لها وجه وصوت 
تراجعت للخلف في رعب 

وفجأة سمعت صوت سديم يقول لي في حزم:ـ
ـ"قف خلفي!"ـ

تراجعت للخلف ووقفت أرتجف وأنا أرقب صراع الإرادات في الظلام وفي ضوء القمر بين الاثنين.. الكلاب تنبح من بعيد.. النجوم تهوي في السماء، وهي تتقدمني وأنا أمشي خلفها.. تمر جوار الشيء وكأنها تقول له إنني في حمايتها
كنت أرتجف كطفل بينما هي تحميني.. وبرغم هذا كله لم أنظر لها قط.. خشيت أن ألقي نظرة ثانية

لو كانت سديم وهمًا فخوفي حقيقي

*************

كنت خائفًا بذات الدرجة وأنا أركض
برد.. برد.. برد.... بررر بررر
أين ذهبت شيرين؟ لا أعرف.. كأن الأرض ابتلعتها

كنت خائفا بذات الدرجة و أنا أركض

لا يجسر جلال على قتلي.. لماذا يفعل ذلك أصلاً وأنا مجرد كاتب؟ لكنني سمعت عن نزوات هؤلاء القوم.. قد يفجّر أحدهم رأسك؛ لأنك انتقدت ربطة عنقه.. بالنسبة لهم نحن صراصير
كنت أجري بلا هدف.. لا أعرف مما أهرب.. ما هو الخطر؟

أنا في حديقة قصر شاسعة.. ظلام.. مصابيح في كل مكان.. تماثيل.. أعتقد أن هناك كاميرات في كل مكان.. هناك الكثير من الحراس طبعًا لكنه لا يريد أن يفسد متعته بسرعة

الغريب أنني لا أعرف أين أجد سقفًا.. الحديقة مترامية لكن لا بد من بناية أو شيء هنا أو هناك.. شيء أتوجه له 

لو كان تفكيري صافيًا لوجدت حلاً بسرعة، لكني تحت تأثير مخدر كما قلت، وهذا ضاعف تأثير أنني أحلم
لماذا اهتممت بجلال لهذا الحد؟ حقًّا لا أعرف السبب.. ربما كان الحقد الطبقي وربما هو الشرف المفرط.. المهم أن هذا الرجل كان يمثل كل ما أمقته في العالم.. وقد فعلت كل ما أستطيع كي أدمره 
الآن أنا تحت رحمته تمامًا 

توقفت تحت مصباح في الحديقة وقلت لنفسي:ـ
ـ"يجب أن تفيق.. مشكلتك هي أنك لا تصدّق أنه يمكن أن يقتلك.. يجب أن تصدّق هذا يا صاحبي.. إنه يملك النفوذ والمال.. يمكن أن يدفنك في الحديقة ويأتي بعشرات الشهود يقسمون إنه كان معهم ساعة الوفاة، وجيش من المحامين يجعلون أسرتك تدفع ثمن الشك في رجل أعمال شريف مثل جلال.. يجب أن تتماسك.. يجب أن تؤمن بأنك في خطر داهم"ـ

.......

يُــتبَــع