قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Tuesday, March 14, 2017

حكاية للأطفال فقط - 5


رسوم الفنان طارق عزام

6- جودت  (تكملة)

كأنما لم يحدث شيء نهض الثلاثة وغادروا الكافتيريا، طبعًا بعد ما ألقوا قنبلة من علامات الاستفهام. لسبب ما أقابل أبطال قصصي في هذا المكان بالذات..

منذ أعوام قرأت (ست شخصيات تبحث عن مؤلف) تحفة الإيطالي لويجي براندللو، لكنها تختلف كثيرًا عن الوضع الحالي. أنا أعيش في شبكة معقدة من المصادفات.. لا شك في هذا..

لكن… كم فتاة تعرفها اسمها (نازدار)؟ وكم (رافان)؟ هل هناك مصادفة كهذه؟

عدت أطالع النص، ثم قررت أن أترك هذه الأسئلة السخيفة وأن أعود لاستكمال ما بدأته. وجدت على مائدة مجاورة جريدة مطوية.. هذا مشهد غير معتاد لأن الناس لم تعد تقرأ الصحف كما تعلم. صارت الصحف الورقية شيئًا نادرًا مسليًا، وقد خطر لي أن أقلب صفحات الجريدة بحثًا عن إلهام أو شيء ممتع..

نهضت وأخذتها ثم عدت للمائدة، وجاء النادل فطلبت كوبًا من النعناع بالليمون (الموخيتو).. ثم رحت أقلب الصفحات في تؤدة.. غريب هذا.. صفحة الحوادث فيها ثلاثة أخبار عن رضع أو أطفال ماتوا في ظروف غامضة. الأمر يحدث فعلاً.. لو أن طبيبًا نفسيًا سمع بهذه القصة، لقال إنني عرفت القصة كلها وقابلت هذه الوجوه من قبل، ثم إنها خرجتْ من عقلي الباطن عندما أردت كتابة قصة، مع لمسة من ظاهرة Jamais vu التي توحي لك بأنك ترى للمرة الأولى أشياء رأيتها مرارًا من قبل. كثيرًا ما يكون الكاتب بريئًا من اتهامه بالسرقة الأدبية، وإنما هو يستخرج ذكريات نسي أنه يعرفها. فهل أنا عايشت هذه الأحداث كاملة قبل أن أكتبها؟

القصة جيدة.. قصة الشقيقات إمبوسي القادمات من العراق وعليهن الوفاء بعهد الدم، أو بمعنى أدق يتوهمن أنهن كذلك.. ثلاث فتيات جميلات.. ربما صرن اثنتين فقط..

علي أن أتجاهل هذه الظواهر الغريبة وأستكمل قصتي…

المشكلة الأولى هي أن أجد مبررًا لقتل فيروز..

ما يحدث هنا هو تكرار لمشهد شهير في قصة برام ستوكر المخيفة: دراكيولا. أنت تعرف أن أبا الفتاة لوسي انتظر في المقابر ليلاً مع فان هلسنج. قرب الفجر استطاع أن يرى المشهد المخيف لفتاة تحمل طفلاً وقد تلوث فمها بالدم.. عندما دقق أكثر أدرك أنها لوسي ابنته. هكذا صدق. وعندما أغمضت عينيها كان على استعداد لأن يطيع فان هلسنج للنهاية.. يغرس الوتد في قلبها ثم يقطع الرأس ويحشو الفم بالثوم..

لقد راقب الفتى شادي فيروز جيدًا…

لعله طلب منها أن تطلب رأي الطب النفسي، ولربما وعدته لكنها لم تفعل. لا أحد يذهب للطبيب النفسي ليقول له إنه يتمنى قتل طفل.

زار معها أحد مستشفيات الأطفال حيث كان يطمئن على ابن واحد من أقاربه، وقد لاحظ نظراتها الزائغة.. ثم – دعنا نتخيل ذلك – منعها من خنق طفل في دورة المياه.. منعها في آخر لحظة..

هكذا أدرك أن فيروز التي يهيم بها حبًا لعنة على نفسها وعلى البشرية كلها..

على الأرجح رافان ونازدار مثلها.. لكنه على الأقل قادر على الخلاص من فيروز كبداية..

وضع الخطة واختار مكانًا آمنًا يمكن أن يرتكب فيه جريمته.. أنا رأيت استعدادات الجريمة، والله وحده يعلم كيف حدث هذا…

هكذا يمكن القول إننا بررنا الجريمة.. ليس السبب قويًا لهذا الحد ولا يتناسب مع بشاعة الجريمة، لكني لا أجد حلاً أفضل..

السؤال الآن هو رد فعل الشقيقتين.. ثم ماذا عن الشرطة؟ سوف تتكلم رافان وتحكي عن الفتى الذي يخرج مع فيروز ويهيم بها حبًا.. ماذا عن رد فعل الأب؟ ماذا ستفعل نازدار عندما تعرف؟

هذه أسئلة سيكون علي أن أجيب عنها..

***************

في اليوم التالي جلست في كافيه أرجوس كعادتي.. انتهيت من التهام غدائي والساعة الرابعة عصرًا. أشعلت لفافة تبغ وبدأت أضغط على أزرار اللاب توب، وفجأة شعرت بوجود شخص ما.. شخصين..

رفعت عيني فوجدت فتاتي أمس: رافان ونازدار.. إنهما تدخلان الكافتيريا.. تجلسان إلى ذات المنضدة. تنظران لي للحظة ثم تتجاهلانني. تجلسان وقد تقارب الرأسان وهما تتكلمان.. من الغريب أن الصوت مسموع لي. دنا النادل فتوقفتا عن الكلام وطلبت نازدار قدحين من الكابتشينو ثم عادت تتكلم مع أختها.

سمعت رافان تقول:
- «كل علامات الاستفهام تحوم حول ذلك الفتى شادي. هو الذي يخرج معها وينفرد بها..»

قالت نازدار في عصبية:
- «حمقاء أنت!.. أشياء كهذه لا يمكن أن تداريها عني. كنتما تتآمران معًا وتعتقدان أنني مجنونة. أليس كذلك؟»

لم ترد رافان .. ساد الصمت، ثم قالت:
- «المهم أن نعرف ماذا حدث.. أقترح أن نبلغ الشرطة ونتهمه بشكل مباشر».

قالت نازدار وهي تشرب الكابتشينو:
- «كلام فارغ.. أنت تعرفين أننا لا يمكن أن ندخل الشرطة في حياتنا.. هذا غير وارد»

- «والحل؟»

- «الحل الوحيد هو أن نعذبه ونستخرج منه الحقيقة.. بعدها نمتص دمه ونلقي به في نهر دجلة»

- «النيل.. تقصدين نهر النيل»

كنت أسمع هذه الكلمات وأرتجف.. أنا قد جننت حتمًا. لا مجال للشك فيما يحدث. آرثر كونان دويل يسمع محادثة بين شيرلوك هولمز وواطسون. طبعًا هذا مستحيل ومعناه ببساطة أنني جننت. أخلق عوالم خيالية ثم أجد نفسي وسطها..

هل صارت رافان من الأخوات إمبوسي بدورها؟ كانت مستنكرة مندهشة في قصتي. حسب قصتي قد تغيرت فيروز فعلاً..

أجفلت عندما استدارت نازدار للخلف ونظرت نحوي. أقسم أن عينيها كانت تشعان نارًا..

ثم أنها مالت على رافان وهمست بصوت مسموع:
- «هذا الجالس خلفنا.. الذي يجلس أمام لاب توب أقسم أنه سمع محادثتنا»

ألقت رافان نظرة سريعة ثم قالت:
- «لن يفهم شيئًا.. لا عليك!»

قالت نازدار وهي تنظر نحوي:
- «بل هو يفهم ويتابع المحادثة.. عيناه تشيان بذلك. لاحظت أنه كان يتابعنا أمس باهتمام شديد.. أعتقد أنه شاهد خطرًا! أنا لا أهتم سوى بالأطفال، لكن قائمة من أريد الخلاص منهم بين الكبار تتمدد»

كنت أرتجف خوفًا…

لابد من تفسير واضح لهذا الذي يحدث..

أنا لا أريد كتابة هذه القصة.. سأمزق الورق وأمحو الملف من ذاكرة الكمبيوتر. لكن هل يؤدي هذا لزوال هاتين الشيطانتين من عالمي؟

سأنقطع عن هذا الكافيه لفترة.. لربما أنسى تفاصيل هذه القصة…

يُتبع