منذ ساعات قام أحد انتحاريي داعش بتفجير مسجد للشيعة في الكويت. قبل أسبوع رأينا فيلمًا جديدًا يظهر ابتكارات داعش الفنية الجديدة في الإعدام. هذا التنظيم يملك نزعة استعراض لا شك فيها، وقد تحدثت قديمًا عن (باليه الذبح) الشاعري الذي قدمه مع جنود سوريين، ثم مع المصريين الغلابة، واليوم تقدم لنا داعش ابتكارًا جديدًا هو الموت غرقًا في قفص أو قطع الرأس بالديناميت أو الاحتراق في سيارة مغلقة. الأمر لم يعد يتعلق بقضية سياسية أو دينية أو ترويع الأعداء، بل هو تلذذ سادي بالوحشية كالذي كان الرومان يشعرون به عند رمي المسيحيين للأسود. بالتأكيد لم يفعل أحدهم هذا تقربًا لزيوس وفينوس بل لأن مشهد التمزيق الدموي غاية في حد ذاتها. يحبون الدماء للدماء كما نحب الفن للفن.
كتبت عن داعش عدة مرات من قبل، وكان رأيي الذي ما زلت مقتنعًا به – برغم كرهي لنظرية المؤامرة عامة – هو أن هذه القوة وهذا التمويل، وعجز الجيش العراقي وعدة دول متقدمة عن كبح جماحها كلها تدل على أن الموضوع أكبر من مجرد متطرفين يريدون الخلافة .. هناك لعبة مخابرات في هذه القصة، والغرض هو تفتيت العالم العربي أكثر أو إفناء ثروته وقواه في حروب بلا نهاية، أو هو إعطاء مبرر للتدخل الغربي وفرض الوصاية.
منذ زمن أرسل لي قارئ سوري خطابًا يتكلم فيه عن داعش. وأنا أتهيب الكلام عن سوريا عامة، لأنني أتلقى دومًا اللوم من الأصدقاء السوريين، إذا شتمت بشار الطاغية أرسل أحدهم لي: "أنت لا تفهم شيئا من حقيقة الوضع على الأرض في سوريا.. بشار هو آخر صخرة تمنع انهيار الشام والجزيرة العربية". وعلى نفس المقال يرسل لك صديق سوري قائلاً: "أنت تتكلم بسذاجة شديدة ولا تفهم أي شيطان رجيم هو بشار! لهذا تتكلم عنه بحياد مستفز، ومن الخير أن تصمت". لقد وجدت أن خطاب هذا الصديق السوري قد يعطي شهادة دقيقة عن داعش. الصديق يدعى طه بالي .. يعمل استشاريًا للأمراض العصبية في الولايات المتحدة. يقول:
«اعتراضي الأساسي على تلميحاتك المتكررة في المقالة عن كون (داعش) مؤامرة حيكت بليل .. لطالما أثرت إعجابي بتصديك لنظريات المؤامرة الشائعة زيادة عن اللزوم عند شعوبنا العربية، ولربما يجعلني هذا أكثر استغرابا من افتراضك السابق عن داعش. بالواقع، داعش لم تظهر من العدم وبالتأكيد لم يكن ظهورها الأول في أيار (مايو) ٢٠١٤ عندما بدأت نشرات الأخبار بتغطية أخبارها. بالأحرى، كان صعودها تدريجيا و"منطقيا"، بقدر ما يمكن لأي أمر متعلق بكيان كداعش أن يكون منطقيا، وإلى حد بعيد.
(داعش) هي وريث (الدولة الإسلامية في العراق)، أو ISI، والتي ظهرت بعد حرب العراق الأخيرة. تراجعت "داع" (قبل أن تضيف حرف الشين المشؤوم لاسمها) بعد زيادة القوات الأميركية وتشكيل الصحوات العراقية، إلا أن سياسات المالكي المدعوم إيرانيًا، ورغبة أوباما بسحب قواته بأي ثمن، إضافة إلى فراغ السلطة في سوريا، أدى إلى ظهور جديد لهذه المنظمة، وبخاصة عن طريق فرعها السوري في ذلك الحين: جبهة النصرة التي بدأت عملها في سوريا في أواخر الـ ٢٠١١. التوسع الجغرافي والاقتصادي والسياسي والعسكري كان شديد التدرج بالنسبة لكل من النصرة، ولاحقا داعش التي استحوذت على أغلب مكتسبات النصرة في سوريا (وظهرت "داعش" إلى الوجود في نيسان (أبريل) ٢٠١٣، مباشرة بعد سقوط مدينة الرقة السورية في يد الثوار، وبالتزامن مع بدايات انتفاضة "سنية" في العراق ضد الحكومة المركزية). هذا التدرج وصل في في صيف الـ ٢٠١٤ إلى كتلة حرجة وتوسع جغرافياّ بشكل مفاجئ ما قد يعطي الانطباع الخاطئ بوجود مؤامرة معينة»
سوف أستكمل الخطاب في المقال القادم، مع تلخيص لبعض المقالات المهمة في الصحافة العالمية