قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Saturday, March 25, 2017

المرض الأسود


محيرة جدًا وعجيبة بحق قصة الفتى أحمد الخطيب الذي أصيب بداء كالا آزار في السجن مؤخرًا، وهي مليئة بعلامات الاستفهام بحق. الأمر أكبر بكثير من سجين أصيب بمرض عضال، بل نحن نتكلم عن وباء خطير قابل للانتشار ولا نعرف كيف دخل مصر.

عرف الجنود البريطانيون داء الكالا آزار منذ زمن بعيد، ونحن قلنا مرارًا إن طب المناطق الحارة هو علم استعماري قاد دفته أطباء الجيش البريطاني من عينة بروس ومانسون، والسبب هو محاولة فهم ما يحدث لجنودهم في أقطار العالم المختلفة. وقد وجدوا المرض أولاً في بنجلاديش، واسمه لفظة سنسكريتية معناها (المرض الأسود) أو (الحمى السوداء). السبب هو أن المرض يكسب الجلد صبغة سمراء مميزة.

أول من عزل الطفيل وحيد الخلية هو الطبيب الاسكتلندي ليشمان.. وفي نفس الوقت تقريبًا توصل الأيرلندي دنوفان لنفس الشيء. لهذا صار اسم الطفيل الذي نعرفه هو (ليشمانيا دونوفاني) تخليدًا للعالمين. 


يمكنك أن تستعمل اسم كالا آزار أو الليشمانيا الحشوية. هذا مرض يوجد في أفريقيا وفي أمريكا الجنوبية وجنوب أوروبا. وبما أن الأوبئة تزدهر حيث توجد حروب أهلية، فإننا نجد أن المرض ينتشر في جنوب السودان ويهاجر مع المهاجرين.  


لا تقلق، فلن أحول المقال إلي محاضرة ، ولكن لابد أولاً أن نعرف ما نتكلم عنه. اللشمانيا تسبب ثلاثة أنواع مختلفة من الأمراض: الكالا آزار وهو الأخطر، وإن لم تتوقعه كطبيب فأنت ستفكر في سرطان الدم أو السرطان اللمفاوي. إنه يسبب مليون حالة جديدة في العالم كل عام، و20 ألف وفاة سنويًا. النوع الثاني رأيناه كثيرًا في مصر، وهو اللشمانيا الجلدية.. كل مصري ذهب للعراق أو سوريا يعرف ما هي قرحة بغداد. النوع الثالث يصيب الجلد والأغشية المخاطية وهو النوع الذي تقابله في أمريكا الجنوبية.

ينتقل المرض عن طريق لدغة ذبابة الصحراء (فليبوتوماس)، وهي منتشرة في قطاع كبير من العالم، وموجودة في مصر. كائن رشيق خطر بارع الجمال يعيش على الكلاب كعائل وسيط. لكن لابد للذبابة من أن تلدغ أولاً مريضًا باللشمانيا. البراغيث لا تسبب الطاعون لكنها تمص دم مريض بالطاعون ثم تمص دم شخص سليم فينتقل له الطاعون. البلاغات لمنظمة الصحة العالمية تقتصر حاليًا تقريبًا على البرازيل والصومال وإثيوبيا والهند وجنوب السودان والسودان. الوباء مولع بالقرى ذات الرطوبة العالية وغابات الأمطار، والأكواخ الصنوعة من طين.  


مرض كالا آزار يتكون من حشد من الأعراض الشرسة، منها الحمى مجهولة المصدر.. الهزال.. العقد اللمفاوية.. تضخم هائل في الطحال والكبد.. اللون الأسمر المميز.. الأنيميا الشديدة.

بعد العلاج بستة أشهر قد يصاب المريض بمرض جلدي مخيف هو (ما بعد الكالا آزار) حيث يمتلئ وجهه بالعقد، ويسهل وقتها أن تعتقد أنها حالة جذام . شاهد هذا الكليب الذي يحكي عن المرض. هنا كذلك ملخص عن الداء.


عامة يتسبب سوء التغذية ونقص البروتين وحالة القذارة العامة في انتشار المرض. التغيرات البيئية في الرطوبة والحرارة تجعل الطفيل يزداد شراسة.

تشخيص المرض صعب جدًا ما لم يكن في منطقة موبوءة.. أي طبيب سيفكر في سرطان الدم أو السرطان اللمفاوي، لكن العثور على الطفيل في عينة النخاع أو الطحال يشخص المرض فورًا. هناك كذلك طرق مناعية للتشخيص.

علاج الليشمانيا معروف منذ زمن بعيد، ومن القصص الطريفة التي تقال عنه أن الجنود البريطانيين في السودان كانوا يتلقون حقن الأنتيموني خماسي التكافؤ لعلاج الليشمانيا، فلاحظوا أن الدم اختفى من بولهم وبرازهم.. لقد شفيت البلهارسيا بالمرة!... أي أن علاج الليشمانيا جعل البشرية تعرف علاج البلهارسيا. على أن العلاج تطور كثيرًا بالطبع، خاصة مع اكتساب الطفيل لخصائص المقاومة. حاليًا هو الأمفوتريسين والبارومومايسين والملتفوسين الدواء الجديد الواعد الذي يُعطى لمدة 28 يومًا، ولا يحتاج لدخول المستشفى.

ننتقل الآن إلى أحمد الخطيب الذي تملأ قصته شبكة الإنترنت. مع هذا التقرير الطبي: 


وهو تقرير صادر عن جامعة القاهرة وليس عن عيادة طبيب خاصة. لا مزاح هنا.

ما عرفناه عن أحمد الخطيب هو أنه طالب في جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا, من مواليد 1994. وقد اعتقل في أكتوبر 2014، واستقر في واحد من سجون وادي النطرون. منذ فترة اصيب بأعراض غامضة، وكما قلت فإن أي طبيب سوف يعتقد أنها أعراض سرطان دم. ثم قيل إن التشخيص تم، ونقل إلى مستشفى حميات العباسية مع الكثير من التعتيم الإعلامي.

السؤال الأول هو: من أين أصيب أحمد بالكالا آزار؟ ذبابة الصحراء متوافرة في بيئتنا وبالتأكيد لدغته في السجن مرارًا، لكن أين الحالة الأولى التي نقلت له المرض؟ مصر عرفت حالات ليشمانيا جلدية، وحالات كالا آزار ظهرت في أطفال جاءوا من ليبيا، لكن معلوماتي هي أن أحمد لم يغادر مصر قط، فكيف أصيب؟ وجود العائل الوسيط لا يعني وجود المرض. إن البعوضة التي تملأ حمامات بيوتنا هي الإيدز إيجبتي التي تنقل الحمى الصفراء، ولكن الحمى الصفراء لم تدخل مصر قط لهذا ظلت البعوضة مسالمة، ولو ظهرت حالة واحدة فلسوف يجتاح الوباء البلاد.

السؤال الثاني: بما أنه مصاب بالمرض وبما أن ذبابة الصحراء متوافرة، فمعنى هذا أن كل زملاءه في المعتقل يحملون الطفيل في دمهم الآن. إن فترة الحضانة أسابيع لكنها قد تمتد لعامين ونصف في بعض المجلات الطبية.

السؤال الثالث: هل هناك احتمال خطأ في التشخيص؟ ولماذا استعمل المختبر صبغات اللشمانيا بالذات؟ هل هي سياسة روتينية؟

الأمر خطر ويحتاج لأعلى درجة من الشفافية. انقلبت الدنيا رأسًا على عقب عندما ظهرت حالات طاعون في الصحراء الغربية منذ عشرة أعوام تقريبًا، وعلينا أن نتعامل بنفس الذعر اليوم.

ما هو رأي مستشفى حميات العباسية، وهي تضم أبرع أطباء المناطق الحارة في مصر؟ هل تم عرض الحالة على وحدة النمرو الخاصة بالأبحاث الطبية للبحرية الأمريكية؟

السؤال الرابع: هل هناك عامل بيئي أدى لظهور هذا المرض في مصر؟

السؤال الخامس: لو ظهر الوباء فهل يمكن أن نسيطر عليه؟ تذكر أن دواء البلهارسيا الرائع (البرازيكوانتل) قد اختفى.. وبالتالي بدأت البلهارسيا تظهر من جديد بعد ما كنا قد قضينا عليها، فهل نحن قادرون على توفير الملتفوسين؟

ننتظر الإجابات ورهاني هو أنها لن تصل أبدًا...