قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Saturday, December 31, 2011

سنوبيزم وهاشم وأشياء أخرى



نحن بالتأكيد نخوض حربا أهلية فكرية كاملة، ويمكن لمن يتابع الإنترنت أن يدرك هذا بسهولة. يقولون عن الحرب الذرية إن الحركة الوحيدة الصحيحة هى أن لا تلعب، ويبدو أن الصمت صار خير سياسة فعلا

لكن هناك كلمتى حق لا بد من قولهما، ولنعتبر أن لا علاقة لهما بالسياسة بل بالمجتمع نفسه

الكلمة الأولى: هناك قصة قديمة جميلة جدا -كالعادة- للعبقرى يوسف إدريس، تحكى عن أستاذ جامعى لعلم الأنثروبولوجى، وهذا الأستاذ يستقل دوما حافلة مزدحمة للعودة من الكلية.. ما حدث هو أنه رأى فتاة تقف فى الحافلة، بينما رجل صفيق يتحرش بها.. بعد قليل تحمس الرجل أكثر من اللازم فبدأ يرفع ثوبها من الخلف، والغريب أن كل الحافلة لا تبدى اهتماما حتى من يرون المشهد بوضوح. صرخت الفتاة فى ذعر: الحقونى يا ناس.. ده بيقلعنى هدومى!. هنا طبقا لمدرسة (الحقوهم بالصوت) انهال عليها صفعا وسبابا وتعالت شتائم الناس لها: «عاملة شريفة أوى!.. ناس غاوية فضيحة». وسرعان ما وجدت نفسها ملقاة من الحافلة تصحبها اللعنات. هنا تغلب العالم على الرجل لدى الأستاذ الجامعى.. كان هذا سلوكا جمعيا أثار اهتمامه بشدة وأراد أن يجد له تفسيرا.. ببراءة صاح فى ركاب الحافلة يسألهم عن سبب غضبهم على الفتاة، بينما هى الضحية. بالطبع انهالت عليه الشتائم والصفعات بدوره ووجد نفسه فى الشارع. لكنه يفسر هذا السلوك الجمعى بأنه (سنوبيزم) -سلوك رعاع- ويواصل ركوب الحافلة يوميا كالعادة! ذات مرة خطف الأوغاد طبيبة من ميكروباص واغتصبوها.. كانت التعليقات كلها هى: «لو كانت محتشمة لما حدث هذا». طبعا لم يعرف المعلقون أن الطبيبة كانت منتقبة، وكانت ذاهبة إلى مؤتمر طبى فى القاهرة! ماذا تفعل أكثر من هذا؟ تشترى مقبرة وتدفن نفسها فيها؟ منذ أعوام فى يوم الأربعاء الدامى إياه، تحرش رجال الداخلية بالمتظاهرات ومزقوا بلوزة صحفية اسمها نوال حتى سترها زميلها بقميصه، وبعد هذا قالت الداخلية إنها -الصحفية- هى من مزقت قميصها لتتهم رجال الشرطة الأبرياء، وقد كادت نوال تصاب بجنون عندما سمعت أنها ضربت نفسها ومزقت بلوزتها بنفسها! أتمنى أن أعيش حتى أرى ضحية هتك عرض فى مصر لا تتلقى اللوم، وإنما يتلقاه من فعلوا هذا بها. اليوم تتكرر نفس الظاهرة، وبالطبع صارت هذه صورة العام التى لا أعرف من الذى التقطها بالضبط. لم تدخر الصحف جهدا على كل حال فى نشر الصورة التى تظهر جسد الفتاة يوميا، مع أن المعنى واضح لو كانوا وضعوا بعض السواد.. والنتيجة هى أن هذه الصورة ولون ثياب الفتاة الداخلية صارا حديث المقاهى لفترة طويلة.. ليس هذا موضوعنا على كل حال. الموضوع هو الاستقطاب الذى ساد المجتمع المصرى بعد الصورة حتى نسى الناس حديث الانتخابات. مصر هى البلد الوحيد فى العالم الذى يقوم الجنود فيه بتعرية فتاة فى الشارع فتنهال الاتهامات والشتائم على الفتاة!.. كأننا نعيد قصة سنوبيزم ليوسف إدريس. طريقة (الحق على المقتول) هذه لا تنطبق على فتاة عروها فى الشارع مهما كانت الأسباب. قالوا لماذا كانت وحدها ليلا؟ (والصور كلها تؤكد أنها كانت فى ضوء النهار)، وقالوا إن الصور ملفقة بالفوتوشوب بينما كل من يعرف ما الفوتوشوب يعرف أن الصور حقيقية، كما أن نفس اللقطات حية فى الـ«يوتيوب».. فلا بد أن من لفق هذه المشاهد يملك قدرات (ستان ونستون) وسواه من عباقرة الخدع السينمائية. بعد هذا انهالت الشتائم الأخلاقية على الفتاة بسبب أنها تلقت الضرب وأن هناك من مزق ثيابها!!!!ـ

الجنود يلبسون الكوتشى إذن هم ليسوا جنودا.. أحد الجنود شعر بالارتباك بعد تعرية الفتاة فغطى جسدها، وهم يعتبرون هذا دليلا على أن الجيش لم يرتكب أى خطأ!.. هناك من لاحظ أن الفتاة تلبس
«G-string»
أى أنه دقق فى الصورة جدا كما أنه خبير فعلا. قالوا إنها ارتدت ثيابا جاهزة على اللحم لتتمزق بسرعة!.. بينما الفتاة حرة فى ما ترتديه تحت العباءة، فنحن لا نلبس ثيابنا متوقعين أن يعرينا أحد فى الشارع. باختصار: لا عذر لرجال الشرطة العسكرية أبدا ولا ذنب على الفتاة أبدا.. هذه جريمة كاملة الأركان ويجب أن يحاسب المسؤول عليها

دعك من أنها إهانة عالمية للجيش المصرى.. هذه هى الحقيقة. برضه سوف تجد من يقول إننى أعتذر بهذه الكلمات للمعتصمين بعد ما تضايقوا من طلبى السابق للتهدئة.. لا هذا ولا ذاك يا أخى.. الحق حق والباطل باطل سواء أردنا أو لم نرد وقصة جحا ومحاولته إرضاء الجميع ماثلة أمام الجميع

لو كنت من بتوع العباسية أو تعشق المجلس العسكرى.. فهذا شأنك.. لكن لا تنكر وجود الشمس وتتهم الضحية.. لا يجب أن تكون المواقف
«Package»
باكيدج يلصق كل التهم بالطرف الآخر، ويعطى صك غفران مفتوحا لطرفك أنت. بهذه الطريقة تنهال الاتهامات على الفتاة، بينما الجنود اكتفوا بتغطيتها.. يا سلام! عندما كنت أطالب بإعطاء الجنزورى فرصة (قبل أحداث مجلس الوزراء)، فهم البعض بأثر رجعى أن موقفى
«Package»
آخر.. أى أننى أؤيد كذب الجنزورى أمام وسائل الإعلام، وأؤيد قتل المتظاهرين أمام مجلس الوزراء، وأؤيد كل أخطاء المجلس العسكرى.. منطق غريب فعلا

الكلمة الثانية: حساسة لأنها تمس صديقا لى -ورجلا من طنطا مثلى- هو الناشر الكبير محمد هاشم. ربما يختلف الكثيرون مع هاشم فكريا أو ماديا، لكننا لا ننكر أن دار «ميريت» ظلت لأعوام طويلة علامة ثقافية مهمة من معالم مصر. الشقة الصغيرة المتواضعة المليئة بالغبار والأفكار والدخان والفئران، ورغم هذا تفرخ أهم الأعمال الأدبية فى مصر. ذات مرة كنت أراجع أصول رواية «نادى القتال» فى غرفة داخلية هناك، فلما رأيت محمد هاشم قلت له إن عنده فأرا فى هذه الغرفة بالتأكيد.. قال فى بساطة إن هناك ثلاثة فئران ثم غادر الغرفة! إنها دار النشر الوحيدة على قدر علمى التى تقدم لزوارها طبقا من البسلة باللحم إذا وجد!.. فى هذه الشقة جلس خيرى شلبى وأحمد فؤاد نجم والمنسى قنديل وعلاء الأسوانى وبهاء جاهين ود.جلال أمين و.. و… وكانت الشقة مفتوحة كى يبيت فيها الثوار طيلة أيام الثورة. هاشم رمز وطنى مهم، ولا يخشى شيئا، لأنه ثورجى منذ أيام الدراسة. عندما يتلقى هاشم اتهامات فى المؤتمر الصحفى الذى عقده اللواء عادل عمارة، أحد أعضاء المجلس العسكرى، بأنه يوزع الخوذات والكمامات على الثوار، فهل هذه تهمة؟…ولو كانت تهمة فهو لن ينكرها.. من قال إن الدفاع عن النفس ممنوع؟ دعك من الكلام عن العملاء الذين لهم ذيل حصان ولحية نصف نامية.. نفس الجو السابق الخاص بعملاء الموساد الذين يملؤون التحرير.. وقد نفى هو مؤخرا أمر الضبط والإحضار له أمام النيابة.. وإن أكد كالعادة أنه لن يذهب إلى أى مكان.. من أراد أن يقبض عليه فليتفضل

مثلما حدث مع صورة الفتاة، حدث غضب شديد بصدد هاشم، ونال الدعم الكامل من كل المنظمات الدولية واتحاد الناشرين الدوليين. والسؤال المهم هنا هو: هل المجلس يتعمد ذلك؟.. هل المراد هو أن تصل الأمور للغليان؟.. وماذا سيفعل لو حدث هذا؟